كتاب الأم/الرهن الصغير

​كتاب الأم - الرهن الصغير​ المؤلف الشافعي
ملاحظات: الرهن الصغير


[أخبرنا الربيع بن سليمان] قال أخبرنا الشافعي رحمه الله قال أصل إجازة الرهن في كتاب الله - عز وجل - {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}.

[قال الشافعي]: فالسنة تدل على إجازة الرهن ولا أعلم مخالفا في إجازته. أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال (لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه).

[قال الشافعي]: فالحديث جملة على الرهن، ولم يخص رسول الله فيما بلغنا رهنا دون رهن واسم الرهن يقع على ما ظهر هلاكه وخفي ومعنى قول النبي - والله تعالى أعلم - (لا يغلق الرهن بشيء) أي إن ذهب لم يذهب بشيء، وإن أراد صاحبه افتكاكه، ولا يغلق في يدي الذي هو في يديه كأن يقول المرتهن قد أوصلته إلي فهو لي بما أعطيتك فيه، ولا يغير ذلك من شرط تشارطا فيه، ولا غيره، والرهن للراهن أبدا حتى يخرجه من ملكه بوجه يصح إخراجه له. والدليل على هذا قول رسول الله (الرهن من صاحبه الذي رهنه) ثم بينه وأكده فقال (له غنمه وعليه غرمه).

[قال الشافعي]: وغنمه سلامته وزيادته وغرمه عطبه ونقصه.

قال: ولو كان إذا رهن رهنا بدرهم وهو يسوى درهما فهلك ذهب الدرهم فلم يلزم الراهن كان إنما هلك من مال المرتهن لا مال الراهن؛ لأن الراهن قد أخذ درهما وذلك ثمن رهنه فإذا هلك رهنه فلم يرجع المرتهن بشيء فلم يغرم شيئا إنما ذهب له مثل الذي أخذ من مال غيره فغرمه حينئذ على المرتهن لا على الراهن. قال: وإذا كان غرمه على المرتهن فهو من المرتهن لا من الراهن وهذا القول خلاف ما روي عن رسول الله .

[قال الشافعي]: فلا أعلم بين أحد من أهل العلم خلافا في أن الرهن ملك للراهن وأنه إن أراد إخراجه من يدي المرتهن لم يكن ذلك له بما شرط فيه وأنه مأخوذ بنفقته ما كان حيا وهو مقره في يدي المرتهن ومأخوذ بكفنه إن مات؛ لأنه ملكه.

[قال الشافعي]: وإذا كان الرهن في السنة، وإجماع العلماء ملكا للراهن فكان الراهن دفعه لا مغصوبا عليه، ولا بائعا له، وكان الراهن إن أراد أخذه لم يكن له وحكم عليه بإقراره في يدي المرتهن بالشرط فأي وجه لضمان المرتهن والحاكم يحكم له بحبسه للحق الذي شرط له مالكه فيه وعلى مالكه نفقته، وإنما يضمن من تعدى فأخذ ما ليس له أو منع شيئا في يديه ملكه لغيره مما ملكه المالك غيره مما عليه تسليمه، وليس له حبسه. وذلك مثل أن يبتاع الرجل العبد من الرجل فيدفع إليه ثمنه ويمنعه البائع العبد فهذا يشبه الغصب، والمرتهن ليس في شيء من هذه المعاني لا هو مالك للرهن فأوجب عليه فيه بيعا فمنعه من ملكه إياه وعليه تسليمه إليه، وإنما ملك الرهن للراهن فلا هو متعد بأخذ الرهن من الراهن، ولا بمنعه إياه فلا موضع للضمان عليه في شيء من حالاته إنما هو رجل اشترط لنفسه على مالك الرهن في الرهن شرطا حلالا لازما استوثق فيه من حقه طلب المنفعة لنفسه والاحتياط على غريمه لا مخاطرا بالارتهان؛ لأنه لو كان الرهن إذا هلك هلك حقه كان ارتهانه مخاطرة إن سلم الرهن فحقه فيه، وإن تلف تلف حقه. ولو كان هكذا كان شرا للمرتهن في بعض حالاته؛ لأن حقه إذا كان في ذمة الراهن وفي جميع ماله لازما أبدا كان خيرا له من أن يكون في شيء من ماله بقدر حقه فإن هلك ذلك الشيء بعينه هلك من المرتهن وبرئت ذمة الراهن قال، ولم نر ذمة رجل تبرأ إلا بأن يؤدي إلى غريمه ما له عليه أو عوضا منه يتراضيان عليه فيملك الغريم العوض ويبرأ به غريمه وينقطع مالكه عنه أو يتطوع صاحب الحق بأن يبرئ منه صاحبه والمرتهن والراهن ليسا في واحد من معاني البراءة، ولا البواء.

