عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقالة الأولى/النظر العاشر



النظر العاشر
في فلك البروج


اعلم أنّه ليس فلك كسائر الأفلاك، بل هو أمر موهوم، وذلك لأنّهم ذهبوا إلى أن لكل كوكب من الكواكب كرة تخصّه، وإِنّ لكل كرة حركة تخصّها، وأن الكوكب مركوز في جرم الفلك كنقطة، وأن كل كرة تتحرك على قطبين، وأنّ النقطة الى عليها برسم دائرة موهومة على سطح الكرة، فإذا تحرك فلك الشمس من المشرق إلى المغرب كانت حركته قسرية، وإنما حركة فلك الشمس المختصّة به من المغرب إلى المشرق فإذا تمت دورته حدثت من مركز الشمس دائرة عظيمة في فلك الشمس، وتتوهم هذه الدائرة قاطعة للعالم فتحدث في سطح الفلك الأعلى دائرة عظيمة مركزها مركر العالم، وهي الدائرة التي تسمّى فلك البروج، ثم إِنّ الدائرة التي هي أعظم الدوائر التي تمر بمركز العالم وتقطع العالم نصفين، وقطبها قطبا العالم اللذان يسميان الشمالي والجنوبي تسمّى دائرة معدل النهار. فنقول دائرة فلك البروج تقطع دائرة معدل النهار نصفين على نقطتين متقابلتين تسمّى إحداهما نقطة الاعتدال الربيعي، والأخرى نقطة الاعتدال الخريفي، ثم تتوهم دائرة أخرى تمر بنقطتي معدل النهار، وهما قطبا العالم ونقطتي فلك البروج فتقطع دائرة فلك البروج على نقطتين متقابلتين، إحداهما مما يلي الشمال، والأخرى مما يلي الجنوب، أمّا الشمالية فتسمى نقطة الاتقلاب الصيفى، وأمّا الجنوبية فتسمى نقطة الانقلاب الشتوي، فهاتان الدائرتان تقسمان فلك البروج أربعة أقسام متساوية. أما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الربيعي وبين الانقلاب الصيفي فهو الذي يحدثه زمان الربيع، لأنّ الشمس ما دامت بحركة فلكها الخاص مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان ربيعاً. وأمًا الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الصيفى والاعتدال الخريفى فهو الذي يحدثه زمان الصيف لأن الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى ذلك الزمان صيفاً. وأما الربع الذي بين نقطتي الاعتدال الخريفى والانقلاب الشتوي فهو الذي يحدثه زمان الخريف لأن الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان خريفاً.

وأما الربع الذي بين نقطتي الانقلاب الشتوي والاعتدال الربيعي فهو الذي يحدثه زمان الشتاء لِأنّ الشمس ما دامت مسامتة لهذا القوس يسمّى الزمان شتاء، تتوهم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، فيقطعان الربع الربيعي ثلاثة أقسام متساوية، ويقطعان أيضاً الربع الخريفي المقابل لهذا الربع ثلاثة أقسام متساوية، وتتوهم أيضاً دائرتان عظيمتان تخرجان من قطبي دائرة البروج، وتقطلعان الربع الصيفي والربع الشتوي المقابل له، كل واحد منها ثلاثة أقسام متساوية، فتصير جملة الدوائر الخارجة من قطبي دائرة البروج ستة، فإذا ترهمنا ست دوائر قاطعة للعالم تمر بقطبي الدائرة بنقطتين متقابلتين، انقسم كل واحد من الأفلاك التسعة اثني عشر ر قسماً، يسمّى كل قسم منها برجاً، وكل برج منها مقسوم ُ ثلاثين قسماً، يسمى كل قسم منها درجة، فالدوائر بجملتها ثلائمائة وستون درجة، ثم قسموا فلك الثوابت بهذه الدوائر الست اثني عشر قسماً، في كل قسم كواكب متشكلة بأشكال مختلفة، ففى أحد هذه الأقسام كواكب متشكلة بشكل يشبه صورة الحمل، فسمّي ذلك القسم برح الحمل، ثم يلي هذه القطعة قطعة عليها كواكب متشكلة يصورة شبيهة بالثور، فيسمى هذا القسم برج الثور، وهكذا إلى آخر الأقسام، وذكر بطليموس أن دائرة البروج أربعمائة وستّة وثمانون ألف ألف ومائتان وتسعة وخمسون ألفاً وسبعمائة وأحد وعشرون ميلاً وسبع ميل، فطول كل برج تسعة وثلاثون ألف ألف وثلاثمائة وثمانية وثمانون ألفاً وثلاثمائة وعشرة أميال ونصف وسدس ميل، وعرض كل برج ألف ألف وثلاثمائة واثنان وعشرون ألفاً وتسعمائة وثلاثة وأربعون ميلاً وثلث ميل، والله الموفق للصواب.