فيما يحتاج إليه الصانع من أعمال الهندسة/الباب الأول



الباب الأول
في المسطرة والبركار والكونيا


أعلم أنّ صحة الأعمال واستواءها يكون بصحة ثلاثة أشياء وهي المسطرة والبركار والكونيا فأما المسطرة فالمراد منها وجدان خط مستقم لاعوج فيه وهو على ما قاله أرشميدس أقصر خط يصل بين نقتطين مثل أ ب أمكننا أن نخرج من إحديهما إلى الأخرى خطوطاً كثيرةً مثل خطوط أ ح ب أ د ب أ هـ ب وأقصرها كلّها هو الخط المستقيم مثل خط أ ح ب

فإذا كان لنا مسطرة وكان حرفاها على خطٍ مستقيم كانت تلك المسطرة صحيحة وهذه المساطير تستعمل فيما قصر من الرسّوم والخطوط فأما إذا طال فإن رسمها يكون بالخيوط فإن المساطر إذا تصحح بالرقان والكستراك فإذا طال ما نريد أن نصححه ضرب بالخيوط المخرقة ثم نصحح ذلك بالرقان والكستراك فإذا أردنا أن نصحح المسطرة بردناها أولاً بالمبرد إن كان من بعض الأجسام الصلبة مثل الحديد والصّفر وغيرها أو بالفأس إن كان من الخشب ثم صححناها بالكستراك أو بالرقان فإذا فرغنا من تصحيحها وأردنا ان نعرف صحتها وضعناها على موضع مستوى وخططنا حرفها خطاً ثم قلبنا المسطرة وخالفنا بين طرفيها وخططنا مع حرفها خطاً آخر فإن انطبق الخطان كانت المسطرة صحيحة وان لم ينطبق علمنا ان مواضع الاعوجاج منها بيّن في المواضع التي يفرق فيه الخطان ولم ينطبق وأكثر الصنّاع يتأملون صحتها بالعين وذلك أنا إذا نظرنا من أحد طرفي المسطرة مع الحرف إلى الطرف الآخر تبين ما كان فيه من المواضع النابتة والمنخفضة لصحة استقامة الشعاعات.


عمل في البركار


فأمّا البركار فإنه يحتاج إليه لرسم المدوّرات وقسمة الأعمال وأخذ المقادير المتساوية وصحته أن بصحة ثقبه واستواء قواعد رجليه المنطبقة بعضها على بعض واستواء المسمار فإن الخلل إذا وقع في واحدٍ من هذه تغير حركته عند الفتح والضّم وقفز في الحركة وإذا كان الثقبان من الرجلين صحيحين ووجه القاعدتين مستويين وركب فيه مسمار مستوى الخرط شديد الاستقامة كان ذلك صحّة البركار وكانت حركته في فتحه وضمه من أوله إلى آخره شيئاً واحداً لا يقفز في موضع منه وأجود ما يكون البركار إذا كان مسماره قطباً ركب فيه مرسى والشيزكه ليتمكن منه الصانع عند الفتح والضم ويجعله على مقدار ما نريد أن يكون عليه من الصلّابة والسلاسة وإن حدث فيه عيب أمكن اصلاحه عن قريب فهذا الذي ذكرناه نعرف به صحة البركار الذي ترسم به دوائر صغار وما كان يقارب ذراعين وما دونهما فإمّا ما زاد على هذا المقدار فإن هذا النوع من البراكير يضطرب فيه عند العمل فلأجل ذلك احتجنا أن زذكر البراكير الدوّلابية وهى ما كان مركباً على مساطر وذلك أنا إذا أردنا ان نعمل بركاراً دولابياً عملنا رجلين لبركار صغير ثم ركباهما على مسطرة بقطبين وقوسين وأشركن كل واحدٍ منهما على طرفٍ منها بالمقدار الذي نريد أن يكون فتح البركار وإن شئنا جعلنا في المسطرة على خطٍ في وسطها في الطول ثقوباً كثيرة وركبنا عليها الرجل الذي يحيط به البركار وعلى مقدار البعد الذي نريد أن يكون عليه فتح البركار ثم وضعنا الرجل الثابت في المواضع الذي نريد أن يكون مركز الدائرة والرجل الآخر يحيط به الدائرة وهذه صورته

