مجلة البيان للبرقوقي/العدد 12/قريبك الفقير

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 12/قريبك الفقير

ملاحظات: بتاريخ: 5 - 5 - 1913



بقلم شارل لام

أمرّ شيء في الدنيا عليك قريبك الفقير، تكاتبه غير مبال به ولا حافل وترى في قربه مضاضة وفي جواره أشد الأذى.

الله في عون المسكين، أنك لترى في ترداده وخز وجدانك وتحس في زوراته ألم سريرتك.

قريبك الفقير هو الظل الشارد الممتد في ضحى سعادتك. هو المذكر المكروه، لا مرحباً به ولا تكريما، هو ثقب يسيل منه نضارك وينحدر ذهبك.

رحمة للرجل، أنه لديه الدائن المرذول يلح على عزتك، والمطالب البغيض يلحف على أبائك، وهو الحائل دون نجاحك، الواقف حجر عثرة في سبيل توفيقك.

قريبك الفقير هو وصمة في جبينك، وشائبة في دمك، ولطخة فوق درعك، ورقعة في أثوابك، ورأس ميت فوق مائدتك.

قريبك المعسر هو الليث راصد لك في طريقك، والضفدع ينق في منامتك، والذبابة تسقط في مرهمك.

لا بل هو قذي في عينك، وفرحة لعدوك، ومعذرة لأحبابك، وتنصل منه لأهل ودك.

هو العطية التي لا حاجة بك إليها وهو المطر الهامل في موسم الحصيد، هو المر الكثير في الحلو القليل.

وارحمتا للبائس، معروف لدى بابكم بدقته.

وآسوه! هذا فلان لدى الباب.

وما دقته إلا مزيج بين الدالة والتهيب، يطرق بابكم يسأل الحفاوة والترحيب وهو منهما يائس، ويدخل الدار ضاحكة أسرته بسام المحيا فلا يلبث أن يروح حيران مذهولاً.

يمد إليك يده ليصافحك ثم يردها متهيباً، ويهبط عندكم صدفة في وقت الغذاء ومائدتك حافلة وقد كثرت على طعامكم الأيدي وأنت محتفل بضيفك فيريد لو ينصرف إلا أن شيئاً يضطره إلى البقاء.

ويسقط في مقعد هناك وولدا زائرك جالسان إلى مائدة بجانب الجدار.

لا يزوركم في أيام الزيارات، إذ تقول زوجتك، أيها العزيز لعل فلاناً منحدر إلينا اليوم، ويذكر حفلات ميلادكم، ويعترف أنه سعيد أن تعثر بواحدة منها.

مرحمة أيها الناس، حتى خدمكم يعدونه لغزاً من الألغاز ويشفقون أن يكونوا لديه خافضي الجناح من أدب وهيبة، ويتهامس الضيفان بينهم أنهم رأوه من قبل، ويتمعن كل منهم في حالته وكلهم يحسبه من مستخدمي الجمارك!

ويدعوك باسمك دون الكنية ليدل الأضياف أن اسمه مثل اسمك، ويأنس لك قليلاً، ويتدلل بقرابتك واثقاً، وتود لو لم تكن هذه الثقة ليده وأن قلة اطمئنانه لك واحتشامه في حضرتك يظهر أنه أمام ضيفانك كأنه تابع اصطنعته لنفسك وصنيعة استخدمته لحاجتك، ولو تشجع لديك بعض التشجع لبدت للناس مكانته منك وعصبيته.

هيئته أمامك لا تليق حتى بالصديق ومظهره لا يجمل بالولى.

تدعونه لمائدة الميسر فيأبى محتجاً بفقره، وتأخذه العزة بالحق وقد تركتموه في الحجرة وحيداً.

فإذا انتثر عقد جمعكم وتفرق عنك ضيفك رأيته يسارع ليأتيكم بمركبة ولكنه يدع الخادم مستبقاً.

انه ليذكرك بأجدادك ويرمي في المجلس بحكاية تافهة عن أسرتك ويقص القصص عن أهلك، ويحيي عهوداً نقضت، ويسترجع زماناً ليس له رَجعُ، ويتفهم منك عن ثمن رياشك بلهجة المهنئ المقرظ، ويهينك بمديح أستار نوافذك وحُجُب شرفاتك، ويتجرأ عليك فيقول أنك تجد الراحة كلها في اقتناء مركبة ويسأل زوجتك في ذلك رأيها.

وأنت ترى في المسكين ذاكرة شاردة هائمة وتحيات فاسدة باردة وتجد في حديثه غصة ألماً، وفي مقامه عناداً وتشبثاً، وفي مكثه إصراراً وثقلاً.

فإذا انطلق من لدنك فلا احتفال ولا توديع، بل أنك لترمي بكرسيه إلى زاوية هناك وأنت تشعر أنك تخلصت من أذية كبرى.