كتاب الأم/كتاب الرهن الكبير/ما يكون إخراجا للرهن من يدي المرتهن وما لا يكون
[قال الشافعي]: رحمه الله: وجماع ما يخرج الرهن من يدي المرتهن أن يبرأ الراهن من الحق الذي عليه الرهن بدفع أو إبراء من المرتهن له أو يسقط الحق الذي به الرهن بوجه من الوجوه فيكون الرهن خارجا من يدي المرتهن عائدا إلى ملك راهنه كما كان قبل أن يرهن أو بقول المرتهن قد فسخت الرهن أو أبطلته أو أبطلت حقي فيه، ولو رهن رجل رجلا أشياء مثل دقيق، وإبل وغنم وعروض ودراهم ودنانير بألف درهم أو ألف درهم، ومائة دينار أو ألف درهم، ومائتي دينار أو بعيرا وطعاما فدفع الراهن إلى المرتهن جميع ماله في الرهون كلها إلا درهما واحدا أو أقل منه أو ويبة حنطة أو أقل منها كانت الرهون كلها بالباقي. وإن قل لا سبيل للراهن على شيء منها، ولا لغرمائه، ولا لورثته لو مات حتى يستوفي المرتهن كل ماله فيها؛ لأن الرهون صفقة واحدة لا يفك بعضها قبل بعض. ولو رهن رجل رجلا جارية فقبضها المرتهن ثم أذن للراهن في عتقها فلم يعتقها أو أذن له في وطئها فلم يطأها أو وطئها فلم تحمل فهي رهن بحالها لا يخرجها من الرهن إلا بأن يأذن له فيما وصفت كما لو أمره أن يعتق عبدا لنفسه فأعتقه عتق وإن لم يعتقه فهو على ملكه بحاله، وكذلك لو ردها المرتهن إلى الراهن بعد قبضه إياها بالرهن مرة واحدة فقال استمتع من وطئها وخدمتها كانت مرهونة بحالها لا تخرج من الرهن فإن حملت الجارية من الوطء فولدت أو أسقطت سقطا قد بان من خلقه شيء فهي أم ولد لسيدها الراهن وخارجة من الرهن، وليس على الراهن أن يأتيه برهن غيرها؛ لأنه لم يتعد في الوطء، وهكذا لو أذن له في أن يضربها فضربها فماتت لم يكن له عليه أن يأتيه ببدل منها يكون رهنا مكانها؛ لأنه لم يتعد عليه في الضرب. وإذا رهن الرجل الرجل أمة فآجره إياها فوطئها الراهن أو اغتصبها الراهن نفسها فوطئها فإن لم تلد فهي رهن بحالها، ولا عقر للمرتهن على الراهن؛ لأنها أمة الراهن، ولو كانت بكرا فنقصها الوطء كان للمرتهن أخذ الراهن بما نقصها يكون رهنا معها أو قصاصا من الحق إن شاء الراهن كما تكون جنايته عليها، وهكذا لو كانت ثيبا فأفضاها أو نقصها نقصا له قيمة، وإن لم ينقصها الوطء فلا شيء للمرتهن على الراهن في الوطء، وهي رهن كما هي. وإن حبلت وولدت، ولم يأذن له في الوطء، ولا مال له غيرها ففيها قولان. أحدهما: أنها لا تباع ما كانت حبلى، فإذا ولدت بيعت، ولم يبع ولدها، وإن نقصتها الولادة شيئا فعلى الراهن ما نقصتها الولادة، وإن ماتت من الولادة فعلى الراهن أن يأتي بقيمتها صحيحة تكون رهنا مكانها أو قصاصا متى قدر عليها، ولا يكون إحباله إياها أكبر من أن يكون رهنها ثم أعتقها، ولا مال له غيرها فأبطل العتق وتباع بالحق، وإن كانت تسوى ألفا، وإنما هي مرهونة بمائة بيع منها بقدر المائة وبقي ما بقي رقيقا لسيدها ليس له أن يطأها وتعتق بموته في قول من أعتق أم الولد بموت سيدها، ولا تعتق قبل موته، ولو كان رهنه إياها ثم أعتقها، ولم تلد، ولا مال له بيع منها بقدر الدين وعتق ما بقي مكانه. وإن كان عليه دين يحيط بما له عتق ما بقي، ولم يبع لأهل الدين. والقول الثاني: أنه إذا أعتقها فهي حرة أو أولدها فهي أم ولد له لا تباع في واحدة من الحالين؛ لأنه مالك، وقد ظلم نفسه، ولا يسعى في شيء من قيمتها، وهكذا القول فيما رهن من الرقيق كلهم ذكورهم، وإناثهم، وإذا بيعت أم الولد في الرهن بما وصفت فملكها السيد فهي أم ولد له بذلك الولد، ووطؤه إياها، وعتقه بغير