عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقالة الأولى/النظر الخامس



النظر الخامس
في فلك الشمس


وهو يحده سطحان كرويان مركزهما مركز العالم، الأعلى منهما مماس لمقعر فلك المريخ، والأدنى منهما مماس لمحدب فلك الزهرة، ودورته من المشرق إلى المغرب تتم في ثلاثمائة وستين يوماً وربع يوم، وينفصل عنه فلك شامل للأرض مركزه خارج المركز كما مر ذكره فى أفلاك الكواكب الثلاثة من غير فرق، إلا أن الشمس ههنا بمتزلة فلك التدوير، إذ ليس الشمس فلك التدوير، وذلك من لطف الله تعالى وعنايته بالعباد لأنّه لو كان لها فلك التدوير، كما لسائر الكواكب السيارة رجعت، وبرجعتها يتمادى الصيف ستة أشهر، وكذلك الشتاء فيؤدي إلى هلاك الحيوان والنبات لأنّ الشمس إذا بقيت مسامتة لرؤوس قوم ستة أشهر لتغير مزاج حيوانهم، واحترق نباتهم، وإن بعدت عن قوم ستة أشهر استولى البرد على مزاجهم وأنطفات حرارتهم وفسد نباتهم، وثخن جرم فلك الشمس ثلاثمائة ألفا وخمسة وخمسون ألفاً وأربعة وسبعون ميلاً.


فصل
في الشمس


وهي أعظم الكواكب جرماً، وأشدها ضوءاً ومكانها الطبيعي الكرة الرابعة، وهي بين الكواكب كالملك وسائر الكواكب كالأعوان والجنود، فالقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب، والمريخ كصاحب الجيش، والمشتري كالقاضي، وزُحل كصاحب الخزائن، والزهرة كالخدم والجواري، والأفلاك كالأقاليم، والبروج كالبلدان، والحدود والوجوه كالمدن، والدرجات كالقرى، والدقائق كالمحال، والثواني كالمنازل، وهذا تشبيه جيد، ومن لطف الله تعالى جعلها في وسط الكواكب السبعة لتبقى الطبائع والمطبوعات في هذا العالم بحركاتها على حدها الاعتدالي، إذ لو كانت في فلك الثوابت لفسدت الطبائع من شدة البرد، ولو انحدرت إلى فلك القمر لاحترق هذا العالم بالكلية، وخلقها سائرة غير واقفة وإلا لاشتدت السخونة في موضع والبرودة في موضع، ولا يخفى فسادهما بل تطلع كل يوم من المشرق ولا تزال تمشي موضعاً بعد موضع إلى أن تنتهي إلى المغرب، فلا يبقى موضع مكشوف مواز لها إلا ويأخذ موضع شعاعها، وتميل كل سنة مرّة إلى الجنوب ومرّة إلى الشمال لتعم فائدتها، وأما جرمها فضعف جرم الأرض مائة وستة وستين مرّة، وقطر جرمها أحد وأربعون ألفاً وتسعمائة وثمانية وسبعون ميلاً.


فصل
في كسوفها


وسببه كون القمر حائلاً بين الشمس وبين أبصارنا، لأن جرم القمر كمد فيحجب ما وراءه عن الأبصار، فإذا قارن الشمس، وكان في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريباً منه فَإنّه يمر تحت الشمس، فيصير حائلاً بينها وبين الأبصار لأنّ الخطوط الموهومة الشعاعية التي تخرج من أبصارنا متصلة بالبصر على هيئة مخروط رأسه نقطة البصر وقاعدته المبصر، فإذا حال بيننا وبين الشمس يتحصل مخروط الشعاع أولاً بالقمر، فإن لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج وقع جرم القمر في وسط المخروط فتنكسف الشمس كلها، وإذا كان للقمر عرض يتحرف المخروط عن الشمس بمقدار ما يوجب العرض، فينكسف بعضها، وذلك إذا كان العرضى أقل من مجموع نصف القطرين، فإن كان يماس جرم القمر مخروط الشعاع لا تتكسف الشمس، ثم الشمس إذا انكسفت لا يكون لكسوفها مكث، لأنْ قاعدة مخروط الشعاع إذا انطبق على صفحة القمر انحرف عنه فى الحال فتبتدىء الشمس بالانجلاء، ولكن يختلف قدرالكسوفات باختلاف أوضاع المساكن بسبب اختلاف المنظر، وقد لا تنكسف في بعض البلاد أصلاً.