[قال الشافعي]: فإن قال قائل: ألا ترى أن أخذ المرتهن الرهن كالاستيفاء لحقه قلت لو كان استيفاء لحقه، وكان الرهن جارية كان قد ملكها وحل له وطؤها، ولم يكن له ردها على الراهن، ولا عليه، ولو أعطاه ما فيه إلا أن يتراضيا بأن يتبايعا فيها بيعا جديدا، ولم يكن مع هذا للمرتهن أن يكون حقه إلى سنة فيأخذه اليوم بلا رضا من الذي عليه الحق قال ما هو باستيفاء. ولكن كيف؟ قلت إنه محتبس في يدي المرتهن بحق له، ولا ضمان عليه فيه؟ فقيل له بالخبر، وكما يكون المنزل محتبسا بإجارة فيه ثم يتلف المنزل بهدم أو غيره من وجوه التلف فلا ضمان على المكتري فيه، وإن كان المكتري سلف الكراء رجع به على صاحب المنزل، وكما يكون العبد مؤجرا أو البعير مكرى فيكون محتبسا بالشرط، ولا ضمان في واحد منهما، ولا في حر لو كان مؤجرا فهلك.

[قال الشافعي]: إنما الرهن وثيقة كالحمالة فلو أن رجلا كانت له على رجل ألف درهم فكفل له بها جماعة عند وجوبها أو بعده كان الحق على الذي عليه الحق، وكان الحملاء ضامنين له كلهم فإن لم يؤد الذي عليه الحق كان للذي له الحق أن يأخذ الحملاء كما شرط عليهم، ولا يبرأ ذلك الذي عليه الحق من شيء حتى يستوفي آخر حقه، ولو هلك الحملاء أو غابوا لم ينقص ذلك حقه ورجع به على من عليه أصل الحق. وكذلك الرهن لا ينقص هلاكه، ولا نقصانه حق المرتهن وأن السنة المبينة بأن لا يضمن الرهن، ولو لم يكن فيه سنة كأنا لم نعلم الفقهاء اختلفوا فيما وصفنا من أنه ملك للراهن وأن للمرتهن أن يحبسه بحقه لا متعديا بحبسه دلالة بينة أن الرهن ليس بمضمون.

[قال الشافعي]: قال بعض أصحابنا قولنا في الرهن إذا كان مما يظهر هلاكه مثل الدار والنخل والعبيد وخالفنا بعضهم فيما يخفى هلاكه من الرهن.

[قال الشافعي]: واسم الرهن جامع لما يظهر هلاكه ويخفى، وإنما جاء الحديث جملة ظاهرا وما كان جملة ظاهرا فهو على ظهوره وجملته إلا أن تأتي دلالة عمن جاء عنه أو يقول العامة على أنه خاص دون عام وباطن دون ظاهر، ولم نعلم دلالة جاءت بهذا عن رسول الله فنصير إليها. ولو جاز هذا بغير دلالة جاز لقائل أن يقول الرهن الذي يذهب به إذا هلك هلك حق صاحبه المرتهن الظاهر الهلاك؛ لأن ما ظهر هلاكه فليس في موضع أمانة فهو كالرضا منهما بأنه بما فيه أو مضمون بقيمته. وأما ما خفي هلاكه فرضي صاحبه بدفعه إلى المرتهن، وقد يعلم أن هلاكه خاف فقد رضي فيه أمانته فهو أمينه فإن هلك لم يهلك من مال المرتهن شيء فلا يصح في هذا قول أبدا على هذا الوجه إذا جاز أن يصير خاصا بلا دلالة.