إذن المرتهن مخالف له بإذن المرتهن. ولو اختلفا في الوطء والعتق فقال الراهن: وطئتها أو أعتقتها بإذنك، وقال المرتهن: ما أذنت لك فالقول قول المرتهن مع يمينه فإن نكل المرتهن حلف الراهن لقد أذن له ثم كانت خارجة من الرهن، وإن لم يحلف الراهن أحلفت الجارية فقد أذن له بعتقها أو وطئها، وكانت حرة أو أم ولد، وإن لم تحلف هي، ولا السيد كانت رهنا بحالها. ولو مات المرتهن فادعى الراهن عليه أنه أذن له في عتقها أو وطئها، وقد ولدت منه أو أعتقها كانت عليه البينة فإن لم يقم بينة فهي رهن بحالها، وإن أراد أن يحلف له ورثة الميت أحلفوا ما علموا أباهم أذن له لم يزادوا على ذلك في اليمين، ولو مات الراهن فادعى ورثة هذا أحلف لهم المرتهن ما أذن للراهن في الوطء والعتق كما وصفت أولا. وهذا كله إذا كان مفلسا فأما إذا كان الراهن موسرا فتؤخذ قيمة الجارية منه في العتق والإيلاد ثم يخير بين أن تكون قيمتها رهنا مكانها، وإن كان أكثر من الحق أن قصاصا من الحق فإن اختار أن يكون قصاصا من الحق، وكان فيه فضل عن الحق رد ما فضل عن الحق عليه. وإذا أقر المرتهن أنه أذن للراهن في وطء أمته ثم قال: هذا الحبل ليس منك هو من زوج زوجتها إياه أو من عبد فادعاه الراهن فهو ابنه، ولا يمين عليه؛ لأن النسب لاحق به، وهي أم ولد له بإقراره، ولا يصدق المرتهن على نفي الولد عنه، وإنما منعني من إحلافه أنه لو أقر بعد دعوته الولد أنه ليس منه ألحقت الولد به وجعلت الجارية أم ولد فلا معنى ليمينه إذا حكمت بإخراج أم الولد من الرهن. ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن: أذنت لي في وطئها فولدت لي، وقال المرتهن: ما أذنت لك، كان القول قول المرتهن فإن كان الراهن معسرا والجارية حبلى لم تبع حتى تلد ثم تباع، ولا يباع، ولدها، ولو قامت بينة أن المرتهن أذن للراهن منذ مدة ذكروها في وطء أمته وجاءت بولد يمكن أن يكون من السيد في مثل تلك المدة فادعاه فهو ولده، وإن لم يمكن أن يكون من السيد بحال، وقال المرتهن هو من غيره بيعت الأمة، ولا يباع الولد بحال، ولا يكون الولد رهنا مع الأمة، وإذا رهن رجل رجلا أمة ذات زوج أو زوجها بعد الرهن بإذن المرتهن لم يمنع زوجها من وطئها والبناء بها، فإن ولدت فالولد خارج من الرهن، وإن حبلت ففيها قولان. أحدهما: لا تباع حتى تضع حملها ثم تكون الجارية رهنا والولد خارجا من الرهن، ومن قال هذا قال: إنما يمنعني من بيعها حبلى وولدها مملوك أن الولد لا يملك بما تملك به الأم إذا بيعت في الرهن، فإن سأل الراهن أن تباع ويسلم الثمن كله للمرتهن فذلك له. والقول الثاني: أنها تباع حبلى، وحكم الولد حكم الأم حتى يفارقها فإذا فارقها فهو خارج من الرهن، وإذا رهن الرجل الرجل جارية فليس له أن يزوجها دون المرتهن؛ لأن ذلك ينقص ثمنها ويمنع إذا كانت حاملا وحل الحق من بيعها، وكذلك ليس للمرتهن أن يزوجها؛ لأنه لا يملكها، وكذلك العبد الرهن، وأيهما زوج العبد أو الأمة فالنكاح مفسوخ حتى يجتمعا على التزويج قبل عقدة النكاح. وإذا رهن الرجل الرجل رهنا إلى أجل فاستأذن الراهن المرتهن في بيع الرهن فأذن له فيه فباعه فالبيع جائز، وليس للمرتهن أن يأخذ من ثمنه شيئا، ولا أن يأخذ الراهن برهن مكانه، وله ما لم يبعه أن يرجع في إذنه له بالبيع فإن رجع فباعه بعد رجوعه في الإذن له فالبيع مفسوخ، وإن لم يرجع، وقال: إنما أذنت له في أن يبيعه على أن يعطيني ثمنه، وإن كنت لم أقل له أنفذت البيع، ولم يكن له أن يعطيه من ثمنه شيئا، ولا أن