عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقالة الثانية/النظر الأول



النظر الأول
في حقيقة العناصر وطباعها وترتيبها وانقلاب بعضها إلى بعض


ذهبوا إلى أن العنصر هو الأصل، وإنما سميت هذه الأجسام عناصر، لأنها أصل المولدات أعني المعادن والنبات والحيوان، وتسمى أيضا أركاناً وهي أربعة: النار والهواء والماء والتراب، فالنار حارة يابسة مكانها الطبيعي تحت الفلك، وفوق الهواء، والهواء حار رطب ومكانه الطبيعي تحت النار وفوق الماء، والماء بارد رطب ومكانه الطبيعي تحت الهواء وفوق الأرض، والأرض باردة يابسة ومكانهاالطبيعي الوسط ثم إن كل واحد من هذه الأركان متكيف بكيفيتين يشاكل الذي يقربه بكيفية ويضاده بأخرى فلأجل مشاكلتها تقاربت مراكزها، ولأجل تضادها تباينت، واختص كل بمركز لا يقف إلا فيه إذا منعه مانع، فإذا ارتفع المانع كان النزوع إلى مركز العالم فهو ثقيل، وإن كان إلى المحيط فهو خفيف، واللّه أعلم.


فصل
في انقلاب هذه العناصر بعضها إلى بعض


أما الهواء فينقلب ماءً كما يشاهد في القطرات المجتمعة على سطح الإناء المنخذ من الصفر، فإنك إذا تركت فيه ماء يرى على أطراف الإناء قطرات من الماء، ومعلوم أن ذلك ليس من ترشح الإناء، بل سببها أن الهواء المحيط بالكون يصير بارداً بسبب برودة الجمد، فيصير ماء ويقع على أطراف الإناء والماء أيضاً ينقلب هواء كما يشاهد من البخارات الصاعدة من حرارة الشمس أو النار، والهواء ينقلب ناراً كما يشاهد من السموم في بعض المواضع عند شدّة الحر وكما نرى من كير الحدادين إذا بالغوا في نفخه فإن هواءه يصير بحيث إذا دنا منه شيء يحترق، والماء ينقلب أرضا كما نرى من بعض المياه أنها تصير حجرا، والأرض تنقلب ماء كما يفعله أصحاب الإكسير بسحق أجزائها، وخلط بعض الأدوية بها حتى تصير كلها ماء، ولا يبقى فيها أجزاء الأرضية، واللّه تعالى هو الموفق للصواب.