[قال الشافعي]: والقول الصحيح فيه عندنا ما قلنا من أنه أمانة كله لما وصفنا من دفع صاحبه إياه برضاه وحق أوجبه فيه كالكفالة، ولا يعدو الرهن أن يكون أمانة فلا اختلاف بين أحد أن ما ظهر وخفي هلاكه من الأمانة سواء غير مضمون أو أن يكون مضمونا فلا اختلاف بين أحد أن ما كان مضمونا فما ظهر وخفي هلاكه من المضمون سواء أو يفرق بين ذلك سنة أو أثر لازم لا معارض له مثله، وليس نعرفه مع من قال هذا القول من أصحابنا.

[قال الشافعي]: وقد قال هذا القول معهم بعض أهل العلم، وليس في أحد مع قول رسول الله حجة.

[قال الشافعي]: وخالفنا بعض الناس في الرهن فقال فيه إذا رهن الرجل رهنا بحق له فالرهن مضمون فإن هلك الرهن نظرنا فإن كانت قيمته أقل من الدين رجع المرتهن على الراهن بالفضل، وإن كانت قيمة الرهن مثل الدين أو أكثر لم يرجع على الراهن بشيء، ولم يرجع الراهن عليه بشيء.

[قال الشافعي]: كأنه في قولهم رجل رهن رجلا ألف درهم بمائة درهم فإن هلكت الألف فمائة بمائة وهو في التسعمائة أمين أو رجل رهن رجلا مائة بمائة فإن هلكت المائة فالرهن بما فيه؛ لأن مائة ذهبت بمائة أو رجل رهن رجلا خمسين درهما بمائة درهم فإن هلكت الخمسون ذهبت بخمسين ثم رجع صاحب الحق المرتهن على الراهن بخمسين.

[قال الشافعي]: وكذلك في قولهم عرض يسوى ما وصفنا بمثل هذا.

[قال الشافعي]: فقيل لبعض من قال هذا القول هذا قول لا يستقيم بهذا الموضع عند أحد من أهل العلم فقال من جهة الرأي؛ لأنكم جعلتم رهنا واحدا مضمونا مرة كله ومضمونا مرة بعضه ومرة بعضه بما فيه ومرة يرجع بالفضل فيه فهو في قولكم لا مضمونا بما يضمن به ما ضمن؛ لأن ما ضمن إنما يضمن بعينه فإن فات فقيمته، ولا بما فيه من الحق فمن أين قلتم؟ فهذا لا يقبل إلا بخبر يلزم الناس الأخذ به، ولا يكون لهم إلا تسليمه؟ قالوا روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال يترادان الفضل قلنا فهو إذا قال يترادان الفضل فقد خالف قولكم وزعم أنه ليس منه شيء بأمانة، وقول علي إنه مضمون كله كان فيه فضل أو لم يكن مثل جميع ما يضمن مما إذا فات ففيه قيمته.

[قال الشافعي]: فقلنا قد رويتم ذلك عن علي - كرم الله تعالى وجهه - وهو ثابت عندنا برواية أصحابنا فقد خالفتموه، وقال فأين؟ قلنا زعمتم أنه قال يترادان الفضل وأنت تقول إن رهنه ألفا بمائة درهم فمائة بمائة وهو في التسعمائة أمين والذي رويت عن علي رضي الله عنه فيه أن الراهن يرجع على المرتهن بتسعمائة. قال فقد روينا عن شريح أنه قال: الرهن بما فيه، وإن كان خاتما من حديد. قلنا فأنت أيضا تخالفه قال وأين؟ قلنا: أنت تقول إن رهنه مائة بألف أو خاتما يسوى درهما بعشرة فهلك الرهن رجع صاحب الحق المرتهن على الراهن بتسعمائة من رأس ماله وبتسعة في الخاتم من رأس ماله وشريح لا يرد واحدا منهما على صاحبه بحال. فقال: فقد روى مصعب بن ثابت عن عطاء (أن رجلا رهن رجلا فرسا فهلك الفرس فقال النبي ذهب حقك).

[قال الشافعي]: فقيل له أخبرنا إبراهيم عن مصعب بن ثابت عن عطاء قال زعم الحسن كذا ثم حكى هذا القول قال إبراهيم كان عطاء يتعجب مما روى الحسن وأخبرني به غير واحد عن مصعب عن عطاء عن الحسن وأخبرني بعض من أثق به أن رجلا من أهل العلم رواه عن مصعب عن عطاء عن النبي وسكت عن الحسن. فقيل له أصحاب مصعب يروونه عن عطاء عن الحسن فقال نعم، وكذلك حدثنا، ولكن عطاء مرسل اتفق من الحسن مرسل.

