كتاب الأم/الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان/باب التحفظ في الشهادة
قال الله عز وجل: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} وقال الله عز وجل: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} [أخبرنا الربيع] قال.
[قال الشافعي]: وحكي أن إخوة يوسف وصفوا أن شهادتهم كما ينبغي لهم فحكي أن كبيرهم قال: {ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين} [قال]: ولا يسع شاهدا أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعا من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه وما شهد به رجل على رجل أنه فعله، أو أقر به لم يجز إلا أن يجمع أمرين أحدهما أن يكون يثبته بمعاينة، والآخر أن يكون يثبته سمعا مع إثبات بصر حين يكون الفعل وبهذا قلت لا تجوز شهادة الأعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة، أو معاينة وسمعا، ثم عمي فتجوز شهادته؛ لأن الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد أو القول الذي أثبته سمعا وهو يعرف وجه صاحبه فإذا كان ذلك قبل يعمى، ثم شهد عليه حافظا له بعد العمى جاز، وإذا كان القول، والفعل وهو أعمى لم يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت، وإذا كان هذا هكذا كان الكتاب أحرى أن لا يحل لأحد أن يشهد عليه والشهادة في ملك الرجل الدار أو الثوب على تظاهر الأخبار بأنه مالك الدار وعلى أن لا يرى منازعا له في الدار والثوب فيثبت ذلك في القلب فيسع الشهادة عليه وعلى النسب إذا سمعه ينتسب زمانا، أو سمع غيره ينسبه إلى نسبه ولم يسمع دافعا ولم ير دلالة يرتاب بها، وكذلك يشهد على عين المرأة ونسبها إذا تظاهرت له أخبار من يصدق بأنها فلانة ويراها مرة بعد مرة وهذا كله شهادة بعلم كما وصفت، وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه فيما أخذ به مع شاهد وفي رد اليمين وغير ذلك. والله تعالى الموفق.