كتاب الأم/الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان
[أخبرنا الربيع] قال سئل الشافعي فقيل إنا نقول إن الكفارات من أمرين وهما قولك والله لافعلن كذا، وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك إن كان جائزا فعله وفي أن تكفر وتدعه، وإن كان مما لا يجوز فعله فإنه يؤمر بالكفارة وينهى عن البر وإن فعل ما يجوز له من ذلك بر ولم تكن عليه كفارة والثاني قولك والله لا أفعل كذا، وكذا فتكون مخيرا في فعل ذلك وعليك الكفارة إن كان مما يجوز لك فعله ومخيرا في الإقامة على ترك ذلك ولا كفارة عليك إلا أن يكون ما حلف عليه طاعة لله عز وجل فيؤمر بفعله ويكفر عن يمينه ونقول أن قوله بالله وتالله وأشهد بالله وأقسم بالله وأعزم بالله، أو قال وعزة الله، أو وقدرة الله أو وكبرياء الله أن عليه في ذلك كله كفارة مثل ما عليه في قوله والله ونقول إنه إن قال أشهد ولم يقل بالله أو أقسم ولم يقل بالله، أو أعزم ولم يقل بالله، أو قال الله إنه إن لم يكن أراد به يمينا في ذلك كله أنه لا حنث عليه، وإن أراد به يمينا فمثل قوله والله.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن حلف بالله، أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشيء غير الله جل وعز مثل أن يقول الرجل، والكعبة وأبي، وكذا، وكذا ما كان فحنث فلا كفارة عليه ومثل ذلك قوله لعمري لا كفارة عليه وكل يمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول الله ﷺ: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليسكت) أخبرنا ابن عيينة قال حدثنا الزهري قال حدثنا سالم عن أبيه قال: (سمع النبي ﷺ عمر يحلف بأبيه فقال ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم قال عمر رضي الله تعالى عنه والله ما حلفت بها بعد ذلك ذاكرا ولا آثرا).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فكل من حلف بغير الله كرهت له وخشيت أن تكون يمينه معصية وأكره الأيمان بالله على كل حال إلا فيما كان لله طاعة مثل البيعة على الجهاد وما أشبه ذلك.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ومن حلف على يمين فرأى خيرا منها فواسع له وأختار له أن يأتي الذي هو خير وليكفر عن يمينه لقول النبي ﷺ: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) ومن حلف عامدا للكذب فقال والله لقد كان كذا، وكذا ولم يكن، أو والله ما كان كذا، وقد كان كفر، وقد أثم وأساء حيث عمد الحلف بالله باطلا فإن قال وما الحجة في أن يكفر، وقد عمد الباطل؟ قيل أقر بها قول النبي ﷺ: (فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) فقد أمره أن يعمد الحنث وقول الله عز وجل: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى} نزلت في رجل حلف أن لا ينفع رجلا، فأمره الله عز وجل أن ينفعه وقول الله عز وجل: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا}، ثم جعل فيه الكفارة ومن حلف وهو يرى أنه صادق، ثم وجده كاذبا فعليه الكفارة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وقول الرجل أقسم فليس بيمين فإن قال أقسمت بالله فإن كان يعني حلفت قديما يمينا بالله فليست بيمين حادثة وإنما هو خبر عن يمين ماضية، وإن أراد بها يمينا فهي يمين، وإن قال أقسم بالله فإن أراد بها إيقاع يمين فهي يمين وإن أراد بها موعدا أنه سيقسم بالله فليست بيمين وإنما ذلك كقوله سأحلف، أو سوف أحلف وإن قال لعمر الله فإن أراد اليمين فهي يمين وإن لم يرد اليمين فليست بيمين؛ لأنها تحتمل غير اليمين؛ لأن قوله لعمري إنما هو لحقي فإن قال وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله يريد بهذا كله اليمين، أو لا نية له فهي يمين، وإن لم يرد بها اليمين فليست بيمين لأنه يحتمل وحق الله واجب على كل مسلم وقدرة الله ماضية عليه لا أنه يمين وإنما يكون يمينا بأن لا ينوي شيئا، أو بأن ينوي يمينا، وإذا قال بالله، أو تالله في يمين فهو كما وصفت إن نوى يمينا، أو لم تكن له نية وإن قال والله لافعلن كذا، وكذا لم يكن يمينا إلا بأن ينوي يمينا؛ لأن هذا ابتداء كلام لا يمين إلا بأن ينويه، وإذا قال أشهد بالله فإن نوى اليمين فهي يمين، وإن لم ينو يمينا فليست بيمين؛ لأن قوله أشهد بالله يحتمل أشهد بأمر الله، وإذا قال أشهد لم يكن يمينا وإن نوى يمينا فلا شيء عليه، ولو قال أعزم بالله ولا نية له فليست بيمين؛ لأن قوله أعزم بالله إنما هي أعزم بقدرة الله، أو أعزم بعون الله على كذا، وكذا واستحلافه لصاحبه لا يمينه هو مثل قولك للرجل أسألك بالله، أو أقسم عليك بالله، أو أعزم عليك بالله، فإن أراد المستحلف بهذا يمينا فهو يمين، وإن لم يرد به يمينا فلا شيء عليه، فإن أراد بقوله أعزم بالله، أو أقسم بالله أو أسألك بالله يمينا فهي يمين، وكذلك إن تكلم بها، وإن لم ينو فلا شيء عليه، وإذا قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته، ثم حنث فليس بيمين إلا أن ينوي بها يمينا، وكذلك ليست بيمين لو تكلم بها لا ينوي يمينا فليس بيمين بشيء من قبل أن لله عليه عهدا أن يؤدي فرائضه، وكذلك لله عليه ميثاق بذلك وأمانة بذلك، وكذلك الذمة، والكفالة.