كتاب الأم/الرهن الصغير/رهن المشاع

ملاحظات: رهن المشاع



[قال الشافعي]: رحمه الله: لا بأس بأن يرهن الرجل نصف أرضه ونصف داره وسهما من أسهم من ذلك مشاعا غير مقسوم إذا كان الكل معلوما، وكان ما رهن منه معلوما، ولا فرق بين ذلك وبين البيوع، وقال بعض الناس لا يجوز الرهن إلا مقبوضا مقسوما لا يخالطه غيره وأحتج بقول الله - تبارك وتعالى - {فرهان مقبوضة}.

[قال الشافعي]: قلنا فلم لم يجز الرهن إلا مقبوضا مقسوما، وقد يكون مقبوضا وهو مشاع غير مقسوم؟ قال قائل فكيف يكون مقبوضا وأنت لا تدري أي الناحيتين هو؟، وكيف يكون مقبوضا في العبد وهو لا يتبعض؟ فقلت كان القبض إذا كان اسما واحدا لا يقع عندك إلا بمعنى واحد، وقد يقع على معان مختلفة قال بل هو بمعنى واحد قلت أوما تقبض الدنانير والدراهم وما صغر باليد؟ وتقبض الدور بدفع المفاتيح والأرض بالتسليم؟ قال بلى فقلت فهذا مختلف قال يجمعه كله أنه منفصل لا يخالطه شيء قلت فقد تركت القول الأول، وقلت آخر وستتركه إن شاء الله - تعالى -. وقلت فكأن القبض عندك لا يقع أبدا إلا على منفصل لا يخالطه شيء قال نعم قلت فما تقول في نصف دار ونصف أرض ونصف عبد ونصف سيف اشتريته منك بثمن معلوم؟ قال جائز قلت، وليس علي دفع الثمن حتى تدفع إلى ما اشتريت فأقبضه؟ قال نعم قلت فإني لما اشتريت أردت نقض البيع فقلت باعني نصف دار مشاعا لا أدري أشرقي الدار يقع أم غربيها ونصف عبد لا ينفصل أبدا، ولا ينقسم وأنت لا تجيزني على قسمه؛ لأن فيه ضررا فأنا أفسخ البيع بيني وبينك. قال: ليس ذلك لك، وقبض نصف الدار ونصف الأرض ونصف العبد ونصف السيف أن يسلمه، ولا يكون دونه حائل قلت أنت لا تجيز البيع إلا معلوما وهذا غير معلوم قال هو، وإن لم يكن معلوما بعينه منفصلا فالكل معلوم ونصيبك من الكل محسوب قلت: وإن كان محسوبا فإني لا أدري أين يقع قال: أنت شريك في الكل قلت: فهو غير مقبوض؛ لأنه ليس بمنفصل وأنت تقول فيما ليس بمنفصل لا يكون مقبوضا فيبطل به الرهن. وتقول: القبض أن يكون منفصلا قال قد يكون منفصلا وغير منفصل. قلت، وكيف يكون مقبوضا وهو غير منفصل؟ قال؛ لأن الكل معلوم، وإذا كان الكل معلوما فالبعض بالحساب معلوم قلت فقد تركت قولك الأول وتركت قولك الثاني فلم إذا كان هذا كما وصفت يجوز البيع فيه والبيع لا يجوز إلا معلوما فجعلته معلوما ويتم بالقبض؛ لأن البيع عندك لا يتم حتى يقضي على صاحبه بدفع الثمن إلا مقبوضا فكان هذا عندك قبضا زعمت أنه في الرهن غير قبض فلا يعدو أن تكون أخطأت بقولك لا يكون في الرهن قبضا أو بقولك يكون في البيع قبضا.

[قال الشافعي]: فالقبض اسم جامع وهو يقع بمعان مختلفة كيف ما كان الشيء معلوما أو كان الكل معلوما والشيء من الكل جزء معلوم من أجزاء وسلم حتى لا يكون دونه حائل فهو قبض فقبض الذهب والفضة والثياب في مجلس الرجل والأرض أن يؤتى في مكانها فتسلم لا تحويها يد، ولا يحيط بها جدار والقبض في كثير من الدور والأرضين إسلافها بأعلافها، والعبيد تسليمهم بحضرة القابض، والمشاع من كل أرض وغيرها أن لا يكون دونه حائل فهذا كله قبض مختلف يجمعه اسم القبض، وإن تفرق الفعل فيه غير أنه يجمعه أن يكون مجموع العين والكل جزء من الكل معروف، ولا حائل دونه فإذا كان هكذا فهو مقبوض والذي يكون في البيع قبضا يكون في الرهن قبضا لا يختلف ذلك.

