كتاب الأم/كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة/الأمان

ملاحظات: الأمان


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال بعض الناس يجوز أمان المرأة المسلمة، والرجل المسلم لأهل الحرب فأما العبد المسلم فإن أمن أهل بغي أو حرب وكان يقاتل أجزنا أمانه كما نجيز أمان الحر وإن كان لا يقاتل لم نجز أمانه، فقلت له لم فرقت بين العبد يقاتل ولا يقاتل؟ فقال: قال رسول الله (المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم) فقلت له هذه الحجة عليك، قال ومن أين؟ قلت إن زعمت أن قول رسول الله (يسعى بذمتهم أدناهم) على الأحرار دون المماليك فقد زعمت أن المملوك يؤمن وهو خارج من الحديث، قال ما هو خارج من الحديث وإنه ليلزمه اسم الإيمان، فقلت له فإن كان داخلا في الحديث فكيف زعمت أنه لا يجوز أمانه إذا لم يقاتل؟ قال إنما يؤمن المقاتلين مقاتل، قلت ورأيت ذلك استثناء في الحديث أو وجدت عليه دلالة منه؟ قال كان العقل يدل على هذا قلت ليس كما تقول الحديث والعقل معا يدلان على أنه يجوز أمان المؤمن بالإيمان لا بالقتال ولو كان كما قلت كنت قد خالفت أصل مذهبك قال ومن أين؟ قلت زعمت أن المرأة تؤمن، فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل يؤمن فيجوز أمانه وكان يلزمك في هذين على أصل ما ذهبت إليه أن لا يجوز أمانهما لأنهما لا يقاتلان قال فإني أترك هذا كله فأقول: إن النبي لما قال تتكافأ دماؤهم فدية العبد أقل من دية الحر فليس بكفء بدمه لدمه، فقلت له القول الذي صرت إليه أبعد من الصواب من القول الذي بان لك تناقض قولك فيه، قال ومن أين؟ قلت أتنظر في قول رسول الله تتكافأ دماؤهم " إلى القود أم إلى الدية؟ قال إلى الدية، قلت فدية المرأة نصف دية الرجل وأنت تجيز أمانها، ودية بعض العبيد عندك أكثر من دية المرأة فلا تجيز أمانه؟ وقد يكون العبد لا يقاتل أكثر دية من العبد يقاتل ولا تجيز أمانه ويكون العبد يقاتل عن مائة درهم فتجيز أمانه فقد تركت أصل مذهبك في إجازة أمان العبد المقاتل يساوي مائة درهم وفي المرأة، قال: فإن قلت إنما عنى " تتكافأ دماؤهم " في القود، قلت فقله قال فقد قلت فأنت تقيد بالعبد الذي لا يساوي عشرة دنانير الحر ديته ألف دينار كان العبد ممن يحسن قتالا أو لا يحسنه، قال إني لافعل وما هذا على القود قلت أجل ولا على الدية ولا على القتال، ولو كان على شيء من ذلك كنت قد تركته كله، قال فعلام هو؟ قلت على اسم الإيمان قال وإذا أسر أهل البغي أهل العدل وكان أهل العدل فيهم تجار فقتل بعضهم بعضا أو استهلك بعضهم لبعض مالا لم يقتص لبعضهم من بعض ولم يلزم بعضهم لبعض في ذلك شيء لأن الحكم لا يجري عليهم، وكذلك إن كانوا في دار حرب، فقلت له أتعني أنهم في حال شبهة بجهالهم وتنحيهم عن أهل العلم وجهالة من هم بين ظهرانيه ممن أهل بغي أو مشركين؟ قال لا ولو كانوا فقهاء يعرفون أن ما أتوا وما هو دونه محرم أسقطت ذلك عنهم في الحكم لأن الدار لا يجري عليها الحكم فقلت له إنما يحتمل قولك لا يجري عليها الحكم معنيين، أحدهما أن تقول ليس على أهلها أن يعطوا أن يكون الحكم عليهم جاريا، والمعنى الثاني أن يغلب أهلها عليها فيمنعوها من الحكم في الوقت الذي يصيب فيه هؤلاء الحدود فأيهما عنيت؟ قال أما المعنى الأول فلا أقول به على أهلها أن يصيروا إلى جماعة المسلمين ويستسلموا للحكم وهم بمنعه ظالمون مسلمون كانوا أو مشركين ولكن إذا منعوا دارهم من أن يكون عليها طاعة يجري فيها الحكم كانوا قبل المنع مطيعين يجري عليهم الحكم أو لم يكونوا مطيعين قبله فأصاب المسلمون في هذه الدار حدودا بينهم أو لله لم تؤخذ منهم الحدود ولا الحقوق بالحكم وعليهم فيما بينهم وبين الله عز وجل تأديتها فقلت له نحن وأنت تزعم أن القول لا يجوز إلا أن يكون خبرا أو قياسا معقولا فأخبرنا في أي المعنيين قولك؟ قال قولي قياس لا خبر قلنا فعلام قسته؟ قال على أهل دار المحاربين يقتل بعضهم بعضا ثم يظهر عليهم فلا نقيد منهم، قلت أتعني من المشركين؟ قال: نعم. فقلت له أهل الدار من المشركين يخالفون التجار والأسارى فيهم في المعنى الذي ذهبت إليه خلافا بينا. قال فأوجدنيه قلت أرأيت المشركين المحاربين لو سبى بعضهم بعضا ثم أسلموا أتدع السابي يتخول المسبي موقوفا له؟ قال نعم: قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار ثم ظهرنا عليهم، قال فلا يكون لهم أن يسترق بعضهم بعضا قلت أفرأيت أهل الحرب لو غزونا فقتلوا فينا ثم رجعوا إلى دارهم فأسلموا أو أسلموا قبل الرجوع أيكون على القاتل منهم قود؟ قال: لا. قلت فلو فعل ذلك الأسارى أو التجار غير مكرهين ولا مشتبه عليهم؟ قال: يقتلون قلت أفرأيت المسلمين أيسعهم أن يقصدوا قصد الأسارى والتجار من المسلمين ببلاد الحرب فيقتلونهم؟ قال لا بل محرم عليهم، قلت أفيسعهم ذلك في أهل الحرب؟ قال: نعم قلت أرأيت الأسارى والتجار لو تركوا صلوات ثم خرجوا إلى دار الإسلام أيكون عليهم قضاؤها أو زكاة كان عليهم أداؤها؟ قال: نعم قلت ولا يحل لهم في دار الحرب إلا ما يحل في دار الإسلام؟ قال: نعم قلت فإن كانت الدار لا تغير مما أحل الله لهم وحرم عليهم شيئا فيكون أسقطت عنهم حق الله عز وجل وحق الآدميين الذي أوجبه الله عز وجل فيما أتوا في الدار التي لا تغير عندك شيئا. ثم قلت ولا يحل لهم حبس حق قبلهم في دم ولا غيره؟ وما كان لا يحل لهم حبسه كان على السلطان استخراجه منهم عندك في غير هذا الموضع، فقال فإني أقيسهم على أهل البغي الذين أبطل ما أصابوا إذا كان الحكم لا يجري عليهم، قلت ولو قستهم بأهل البغي كنت قد أخطأت القياس، قال وأين؟ قلت أنت تزعم أن أهل البغي ما لم ينصبوا إماما ويظهروا حكمهم يقاد منهم في كل ما أصابوا وتقام عليهم الحدود والأسارى والتجار لا إمام لهم ولا امتناع فلو قستهم بأهل البغي كان الذي تقيم عليه الحدود من أهل البغي أشبه بهم لأنه غير ممتنع بنفسه وهم غير ممتنعين بأنفسهم وأهل البغي عندك إذا قتل بعضهم بعضا بلا شبهة ثم ظهرت عليهم أقدتهم وأخذت لبعضهم من بعض ما ذهب لهم من مال، فقال ولكن الدار ممنوعة من أن يجرى عليها الحكم بغيرهم فإنما منعتهم بأن الدار لا يجرى عليها الحكم، فقلت له فأنت إن قستهم بأهل الحرب والبغي مخطئ وإنما كان ينبغي أن تبتدئ بالذي رجعت إليه، قال فيدخل علي في الذي رجعت إليه شيء؟ قلت نعم قال وما هو؟ قلت أرأيت الجماعة من أهل القبلة يحاربون فيمتنعون في مدينة أو صحراء فيقطعون الطريق ويسفكون الدماء ويأخذون الأموال ويأتون الحدود؟ قال يقام هذا كله عليهم قلت ولم وقد منعوا هم بأنفسهم دارهم ومواضعهم حتى صاروا لا تجري الأحكام عليهم؟ وإن كنت إنما ذهبت إلى أنه أسقط الحكم عن المسلمين امتناع الدار فهؤلاء منعوا الدار بأنفسهم من أن يجرى عليها حكم وقد أجريت عليهم الحكم فلم أجريته على قوم في دار ممنوعة من القوم وأسقطته عن آخرين؟ وإن كنت قلت يسقط عن أهل البغي فأولئك قوم متأولون مع المنعية مشبه عليهم يرون أن ما صنعوا مباح لهم والأسارى والتجار الذين أسقطت عنهم الحدود يرون ذلك محرما عليهم؟ فإنما قلت هذا في المحاربين من أهل القبلة بأن الله تعالى حكم عليهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قلت له أفيحتمل أن يكون الحكم عليهم إن كانوا غير ممتنعين؟ قال نعم ويحتمل وكل شيء إلا وهو يحتمل ولكن ليس في الآية دلالة عليه والآية على ظاهرها حتى تأتي دلالة على باطن دون ظاهر.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قلت له ومن قال بباطن دون ظاهر بلا دلالة له في القرآن والسنة أو الإجماع مخالف للآية قال نعم فقلت له فأنت إذا تخالف آيات من كتاب الله عز وجل قال وأين؟ قلت قال الله تبارك وتعالى {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} وقال الله تعالى {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقال عز ذكره {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فزعمت في هذا وغيره أنك تطرحه عن الأسارى والتجار بأن يكونوا في دار ممتنعة ولم تجد دلالة على هذا في كتاب الله عز وجل ولا في سنة رسول الله ولا إجماع فتزيل ذلك عنهم بلا دلالة وتخصهم بذلك دون غيرهم وقال بعض الناس لا ينبغي لقاضي أهل البغي أن يحكم في الدماء والحدود وحقوق الناس وإذا ظهر الإمام على البلد الذي فيه قاض لأهل البغي لم يرد من حكمه إلا ما يرد من حكم غيره من قضاة غير أهل البغي وإن حكم على غير أهل البغي فلا ينبغي للإمام أن يجيز كتابه خوف استحلاله أموال الناس بما لا يحل له.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان غير مأمون برأيه على استحلال ما لا يحل له من مال امرئ أو دمه لم يحل قبول كتابه ولا إنفاذ حكمه، وحكمه أكثر من كتابه فكيف يجوز أن ينفذ حكمه وهو الأكثر ويرد كتابه وهو الأقل؟ وقال من خالفنا إذا قتل العادل أباه ورثه وإذا قتل الباغي لم يرثه وخالفه بعض أصحابه فقال هما سواء يتوارثان لأنهما متأولان وخالفه آخر فقال لا يتوارثان لأنهما قاتلان.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: الذي هو أشبه بمعنى الحديث أنهما سواء لا يتوارثان ويرثهما غيرهما من ورثتهما.