فصل
في خواص الشمس وعجيب تأثيرها في العلويات والسفليات


أمّا في العلويات فإخفاؤها جميع الكواكب لكمال شعاعها وإعطاؤها للقمر النور بسبب قربه منها وبعده عنها، وجميع ما ذكرنا من فوائد القمر فائدة من فوائد الشمس.

وأما في السفليات، فمنها تأثيرها في البحار، فإنّها إذا أشرقت على الماء صعدت منه أبخرة بسبب السخونة، فإذا بلغ البخار إلى الهواء البارد تكاثف من البرد، وانعقد سحاباً ثم تذهب به الرياح إلى الأماكن البعيدة عن البحار، فينزل مطر يحي الله به الأرض بعد موتها، وتظهر منه الأنهار والعيون فيصير سبباً لبقاء الحيوان وخروج النبات وتكون المعادن،

وقد قال الله عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ﴾.

ومنها أمر المعادن، فَإِنّ العصارات التي تتحلب في باطن الأرض من مياه الأمطار إذا اختلطت بالأجزاء الأرضية تصحبها الشمس فتتولّد منها الأجساد المعدنية بحسب موادها كالذهب والفضة وسائر الفلزات وكالياقوت والزبرجد وسائر الأحجار النفيسة، وكالزئبق والكبريت والزرنيخ والملح والنوشادر ولا يخفى عموم فوائد هذه الأشياء كلها،

ومنها أمر النبات فإنَ الزروع والأشجار لا تنبت إلا في المواضع التي تطلع عليها الشمس، وكذلك لا ينبت تحت النخل والأشجار العظيمة التي لها ظلال واسعة شيء من الزروع، لأنها تمنع شعاع الشمس عما تحتها، وحسبك ما ترى من تأثير الشمس بحسب الحركة اليومية في النيلوفر والأدريون وورق الخروع، فإنّها تنمو وتزداد عند أخذ الشمس في الارتفاع والصعود، فإذا زالت الشمس أخذت في الذبول حتى إذا غابت ذبلت وضعفت، ثم عادت في اليوم الثاني إلى حالها،

ومنها تأثيرها في الحيوانات، فإنا نري الحيوان إذا طلع نور الصبح خلق الله تعالى في أبدانها قوة، فتظهر فيها قوة حركة وزيادة نشاط وانتعاش، وكل ما كان طلوع نور الشمس أكثر، كان ظهور قوة الحيوان في أبدانها أكثر إلى أن تصل إلى وسط سمائهم، فإذا مالت عن وسط سمائهم أخذت حركاتهم وقواهم في الضعف، ولا تزال تزداد ضعفاً إلى زمان غيبوبتها، فإذا غابت الشمس رجعت الحيوانات إلى أماكنها ولزمتها كالموتى، فإذا طلعت الشمس عليهم في اليوم الثاني عادوا إلى الحالة الأولى، ومن عجيب تأثيرها في الحيوانات أن تجعل أهل البلاد القريبة عن مسامتتها كبلاد السودان الذين هم في الإقليم الأول سوداً محترقين، وتجعل وجوههم من شدة الحرارة قحلة، وجثتهم خفيفة، وأخلاقهم وحشية شبيهة بأخلاق السباع، والمواضع البعيدة عن مسامتتها كبلاد الصقالبة والروس تجعلهم لضعف حرارتها بيضاً، وتجعل شعورهم سبطة شقراً، وأبدانهم رخصة عظيمة، وأخلاقهم شبيهة بأخلاق البهائم،

ومنها ما زعمت البراهمة أن أوج الشمس في كل برج ثلاثة آلاف سنة، وتقطع الفلك في ستة وثلاثين ألف سنة، والآن في وقتنا هذا وهو إحدي وستّون وستمائة فى برج الجوزاء، زعموا أن الأوج إذا انتقل إلى البروج الجنوبية انقلبت أحوال الأرض وهيئاتها، فصار العامر غامراً والغامر عامراً، والبحر يابساً واليبس بحراً، والجنوب شمالاً والشمال جنوباً.