[قال الشافعي]: ولم أسمع أحدا عندنا مخالفا فيما قلت من أنه يجوز فيه الرهن والذي يختلف لا يحتج فيه بمتقدم من أثر فيلزم اتباعه، وليس بقياس، ولا معقول فيغيبون في الاتباع الذي يلزمهم أن يفرقوا بين الشيئين إذا فرقت بينهما الآثار حتى يفارقوا الآثار في بعض ذلك؛ لان يجزئوا الأشياء زعموا على مثال ثم تأتي أشياء ليس فيها أثر فيفرقون بينها وهي مجتمعة بآرائهم ونحن وهم نقول في الآثار تتبع كما جاءت وفيما قلت، وقلنا بالرأي لا نقبل إلا قياسا صحيحا على أثر.

[قال الشافعي]: وإن تبايع الراهن والمرتهن على شرط الرهن وهو أن يوضع على يدي المرتهن فجائز، وإن وضعاه على يدي عدل فجائز، وليس لواحد منهما إخراجه من حيث يضعانه إلا باجتماعهما على الرضا بأن يخرجاه.

[قال الشافعي]: فإن خيف الموضوع على يديه فدعا أحدهما إلى إخراجه من يديه فينبغي للحاكم إن كانت تغيرت حاله عما كان عليه من الأمانة حتى يصير غير أمين أن يخرجه ثم يأمرهما أن يتراضيا فإن فعلا، وإلا رضي لهما كما يحكم عليهما فيما لم يتراضيا فيه بما لزمهما. قال: وإن مات الموضوع على يديه الرهن فكذلك يتراضيان أو يرضى لهما القاضي إن أبيا التراضي.

[قال الشافعي]: وإن مات المرتهن والرهن على يديه، ولم يرض الراهن وصية، ولا وارثه قيل لوارثه - إن كان بالغا أو لوصيه إن لم يكن بالغا -: تراض أنت وصاحب الرهن فإن فعلا، وإلا صيره الحاكم إلى عدل وذلك أن الراهن لم يرض بأمانة الوارث، ولا الوصي. ولما كان للوارث حق في احتباس الرهن حتى يستوفي حقه كان له ما وصفنا من الرضا فيه إذا كان له أمر في ماله.

[قال الشافعي]: وإن مات الراهن فالدين حال ويباع الرهن فإن أدى ما فيه فذلك، وإن كان في ثمنه فضل رد على ورثة الميت، وإن نقص الرهن من الدين رجع صاحب الحق بما بقي من حقه في تركة الميت، وكان أسوة الغرماء فيما يبقى من دينه.

[قال الشافعي]: وليس لأحد من الغرماء أن يدخل معه في ثمن رهنه حتى يستوفيه، وله أن يدخل مع الغرماء بشيء إن بقي له في مال الميت غير المرهون إذا باع رهنه فلم يف.

[قال الشافعي]: وإذا كان الرهن على يدي عدل فإن كانا وضعاه على يدي العدل على أن يبيعه فله بيعه إذا حل الأجل فإن باعه قبل أن يحل الأجل بغير أمرهما معا فالبيع مفسوخ، وإن فات ضمن القيمة إن شاء الراهن والمرتهن، وكانت القيمة أكثر مما باع به، وإن شاء فللراهن ما باع به الرهن قل أو كثر ثم إن تراضيا أن تكون القيمة على يديه إلى محل الأجل، وإلا تراضيا أن تكون على يدي غيره؛ لأن بيعه للرهن قبل محل الحق خلاف الأمانة، وإن باعه بعد محل الحق بما لا يتغابن الناس بمثله رد البيع إن شاء فإن فات ففيها قولان. أحدهما: يضمن قيمته ما بلغت فيه فيؤدي إلى ذي الحق حقه ويكون لمالك الرهن فضلها. والقول الآخر: يضمن ما حط مما لا يتغابن الناس بمثله؛ لأنه لو باع بما يتغابن الناس بمثله جاز البيع فإنما يضمن ما كان لا يجوز له بحال.