[قال الشافعي]: قال من خالفنا يستعين الإمام على أهل البغي بالمشركين إذا كان حكم المسلمين ظاهرا.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فقلت له إن الله عز وجل أعز بالإسلام أهله فخولهم من خالفهم بخلاف دينه فجعلهم صنفين صنفا مرقوقين بعد الحرية وصنفا مأخوذا من أموالهم ما فيه لأهل الإسلام المنفعة صغارا غير مأجورين عليه ومنعهم من أن ينالوا نكاح مسلمة وأباح نساء حرائر أهل الكتاب للمسلمين ثم زعمت أن لا يذبح النسك إذا كان تقربا إلى الله جل ذكره أحد من أهل الكتاب فكيف أجزت أن تجعل المشرك في منزلة ينال بها مسلما حتى يسفك بها دمه وأنت تمنعه من أن تسلطه على شاته التي يتقرب بها إلى ربه؟ قال حكم الإسلام هو الظاهر قلت: والمشرك هو القاتل والمقتول قد مضى عنه الحكم وصيرت حتفه بيدي من خالف دين الله عز وجل ولعله يقتله بعداوة الإسلام وأهله في الحال التي لا تستحل أنت فيها قتله.

[قال الشافعي]: وقلت له أرأيت قاضيا إن استقضى تحت يده قاضيا هل يولي ذميا مأمونا أن يقضي في حزمة بقل وهو يسمع قضاءه فإن أخطأ الحق رده؟ قال: لا قلت ولم؟ وحكم القاضي الظاهر؟ قال وإن. فإن عظيما أن ينفذ على مسلم شيء بقول ذمي قلت: إنه بأمر مسلم، قال وإن كان كذلك فالذمي موضع حاكم فقلت له أفتجد الذمي في قتال أهل البغي قاتلا في الموضع الذي لا يصل الإمام إلى أن يأمره بقتل إن رآه ولا كف؟ قال إن هذا كما وصفت ولكن أصحابنا احتجوا بأن النبي استعان بالمشركين على المشركين قلت: ونحن نقول لك استعن بالمشركين على المشركين لأنه ليس في المشركين عز محرم أن نذله ولا حرمة حرمت إلا أن نستبقيها كما يكون في أهل دين الله عز وجل ولو جاز أن يستعان بهم على قتال أهل البغي في الحرب كان أن يمضوا حكما في حزمة بقل أجوز وقلت له: ما أبعد ما بين أقاويلك قال في أي شيء؟ قلت أنت تزعم أن المسلم والذمي إذا تداعيا ولذا جعلت الولد للمسلم وحجتهما فيه واحدة لأن الإسلام أولى بالولد قبل أن يصف الولد الإسلام. وزعمت أن أحد الأبوين إذا أسلم كان الولد مع أيهما أسلم تعزيرا للإسلام فأنت في هذه المسألة تقول هذا وفي المسألة قبلها تسلط المشركين على قتل أهل الإسلام.

كتاب الأم - كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة
باب فيمن يجب قتاله من أهل البغي | باب السيرة في أهل البغي | باب الحال التي لا يحل فيها دماء أهل البغي | حكم أهل البغي في الأموال وغيرها | الخلاف في قتال أهل البغي | الأمان