[قال الشافعي]: ومما يدل على وهن هذا عند عطاء إن كان رواه أن عطاء يفتي بخلافه ويقول فيه بخلاف هذا كله ويقول فيما ظهر هلاكه أمانة وفيما خفي يترادان الفضل وهذا أثبت الرواية عنه، وقد روي عنه يترادان مطلقه وما شككنا فيه فلا نشك أن عطاء إن شاء الله - تعالى - لا يروي عن النبي شيئا مثبتا عنده ويقول بخلافه مع أني لم أعلم أحدا روى هذا عن عطاء يرفعه إلا مصعب والذي روى هذا عن عطاء يرفعه يوافق قول شريح " إن الرهن بما فيه " قال، وكيف يوافقه؟ قلنا: قد يكون الفرس أكثر مما فيه من الحق ومثله وأقل، ولم يرو أنه سأل عن قيمة الفرس وهذا يدل على أنه إن كان قاله رأى أن الرهن بما فيه. قال فكيف لم تأخذ به؟ قلنا: لو كان منفردا لم يكن من الرواية التي تقوم بمثلها حجة فكيف، وقد روينا عن النبي قولا بينا مفسرا مع ما فيه من الحجة التي ذكرنا وصمتنا عنها قال فكيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا، ولم تقبلوه عن غيره؟ قلنا: لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده، ولا أثره عن أحد فيما عرفناه عنه إلا ثقة معروف فمن كان بمثل حاله قبلنا منقطعه ورأينا غيره يسمي المجهول ويسمي من يرغب عن الرواية عنه ويرسل عن النبي وعن بعض من لم يلحق من أصحابه المستنكر الذي لا يوجد له شيء يسدده ففرقنا بينهم لافتراق أحاديثهم، ولم نحاب أحدا، ولكنا قلنا في ذلك بالدلالة البينة على ما وصفناه من صحة روايته. وقد أخبرني غير واحد من أهل العلم عن يحيى بن أبي أنيسة عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي مثل حديث ابن أبي ذئب قال فكيف لم تأخذوا بقول علي فيه؟ قلنا: إذا ثبت عندنا عن علي رضي الله عنه لم يكن عندنا وعندك وعند أحد من أهل العلم لنا أن نترك ما جاء عن النبي إلى ما جاء عن غيره. قال: فقد روى عبد الأعلى التغلبي عن علي بن أبي طالب شبيها بقولنا قلنا الرواية عن علي رضي الله عنه بأن يترادان الفضل أصح عنه من رواية عبد الأعلى، وقد رأينا أصحابكم يضعفون رواية عبد الأعلى التي لا يعارضها معارض تضعيفا شديدا فكيف بما عارضه فيه من هو أقرب من الصحة وأولى بها؟،.

[قال الشافعي]: وقيل لقائل هذا القول قد خرجت فيه مما رويت عن عطاء يرفعه ومن أصح الروايتين عن علي رضي الله عنه وعن شريح وما روينا عن النبي إلى قول رويته عن إبراهيم النخعي، وقد روي عن إبراهيم خلافه وإبراهيم لو لم تختلف الرواية عنه فيما زعمت لا يلزم قوله. وقلت قولا متناقضا خارجا عن أقاويل الناس، وليس للناس فيه قول إلا، وله وجه، وإن ضعف إلا قولكم فإنه لا وجه له يقوى، ولا يضعف ثم لا تمتنعون من تضعيف من خالف قول من قال يترادان الفضل أن يقول لم يدفعه أمانة، ولا بيعا، وإنما دفعه محتبسا بشيء فإن هلك ترادا فضله وهكذا كل مضمون بعينه إذا هلك ضمن من ضمنه قيمته.

[قال الشافعي]: وهذا ضعيف إذ كيف يترادان فضله وهو إن كان كالبيع فهو بما فيه، وإن كان محتبسا بحق فما معنى أنه مضمون وهو لا غصب من المرتهن، ولا عدوان عليه في حبسه وهو يبيح له حبسه؟

[قال الشافعي]: ووجه قول من قال: الرهن بما فيه أن يقول قد رضي الراهن والمرتهن أن يكون الحق في الرهن فإذا هلك هلك بما فيه؛ لأنه كالبدل من الحق وهذا ضعيف، وما لم يتراضيا تبين ملك الراهن على الرهن إلى أن يملكه المرتهن، ولو ملكه لم يرجع إلى الراهن.