[قال الشافعي]: وحد ما يتغابن الناس بمثله يتفاوت تفاوتا شديدا فيما يرتفع وينخفض ويخص ويعم فيدعى رجلان عدلان من أهل البصر بتلك السلعة المبيعة فقال أيتغابن أهل البصر بالبيع في البيع بمثل هذا؟ فإن قالوا نعم جاز، وإن قالوا: لا. رد إن قدر عليه، وإن لم يقدر عليه فالقول فيه ما وصفت.

[قال الشافعي]: ولا يلتفت إلى ما يتغابن به غير أهل البصر، وإلى ترك التوقيت فيما يتغابن الناس بمثله رجع بعض أصحابه وخالفه صاحبه، وكان صاحبه يقول حد ما يتغابن الناس بمثله العشرة ثلاثة فإن جاوز ثلاثة لم يتغابن أهل البصر بأكثر من ثلاثة.

[قال الشافعي]: وأهل البصر بالجوهر والوشي وعليه الرقيق يتغابنون بالدرهم ثلاثة وأكثر، ولا يتغابن أهل البصر بالحنطة والزيت والسمن والتمر في كل خمسين بدرهم وذلك لظهوره وعموم البصر به مع اختلاف ما يدق وظهور ما يجل.

[قال الشافعي]: وإن باع الموضوع على يديه الرهن فهلك الثمن منه فهو أمين والدين على الراهن.

[قال الشافعي]: وإن اختلف مالك الرهن والمرتهن والمؤتمن والبائع فقال: بعت بمائة، وقال بعت بخمسين فالقول قوله ومن جعلنا القول قوله فعليه اليمين إن أراد الذي يحالفه يمينه قال: وإن اختلف الراهن والمرتهن في الرهن فقال الراهن رهنتكه بمائة، وقال المرتهن رهنتنيه بمئتين فالقول قول الراهن.

[قال الشافعي]: وإن اختلفا في الرهن فقال الراهن: رهنتك عبدا يساوي ألفا، وقال المرتهن: رهنتني عبدا يساوي مائة فالقول قول المرتهن.

[قال الشافعي]: ولو قال مالك العبد: رهنتك عبدي بمائة أو هو في يديك وديعة، وقال الذي هو في يديه بل رهنتنيه بألف في الحالين كان القول قول مالك العبد في ذلك؛ لأنهما يتصادقان على ملكه ويدعي الذي هو في يديه فضلا على ما كان يقر به مالكه فيه أو حقا في الرهن لا يقر به مالكه.

[قال الشافعي]: وليس في كينونة العبد في يدي المرتهن دلالة على ما يدعي من فضل الرهن.

[قال الشافعي]: ولو قال رهنتكه بألف ودفعتها إليك، وقال المرتهن لم تدفعها إلى كان القول قول المرتهن؛ لأنه يقر بألف يدعي منها البراءة.

[قال الشافعي]: ولو قال رهنتك عبدا فأتلفته، وقال المرتهن مات كان القول قول المرتهن، ولا يصدق الراهن على تضمينه، ولو قال: رهنتك عبدا بألف وأتلفته، وليس بهذا. وقال المرتهن: هو هذا فلا يصدق الراهن على تضمين المرتهن العبد الذي ادعى، ولا يكون العبد الذي ادعى فيه المرتهن الرهن رهنا؛ لأن مالك العبد لم يقر بأنه رهنه إياه بعينه ويتحالفان معا ألا ترى أنهما لو تصادقا على أن له عليه ألف درهم، وقال صاحب الألف رهنتني بها دارك، وقال صاحب الدار: لم أرهنك كان القول قوله.

[قال الشافعي]: ويجوز رهن الدنانير بالدنانير والدراهم بالدراهم كان الرهن مثلا أو أقل أو أكثر من الحق، وليس هذا ببيع.

[قال الشافعي]: وإذا استعار رجل من رجل عبدا يرهنه فرهنه فالرهن جائز إذا تصادقا على ذلك أو قامت به بينة كما يجوز لو رهنه مالك العبد فإن أراد مالك العبد أن يخرجه من الرهن فليس له ذلك إلا أن يدفع الراهن أو مالك العبد متطوعا الحق كله.

[قال الشافعي]: ولمالك الرهن أن يأخذ الراهن بافتكاكه له متى شاء؛ لأنه أعاره له بلا مدة كان ذلك محل الدين أو بعده.