يجعل له رهنا مكانه، ولو اختلفا فقال: أذنت له وشرطت أن يعطيني ثمنه، وقال الراهن: أذن لي، ولم يشترط حتى يجعلها رهنا مكانه، ولو تصادقا على أنه أذن له ببيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له أن يبيعه؛ لأنه لم يأذن له في بيعه إلا على أن يعجل له حقه قبل محله. ولو قامت بينة على أنه أذن له أن يبيعه ويعطيه ثمنه فباعه على ذلك فسخت البيع من قبل فساد الشرط في دفعه حقه قبل محله بأخذ الرهن فإن فات العبد في يدي المشتري بموت فعلى المشتري قيمته؛ لأن البيع فيه كان مردودا وتوضع قيمته رهنا إلى الأجل الذي إليه الحق إلا أن يتطوع الذي عليه الحق بتعجيله قبل محله تطوعا مستأنفا لا على الشرط الأول. ولو أذن له أن يبيعه على أن يكون المال رهنا لم يجز البيع، وكان كالمسألة قبلها التي أذن له فيها أن يبيعه على أن يقبضه ثمنه في رد البيع فكان فيه غير ما في المسألة الأولى أنه أذن له أن يبيعه على أن يرهنه ثمنه وثمنه شيء غيره غير معلوم، ولو كان الرهن بحق حال فأذن الراهن للمرتهن أن يبيع الرهن على أن يعطيه حقه فالبيع جائز وعليه أن يدفع إليه ثمن الرهن، ولا يحبس عنه منه شيئا، فإن هلك في يده أخذه بجميع الحق في ماله كان أقل أو أكثر من ثمن الرهن، وإنما أجزناه ها هنا؛ لأنه كان عليه ما شرط عليه من بيعه، وإيفائه حقه قبل شرط ذلك عليه. ولو كانت المسألة بحالها فأذن له في بيع الرهن، ولم يشترط عليه أن يعطيه ثمنه كان عليه أن يعطيه ثمنه إلا أن يكون الحق أقل من ثمنه فيعطيه الحق، ولو أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن، ولم يحل كان له الرجوع في إذنه له ما لم يبعه فإذا باعه وتم البيع، ولم يقبض ثمنه أو قبضه فأراد المرتهن أخذ ثمنه منه على أصل الرهن لم يكن ذلك له؛ لأنه أذن له في البيع، وليس له البيع، وقبض الثمن لنفسه فباع فكان كمن أعطي عطاء، وقبضه أو كمن أذن له في فسخ الرهن ففسخه، وكان ثمن العبد مالا من مال الراهن يكون المرتهن فيه وغيره من غرمائه أسوة. ولو أذن له في بيعه فهو على الراهن، وله الرجوع في الإذن له إلا أن يكون قال قد فسخت فيه الرهن أو أبطلته، فإذا قاله لم يكن له الرجوع في الرهن، وكان في الرهن كغريم غيره، وإذا رهن الرجل الرجل الجارية، ثم وطئها المرتهن أقيم عليه الحد فإن ولدت فولده رقيق، ولا يثبت نسبهم، وإن كان أكرهها فعليه المهر، وإن لم يكرها فلا مهر عليه، وإن ادعى جهالة لم يعذر بها إلا أن يكون ممن أسلم حديثا أو كان ببادية نائية أو ما أشبهه. ولو كان رب الجارية أذن له، وكان يجهل درئ عنه الحد، ولحق الولد وعليه قيمتهم يوم سقطوا، وهم أحرار، وفي المهر قولان. أحدهما: أن عليه مهر مثلها. والآخر: لا مهر عليه؛ لأنه أباحها، ومتى ملكها لم تكن له أم ولد وتباع الجارية ويؤدب هو والسيد للإذن. [قال الربيع]: إن ملكها يوما ما كانت أم ولد له بإقراره أنه أولدها، وهو يملكها.
[قال الشافعي]: ولو ادعى أن الراهن المالك، وهبها له قبل الوطء أو باعه إياها أو أعمره إياها أو تصدق بها عليه أو اقتصه كانت أم ولد له وخارجة من الرهن إذا صدقه الراهن أو قامت عليه بينة بذلك كان الراهن حيا أو ميتا، وإن لم تقم له بينة بدعواه فالجارية وولدها رقيق إذا عرف ملكها للراهن لم تخرج من ملكه إلا ببينة تقوم عليه. وإذا أراد المرتهن أحلف له ورثة الراهن على علمهم فيما ادعى من خروجها من ملك الراهن إليه [قال الربيع]: وله في ولده قول آخر إنه حر بالقيمة ويدرأ عنه الحد ويغرم صداق مثلها.