عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقدمة الرابعة



المقدمة الرابعة
في تقسيم الموجودات


كل موجود سوى الواحد سبحانه مخلوق، وكل ذرّة من جوهر وعرض وصفة وموصوف فيها غرائب وعجائب يظهر فيها حكم الله تعالى وقدرته، وإحصاء ذلك غير ممكن، لكنّا نشير إلى ذلك وتقول إجمالاً، فنقول: الموجودات منقسمة إلى ما لا نعرف أصلها، ولا يمكننا النظر فيها، فكم من موجود لا نعلمه كما قال الله تعالى: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾، وإلى ما نعرف جملها ولا تعرف تفصيلها، وهي منقسمة إلى ما لا يدرك بالبصر كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين وغيرها، فمحال النظر فيها، ولا يمكن أن يقال فيها إلا ما صحّ بالنصوص والأخبار والآثار. وأمّا المدركات بالبصر كالسمـٰوات والأرض وما بينهما، والسمـٰوات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها ودورانها، والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها وبحارها وأنهارها ومعادنها ونباتها وحيوانها وما بين السماء والأرض، وهو الجو مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعودها وبروقها وصواعقها وشهبها وعواصف أرياحها، فهذه هي أجناس المشاهدات من السمـٰوات والأرض وما بينهما، وكل جنس منها ينقسم إلى أنواع، وكل نوع ينقسم إلى أصناف، وكل صنف ينقسم إلى أقسام، ولا نهاية لاستيعاب ذلك، وانقسامها في اختلاف صفاتها وهيئاتها ومعانيها الظاهرة والباطنة، وفي جميع ذلك مجال البصر، فلا تتحرك ذرة في السمـٰوات والأرض إلا وفي تحريكها حكمة، أو حكمتان أو عشرة أو ألف، وكل ذلك دليل على وحدانيته وعظمته، كما قال بعضهم:

وفي كل تحريكة
وتسكينة أبداً شاهد
وفي كل شيء له آية
تدل على أنّه واحد