[قال الشافعي]: فإن أعاره إياه فقال: ارهنه إلى سنة ففعل، وقال افتكه قبل السنة ففيها قولان. أحدهما: أن له أن يأخذه ببيع ما له عليه في ماله حتى يعيده إليه كما أخذه منه ومن حجة من قال هذا أن يقول لو أعرتك عبدي يخدمك سنة كان لي أخذه الساعة، ولو أسلفتك ألف درهم إلى سنة كان لي أخذها منك الساعة. والقول الآخر: أنه ليس له أخذه إلى السنة؛ لأنه قد أذن له أن يصير فيه حقا لغيرهما فهو كالضامن عنه مالا، ولا يشبه إذنه برهنه إلى مدة عاريته إياه، ولا سلفه له.

[قال الشافعي]: ولو تصادقا على أنه أعاره إياه يرهنه، وقال أذنت لك في رهنه بألف، وقال الراهن والمرتهن: أذنت لي بألفين فالقول قول مالك العبد في أنه بألف والألف الثانية على الراهن في ماله للمرتهن.

[قال الشافعي]: ولو استعار رجلان عبدا من رجل فرهناه من رجل بمائة ثم أتى أحدهما بخمسين فقال هذا ما يلزمني من الحق لم يكن واحد منهما ضامنا عن صاحبه، وإن اجتمعا في الرهن فإن نصفه مفكوك ونصفه مرهون.

[قال الشافعي]: وإذا استعار رجل من رجلين عبدا فرهنه بمائة ثم جاء بخمسين فقال هذه فكاك حق فلان من العبد وحق فلان مرهون ففيها قولان. أحدهما: أنه لا يفك إلا معا. ألا ترى أنه لو رهن عبدا لنفسه بمائة ثم جاء بتسعين فقال فك تسعة أعشاره واترك العشر مرهونا لم يكن منه شيء مفكوكا وذلك أنه رهن واحد بحق واحد فلا يفك إلا معا. والقول الآخر: أن الملك لما كان لكل واحد منهما على نصفه جاز أن يفك نصف أحدهما دون نصف الآخر كما لو استعار من رجل عبدا ومن آخر عبدا فرهنهما جاز أن يفك أحدهما دون الآخر والرجلان، وإن كان ملكهما في واحد لا يتجزأ فأحكامهما في البيع والرهن حكم مالكي العبدين المفترقين.

[قال الشافعي]: ولولي اليتيم أو وصيه أن يرهنا عنه كما يبيعان عليه فيما لا بد له منه وللمأذون له في التجارة وللمكاتب والمشترك والمستأمن أن يرهن، ولا بأس أن يرهن المسلم عند المشرك والمشرك عند المسلم كل شيء ما خلا المصحف والرقيق من المسلمين فإنا نكره أن يصير المسلم تحت يدي المشرك بسبب يشبه الرق. والرهن، وإن لم يكن رقا فإن الرقيق لا يمتنع إلا قليلا من الذل لمن صار تحت يديه بتصيير مالكه.

[قال الشافعي]: ولو رهن العبد لم نفسخه، ولكنا نكرهه؛ لما وصفنا، ولو قال قائل آخذ الراهن بافتكاكه حتى يوفى المرتهن المشرك حقه متطوعا أو يصير في يديه بما يجوز له ارتهانه فإن لم يتراضيا فسخت البيع كان مذهبا فأما ما سواهم فلا بأس برهنه من المشركين فإن رهن المصحف قلنا إن رضيت أن ترد المصحف ويكون حقك عليه فذلك لك أو تتراضيان على ما سوى المصحف مما يجوز أن يكون في يديك، وإن لم تتراضيا فسخنا البيع بينكما؛ لأن القرآن أعظم من أن يترك في يدي مشرك يقدر على إخراجه من يديه، وقد نهى رسول الله أن يمسه من المسلمين إلا طاهر ونهى أن يسافر به إلى بلاد العدو. [أخبرنا] إبراهيم وغيره عن جعفر عن أبيه (أن النبي رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي).