[قال الشافعي]: والسنة ثابتة عندنا - والله تعالى أعلم بها - قلنا، وليس مع السنة حجة، ولا فيها إلا اتباعها مع أنها أصح الأقاويل مبتدأ ومخرجا.

قال: وقيل لبعض من قال هذا القول الذي حكينا: أنت أخطأت بخلاف السنة وأخطأت بخلافك ما قلت. قال: وأين خالفت ما قلت؟ قلت عبت علينا أن زعمنا أنه أمانة وحجتنا فيه ما ذكرنا وغيرها مما فيما ذكرنا كفاية منه فكيف عبت قولا قلت ببعضه؟ قال لي وأين؟ قلت: زعمت أن الرهن مضمون. قال نعم قلنا: فهل رأيت مضمونا قط بعينه فهلك إلا أدى الذي ضمنه قيمته بالغة ما بلغت؟ قال لا غير الرهن قلنا فالرهن إذا كان عندك مضمونا لم لم يكن هكذا إذا كان يسوى ألفا وهو رهن بمائة؟؟ لم لم يضمن المرتهن تسعمائة لو كان مضمونا كما ذكرت. قال هو في الفضل أمين. قلنا: ومعنى الفضل غير معنى غيره؟ قال نعم؛ لأن الفضل ليس برهن؟ قال إن قلت ليس برهن. قلت أفيأخذه مالكه. قال: فليس لمالكه أن يأخذه حتى يؤدى ما فيه قلنا لم؟ قال؛ لأنه رهن قلنا فهو رهن واحد محتبس بحق واحد بعضه مضمون وبعضه أمانة. قال: نعم. قلنا: أفتقبل مثل هذا القول ممن يخالفك فلو قال هذا غيرك ضعفته تضعيفا شديدا فيما ترى، وقلت وكيف يكون الشيء الواحد مدفوعا بالأمر الواحد بعضه أمانة وبعضه مضمون.

[قال الشافعي]: وقلنا أرأيت جارية تسوى ألفا رهنت بمائة وألف درهم رهنت بمائة أليست الجارية بكمالها رهنا بمائة والألف الدرهم رهن بكمالها بمائة؟ قال بلى قلنا الكل مرهون منهما ليس له أخذه، ولا إدخال أحد برهن معه فيه من قبل أن الكل مرهون بالمائة مدفوع دفعا واحدا بحق واحد فلا يخلص بعضه دون بعض قال نعم قلنا وعشر الجارية مضمون وتسعة أعشارها أمانة ومائة مضمون وتسعمائة أمانة؟ قال نعم قلنا فأي شيء عبت من قولنا ليس بمضمون وهذا أنت تقول في أكثره ليس بمضمون؟

[قال الشافعي]: وقيل له إذا كانت الجارية دفعت خارجا تسعة أعشارها من الضمان والألف كذلك فما تقول إن نقصت الجارية في ثمنها حتى تصير تسوى مائة؟ قال الجارية كلها مضمونة قيل فإن زادت بعد النقصان حتى صارت تسوى ألفين؟ قال تخرج الزيادة من الضمان ويصير نصف عشرها مضمونا وتسعة عشر جزءا من عشرين سهما غير مضمون قلنا ثم هكذا إن نقصت أيضا حتى صارت تسوى مائة؟ قال نعم تعود كلها مضمونة قال: وهكذا جوار ولو رهن يسوين عشرة آلاف بألف كانت تسعة أعشارهن خارجة من الرهن بضمان وعشر مضمون عنده. فقلت لبعضهم لو قال هذا غيركم كنتم شبيها أن تقولوا ما يحل لك أن تتكلم في الفتيا وأنت لا تدري ما تقول كيف يكون رهن واحد بحق واحد بعضه أمانة وبعضه مضمون ثم يزيد فيخرج ما كان مضمونا منه من الضمان؛ لأنه إن دفع عندكم بمائة وهو يسوى مائة كان مضمونا كله، وإن زاد خرج بعضه من الضمان ثم إن نقص عاد إلى الضمان. وزعمت أنه إن دفع جارية رهنا بألف وهي تسوى ألفا فولدت أولادا يساوون آلافا فالجارية مضمونة كلها والأولاد رهن كلهم غير مضمونين لا يقدر صاحبهم على أخذهم؛ لأنهم رهن، وليسوا بمضمونين ثم إن ماتت أمهم صاروا مضمونين بحساب فهم كلهم مرة رهن خارجون من الضمان ومرة داخل بعضهم في الضمان خارج بعض.