وأن يشئنا ركبنا على أحد رأسي المسطرة على حرفه مسماراً دقيق الرأس يكون للمركز وجعلنا في الرأس الآخر محطاً يثقب على مقدار ما يدخل المسطرة فيه ويحنه ما أن تمكن بذلك من عمل الصغار والكبار وقسمة الأعمال الكبار والصغار وهذه صورته


في عمل الكونيا


أما الكونيا فهو زاوية قائمة ويحتاج إليها في تربيع المواضع وإصلاح ذلك وتسويته يكون بوجوهٍ كثيرة نقتصر على البعض منها في هذا الموضع لئلا يطول الكتاب وهذه صورته

فإذا أردنا أن نعمل كونيا ونصحح زاويته القائمة خططنا خطاً مستقيماً مثل خط أ ب كيفما اتفق طوله ورسمنا على طرفيه دائرتين متساويتين يتقاطعان على نقطتي جـ د يقطع أ ب على نقطة هـ فالزوايا الأربع التي تحدث عند نقطة كلها قائمة وهذه صورته


في عمل الكونيا


فإذا أردنا ذلك عملنا على خط أ ب نصف دائرة وعملنا عليها نقطة كيفما أتفقت مثل نقطة جـ وأخرجنا منها خطين إلى نقطتي أ ب فيكون زاوية أ جـ ب قائمة وهذه صورتها.

فإن قال قائل أردنا أن نعمل على طرف خط أ ب على نقطة أ زاوية قائمة ولا يمكننا أن نخرج خط أ ب على استقامته في جهة نقطة أ كيف نعمل ذلك

قلنا له أنا نعلم على خط أ ب نقطة جـ أى موضع اتفقت ونفتح البركار بمقدار بعد أ جـ ونرسم على نقطتى أ جـ دائرتين يقاطعان على نقطة د ويصل جـ د ويخرجه على استقامته إلى نقطة د هـ مثل نقطة هـ وبجعل خط د جـ ويصل أ هـ فيكون زاوية أ قائمة وهذه صورتها


في عمل الكونيا على طرف الخط


فإذا أردنا عملنا على خط أ ب نصف دائرة وقسمناها بنصفين على نقطة جـ كما سنبين فيما بعد ونصل د ونخرجه على استقامته إلى د ونجعل جـ د مثل جـ ب ونصل أ د فتكون زاوية د أ ب قائمة وهذه صورتها


معرفة صحة الكونيا


فإن كان لنا كوذيا وأردنا أن نعلم أن زاويته القائمة صحيحة ام لا امكننا ذلك بالعمل الذي تقدم ذكره مثال ذلك أنا أردنا أن نعلم أن الكونيا الذي عليه أ هـ ب زاويته القائمة وهي التي عند نقطة أ قائمة أم لا تعلمنا على خط أ ب نقطة د واستعملنا الطريق الذي سلكناه فيكون يقاطع الدائرتين عند نقطة ر فإذا وصانا ر د وأخرجنا هـ إلى نقطة جـ وجعلنا خط ر ح مثل خط ر د نظرنا إلى نقطة جـ فإن وقعت على خط أ هـ كانت زاوية قائمة وكانت الكونيا صحيحاً وإن وقعت خارج من خط أ هـ كانت زاوية حادة أعني أصغر من قائمة وإن وقعت داخل من خط أ هـ كانت زاوية أ منفرجة أعني أكبر من قائمة وهذه صورته


وجه ثاني في معرفة صحة الكونيا صناعي


وللصناع اعتبار آخر في معرفة صحة الكونيا وذلك أنهم إذا أرادوا أن يعرفوا صحة زاوية أ من الكونيا كالوا من جانب أ هـ من عند نقطة أ ثلاث كيلات متساوية بالبركار بأي قدر كان وكالوا من جانب أ ب أربع كيلات بذلك المقدار ووصلوا بين الموضعين اللذين بلغ إليهما الكيل بخطٍ فإن كان ذلك الخط خمس كيلات كانت زاوية الكونيا صحيحة قائمة وإن كان أكثر من خمس كيلات كانت الزاوية منفرجة وإن كان أقل من خمسة كانت الزاوية حادة وهذه صورتها


وجه آخر في إعتبار الكونيا


وقد يمكننا أن يعتبر ذلك بوجوه آخر وذلك إذا يكتل من خط أ هـ ب خمس كيلات ومن خط أ ب اثنا عشر كيله ونصل الوتر فإن كان ثلاثة عشر كيلاً فإن الكونيا زاويته صحيحة وإن خالف ذلك كان خطاء وهذه صورته