[قال الشافعي]: ويوقف على المرتد ماله فإن رهن منه شيئا بعد الوقف فلا يجوز في قول بعض أصحابنا على حال وفي قول بعضهم لا يجوز إلا أن يرجع إلى الإسلام فيملك ماله فيجوز الرهن، وإن رهنه قبل وقف ماله فالرهن جائز كما يجوز للمشرك ببلاد الحرب ما صنع في ماله قبل أن يؤخذ عنه، وكما يجوز للرجل من أهل الإسلام والذمة ما صنع في ماله قبل أن يقوم عليه غرماؤه فإذا قاموا عليه لم يجز ما صنع في ماله حتى يستوفوا حقوقهم أو يبرئوه منها.

[قال الشافعي]: وليس للمقارض أن يرهن؛ لأن الملك لصاحب المال كان في المقارضة فضل عن رأس المال أو لم يكن، وإنما ملك المقارض الراهن شيئا من الفضل شرطه له إن سلم حتى يصير رأس مال المقارض إليه أخذ شرطه، وإن لم يسلم لم يكن له شيء. قال: وإن كان عبد بين رجلين فأذن أحدهما للآخر أن يرهن العبد فالرهن جائز وهو كله رهن بجميع الحق لا يفك بعضه دون بعض. وفيها قول آخر أن الراهن إن فك نصيبه منه فهو مفكوك ويجبر على فك نصيب شريكه في العبد إن شاء ذلك شريكه فيه، وإن فك نصيب صاحبه منه فهو مفكوك صاحب الحق على حقه في نصف العبد الباقي، وإن لم يأذن شريك العبد لشريكه في أن يرهن نصيبه من العبد فرهن العبد فنصفه مرهون ونصف شريكه الذي لم يأذن له في رهنه من العبد غير مرهون. ألا ترى أن رجلا لو تعدى فرهن عبد رجل بغير إذنه لم يكن له رهنا، وكذلك يبطل الرهن في النصف الذي لا يملكه الراهن.

[قال الشافعي]: ويجوز رهن الاثنين الشيء الواحد.

[قال الشافعي]: فإن رهن رجل رجلا أمة فولدت أو حائطا فأثمر أو ماشية فتناتجت فاختلف أصحابنا في هذا، فقال بعضهم: لا يكون ولد الجارية، ولا نتاج الماشية، ولا ثمرة الحائط رهنا، ولا يدخل في الرهن شيء لم يرهنه مالكه قط، ولم يوجب فيه حقا لأحد، وإنما يكون الولد تبعا في البيوع إذا كان الولد لم يحدث قط إلا في ملك المشتري، وإن كان الحمل كان في ملك البائع وتبعا في العتق؛ لأن العتق كان، ولم يولد المملوك فلم يصر إلى أن يكون مملوكا؛ لأنه لم يصر إلى حكم الحياة الظاهر إلا بعد العتق لأمه وهو تبع لأمه. وثمر الحائط إنما يكون تبعا في البيع ما لم يؤبر، وإذا أبر فهو للبائع إلا أن يشترط المبتاع.

[قال الشافعي]: والعتق والبيع مخالف للرهن ألا ترى أنه إذا باع فقد حول رقبة الأمة والحائط والماشية من ملكه وحوله إلى ملك غيره؟، وكذلك إن أعتق الأمة فقد أخرجها من ملكه لشيء جعله الله وملكت نفسها، والرهن لم يخرجه من ملكه قط هو في ملكه بحاله إلا أنه محول دونه بحق حبسه به لغيره أجازه المسلمون كما كان العبد له، وقد أجره من غيره، وكان المستأجر أحق بمنفعته إلى المدة التي شرطت له من مالك العبد والملك له، وكما لو آجر الأمة فتكون محتبسة عنه بحق فيها، وإن ولدت أولادا لم تدخل الأولاد في الإجارة فكذلك لم تدخل الأولاد في الرهن، والرهن بمنزلة ضمان الرجل عن الرجل، ولا يدخل في الضمان إلا من أدخل نفسه فيه وولد الأمة ونتاج الماشية وثمر الحائط مما لم يدخل في الرهن قط. وقد أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن معاذ بن جبل قضى فيمن ارتهن نخلا مثمرا فليحسب المرتهن ثمرها من رأس المال وذكر سفيان بن عيينة شبيها به.

[قال الشافعي]: وأحسب مطرفا قاله في الحديث من عام حج رسول الله .