[قال الشافعي]: فقيل لمن قال هذا القول ما يدخل على أحد أقبح من قولكم أعلمه وأشد تناقضا. أخبرني من أثق به عن بعض من نسب إلى العلم منهم أنه يقول: لو رهن الجارية بألف ثم أدى الألف إلى المرتهن، وقبضها منه ثم دعاه بالجارية فهلكت قبل أن يدفعها إليه هلكت من مال الراهن، وكانت الألف مسلمة للمرتهن؛ لأنها حقه فإن كان هذا فقد صاروا فيه إلى قولنا وتركوا جميع قولهم، وليس هذا بأنكر مما وصفنا وما يشبهه مما سكتنا عنه.

[قال الشافعي]: فقال لي قائل من غيرهم نقول: الرهن بما فيه ألا ترى أنه لما دفع الرهن يعني بشيء بعينه ففي هذا دلالة على أنه قد رضي الراهن والمرتهن بأن يكون الحق في الرهن قلنا ليس في ذلك دلالة على ما قلت. قال: وكيف؟ قلنا: إنما تعاملا على أن الحق على مالك الرهن والرهن وثيقة مع الحق كما تكون الحمالة قال كأنه بأن يكون رضا أشبه؟ قلنا إنما الرضا بأن يتبايعانه فيكون ملكا للمرتهن فيكون حينئذ رضا منهما به، ولا يعود إلى ملك الراهن إلا بتجديد بيع منه وهذا في قولنا، وقولكم ملك للراهن فأي رضا منهما وهو ملك للراهن بأن يخرج من ملك الراهن إلى ملك المرتهن؟ فإن قلت إنما يكون الرضا إذا هلك فإنما ينبغي أن يكون الرضا عند العقدة والدفع فالعقدة والدفع كان وهو ملك للراهن، ولا يتحول حكمه عما دفع به؛ لأن الحكم عندنا وعندك في كل أمر فيه عقدة إنما هو على العقدة.

كتاب الأم
كتاب الطهارة | كتاب الحيض | كتاب الصلاة | كتاب صلاة الخوف وهل يصليها المقيم | كتاب صلاة العيدين | كتاب صلاة الكسوف | كتاب الاستسقاء | كتاب الجنائز | كتاب الزكاة | كتاب قسم الصدقات | كتاب الصيام الصغير | كتاب الاعتكاف | كتاب الحج | مختصر الحج المتوسط | مختصر الحج الصغير | كتاب الضحايا | كتاب الصيد والذبائح | كتاب الأطعمة | كتاب النذور | كتاب البيوع | باب السلف والمراد به السلم | كتاب الرهن الكبير | الرهن الصغير | التفليس | الصلح | الحوالة | باب الضمان | الشركة | الوكالة | جماع ما يجوز إقراره إذا كان ظاهرا | العارية | الغصب | كتاب الشفعة | باب القراض | المساقاة | المزارعة | الإجارة وكراء الأرض | إحياء الموات | الأحباس | كتاب الهبة | باب في العمرى | كتاب اللقطة | اللقطة الكبيرة | كتاب اللقيط | باب الجعالة | كتاب الفرائض | كتاب الوصايا | باب الولاء والحلف | الوديعة | قسم الفيء | كتاب الجزية | كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة | كتاب السبق والنضال | كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي | كتاب النكاح | كتاب اللعان | كتاب جراح العمد | كتاب الحدود وصفة النفي | الاستحقاق | الأشربة | الوليمة | صدقة الشافعي | وثيقة في المكاتب أملاها الشافعي | وثيقة في المدبر | كتاب الأقضية | الإقرار والمواهب | الدعوى والبينات | الشهادات | باب الحدود | الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان | باب في الأقضية | كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى | اختلاف علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما | كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما | كتاب الرد على محمد بن الحسن | كتاب سير الأوزاعي | كتاب القرعة | أحكام التدبير | المكاتب