[قال الشافعي]: وهذا كلام يحتمل معاني فأظهر معانيه أن يكون الراهن والمرتهن تراضيا أن تكون الثمرة رهنا أو يكون الدين حالا ويكون الراهن سلط المرتهن على بيع الثمرة واقتضائها من رأس ماله أو أذن له بذلك، وإن كان الدين إلى أجل، ويحتمل غير هذا المعنى فيحتمل أن يكونا تراضيا أن الثمرة للمرتهن فتأداها على ذلك فقال هي من رأس المال لا للمرتهن ويحتمل أن يكونوا صنعوا هذا متقدما فأعلمهم أنها لا تكون للمرتهن ويشبه هذا لقوله من عام حج رسول الله كأنهم كانوا يقضون بأن الثمرة للمرتهن قبل حج النبي وظهور حكمه فردهم إلى أن لا تكون للمرتهن فلما لم يكن له ظاهر مقتصرا عليه وصار إلى التأويل لم يجز لأحد فيه شيء إلا جاز عليه وكل يحتمل معنى لا يخالف معنى قول من قال لا تكون الثمرة رهنا مع الحائط إذا لم يشترط.

[قال الشافعي]: فإن قال قائل: وكيف لا يكون له ظاهر مخالف يحكم به؟ قلت أرأيت رجلا رهن رجلا حائطا فأثمر الحائط للمرتهن بيع الثمرة وحسابها من رأس المال فيكون بائعا لنفسه بلا تسليط من الراهن، وليس في الحديث أن الراهن سلط المرتهن على بيع الثمرة أو يجوز للمرتهن أن يقبضها من رأس ماله إن كان الدين إلى أجل قبل محل الدين، ولا يجيز هذا أحد علمته فليس وجه الحديث في هذا إلا بالتأويل.

[قال الشافعي]: فلما كان هذا الحديث هكذا كان أن لا تكون الثمرة رهنا، ولا الولد، ولا النتاج أصح الأقاويل عندنا والله تعالى أعلم.

[قال الشافعي]: ولو قال قائل إلا أن يتشارطا عند الرهن أن يكون الولد والنتاج والثمر رهنا فيشبه أن يجوز عندي، وإنما أجزته على ما لم يكن أنه ليس بتمليك فلا يجوز أن يملك ما لا يكون وهذا يشبه معنى حديث معاذ والله تعالى أعلم. وإن لم يكن بالبين جدا كان مذهبا، ولولا حديث معاذ ما رأيته يشبه أن يكون عند أحد جائزا. [قال الربيع]: وفيه قول آخر: أنه إذا رهنه ماشية أو نخلا على أن ما حدث من النتاج أو الثمرة رهن كان الرهن باطلا؛ لأنه رهنه ما لا يعرف، ولا يضبط ويكون، ولا يكون، ولا إذا كان كيف يكون وهذا أصح الأقاويل على مذهب الشافعي.

[قال الشافعي]: وقال بعض أصحابنا الثمرة والنتاج وولد الجارية رهن مع الجارية والماشية والحائط؛ لأنه منه وما كسب الرهن من كسب أو وهب له من شيء فهو لمالكه، ولا يشبه كسبه الجناية عليه؛ لأن الجناية ثمن له أو لبعضه.

[قال الشافعي]: وإذا دفع الراهن الرهن إلى المرتهن أو إلى العدل فأراد أن يأخذه من يديه لخدمة أو غيرها فليس له ذلك فإن أعتقه فإن مسلم بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء في العبد يكون رهنا فيعتقه سيده فإن العتق باطل أو مردود.

[قال الشافعي]: وهذا له وجه، ووجهه أن يقول قائله إذا كان العبد بالحق الذي جعله فيه محولا بينه وبين أن يأخذه ساعة يخدمه فهو من أن يعتقه أبعد فإذا كان في حال لا يجوز له فيها عتقه وأبطل الحاكم فيها عتقه ثم فكه بعد لم يعتق بعتق قد أبطله الحاكم. [وقال]: بعض أصحابنا إذا أعتقه الراهن نظرت فإن كان له مال يفي بقيمة العبد أخذت قيمته منه فجعلتها رهنا وأنفذت عتقه؛ لأنه مالك. قال: وكذلك إن أبرأه صاحب الدين أو قضاه فرجع العبد إلى مالكه وانفسخ الدين الذي في عتقه أنفذت عليه العتق؛ لأنه مالك، وإنما العلة التي منعت بها عتقه حق غيره في عتقه فلما انفسخ ذلك أنفذت فيه العتق.

[قال الشافعي]: وقد قال بعض الناس هو حر ويسعى في قيمته والذي يقول هو حر يقول ليس لسيد العبد أن يبيعه وهو مالك له، ولا يرهنه، ولا يقبضه ساعة، وإذا قيل له لم وهو مالك قد باع بيعا صحيحا قال فيه حق لغيره حال بينه وبين أن يخرجه من الرهن فقيل له فإذا منعته أن يخرجه من الرهن بعوض يأخذه لعله أن يؤديه إلى صاحبه أو يعطيه إياه رهنا مكانه أو قال أبيعه لا يتلف ثم أدفع الثمن رهنا فقلت لا إلا برضا المرتهن ومنعته وهو مالك أن يرهنه من غيره فأبطلت الرهن إن فعل ومنعته وهو مالك أن يخدمه ساعة، وكانت حجتك فيه أنه قد أوجب فيه شيئا لغيره فكيف أجزت له أن يعتقه فيخرجه من الرهن الإخراج الذي لا يعود فيه أبدا لقد منعته من الأقل وأعطيته الأكثر فإن قال استسعيه فالاستسعاء أيضا ظلم للعبد وللمرتهن. أرأيت إن كانت أمة تساوي ألوفا ويعلم أنها عاجزة عن اكتساب نفقتها في أي شيء تسعى. أو رأيت إن كان الدين حالا أو إلى أي يوم فأعتقه، ولعل العبد يهلك، ولا مال له والأمة فيبطل حق هذا أو يسعى فيه مائة سنة ثم لعله لا يؤدي منه كبير شيء، ولعل الراهن مفلس لا يجد درهما فقد أتلفت حق صاحب الرهن، ولم ينتفع برهنه فمرة تجعل الدين يهلك إذا هلك الرهن؛ لأنه فيه زعيم ومرة تنظر إلى الذي فيه الدين فتجيز فيه عتق صاحبه وتتلف فيه حق الغريم وهذا قول متباين، وإنما يرتهن الرجل بحقه فيكون أحسن حالا ممن لم يرتهن والمرتهن في أكثر قول من قال هذا أسوأ حالا من الذي لم يرتهن وما شيء أيسر على من يستخف بذمته من أن يسأل صاحب الرهن أن يعيره إياه إما يخدمه أو يرهنه فإذا أبى قال لاخرجنه من يدك فأعتقه فتلف حق المرتهن، ولم يجد عند الراهن وفاء.

[قال الشافعي]: ولا أدري أيراه يرجع بالدين على الغريم المعتق أم لا.

[قال الشافعي]: فإن قال قائل لم أجزت العتق فيه إذا كان له مال، ولم تقل ما قال فيه عطاء؟ قيل له كل مالك يجوز عتقه إلا لعلة حق غيره فإذا كان عتقه إياه يتلف حق غيره لم أجزه، وإذا لم يكن يتلف لغيره حقا وكنت آخذ العوض منه وأصيره رهنا كهو فقد ذهبت العلة التي بها كنت مبطلا للعتق، وكذلك إذا أدى الحق الذي فيه استيفاء من المرتهن أو إبراء، ولا يجوز الرهن إلا مقبوضا، وإن رهنه رهنا فما قبضه هو، ولا عدل يضعه على يديه فالرهن مفسوخ والقبض ما وصفت في صدر الكتاب مختلف. قال: وإن قبضه ثم أعاره إياه أو آجره إياه هو أو العدل، فقال بعض أصحابنا: لا يخرجه هذا من الرهن؛ لأنه إذا أعاره إياه فمتى شاء أخذه، وإذا آجره فهو كالأجنبي يؤاجر الرهن إذا أذن له سيده والإجارة للمالك فإذا كانت للمالك فلصاحب الرهن أن يأخذ الرهن؛ لأن الإجارة منفسخة وهكذا تقول.

[قال الشافعي]: فإن تبايعا على أن يرهنه فرهنه، وقبض أو رهنه بعد البيع فكل ذلك جائز، وإذا رهنه فليس له إخراجه من الرهن فهو كالضمان يجوز بعد البيع وعنده.

[قال الشافعي]: فإن تبايعا على أن يرهنه عبدا فإذا هو حر فالبائع بالخيار في فسخ البيع أو إثباته؛ لأنه قد بايعه على وثيقة فلم تتم له، وإن تبايعا على رهنه فلم يقبضه فالرهن مفسوخ؛ لأنه لا يجوز إلا مقبوضا.