مجلة البيان للبرقوقي/العدد 18/الزباء

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 18/الزباء

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 6 - 1914



كان جذيمة الأبرش من أفضل ملوك العرب رأياً، وأبعدهم مغاراً، وأشدهم نكاية، وأظهرهم حزماً. وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم إليه العرب وغزا بالجيوش - وكان به برص فكنت العرب عنه وهابت العرب أن تسميه به وتنسبه إليه إعظاماً له فقالوا جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش - وكانت منازلة فيما بين الحبرة والأنبار وبقة وهيت وناحيتها وعين التمر وأطراف البر إلى الغمير والقطقطانة وخفية وما والاها - وتجبي إليه الأموال وتفد إليه الوفود. وكان غزا طسما وجدياً في منازلهم من جو وما حولهم - وكانت طسم وجديس يتكلمون بالعربية فأصاب حسان بن تبع أسعد أبي كرب قد أغار على طسم وجديس باليمامة فانكفأ جذيمة راجعاً بمن معه - وكان قد اتخذ صنمين يقال لهما الضيزنان: قالوا - ومكان الضيزنين بالحيرة معروف - وكان يستشقى بهما ويستنصر بهما على العدو وكانت إياد بعين أباغ وأباغ رجل من العماليق نزل بتلك العين فكان يغازيهم فذكر لجذيمة غلام من لخم في أخواله من إياد يقال له عدي بن نضر له جمال وظرف فعزاهم جذيمة فبعثت إياد قوماً فسقوا سدنة الصنمين الخمر وسرقوا الصنمين فأصبحا في إياد، فبعثت إلى جذيمة أن صنميك أصبحا فينا زهداً فيك ورغبة فينا فإن أوثقت لنا أن لا تغزونا رددناهما إليك، قال وعدي بن نصر تدفعونه إلى، فدفعوه إليه مع الصنمين فانصرف عنهم وضم عدياً إلى نفسه وولاه شرابه فأبصرته رقاش بنة مالك أخت جذيمة فعشقته وراسلته وقالت يا عدي أخطبني إلى الملك فإن لك حسباً وموضعاً فقال لا اجترئ على كلامه في ذلك ولا أطمع في أن يزوجنيك، قالت إذا جلس على شرابه وحضره ندماؤه فاسقه صرفاً واسق القوم مزاجاً فإذا أخذت الخمرة منه فاخطبني إليه فإنه لن يردك ولن يمتنع عليك فإذا زوجك فأشهد القوم، ففعل الفتى ما أمرته به، فلما أخذت المرة مأخذها خطبها إليه فأملكه إياها فانصرف إليها فأعرس بها من ليلته وأصبح مضرجاً بالخلوق. فقال له جذيمة - وأنكر ما رأى به - ما هذه الآثار يا عدي، قال آثار العرس، قال أي عرس، قال عرس رقاش، قال من زوجكها ويحك، قال زوجنيها الملك، فضرب جذيمة بيده على جبهته وأكب على الأرض ندامة وتلهفاً، وخرج عدي على وجهه هارباً فلم ير له أثر ولنم يسمع له بذكر. وأرسل إليها جذيمة قال:

حدثيني وأنت لا تكذبيني ... أبحر بنيت أم بهجين أم بعبد فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون

فقالت لا بل أنت زوجتي أمراً عربياً معروفاً حسيباً ولم تستأمرني في نفسي ولم أكن مالكة لأمرئ فكف عنها وعرف عذرها، ورجع عدي بن نصر إلى إياد فكان فيهم، فخرج ذات يوم مع فتية متصيدين فرمي به فتى منهم من لهب فيما بين جبلين فتنكس فمات، واشتملت رقاش على حمل فولدت غلاماً فسمته عمراً ورشحته حتى إذا ترعرع عطرته وألبسته وحلته وأزارته خاله جذيمة فلما رآه أعجب به وألقيت عليه منه مقة ومحبة فكان يختلف مع ولده ويكون معهم، فخرج جذيمة متبدياً بأهله وولده في سنة خصبة مكلئة فضربت له أبنية في روضة ذات زهر وغدر وخرج ولده وعمرو مغهم يجتنون الكمأة فكانوا إذا أصابوا كمأة جيدة أكلوها وإذا أصابها عمرو خبأها في حجرته فانصرفوا إلى جذيمة يتعادون وعمرو يقول:

هذا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إلى فيه

فضمه إليه جذيمة والتزمه وسر بقوله وفعله وأمر فجعل له حلى من فضة وطوق فكان أول عربي ألبس طوقاً فكان يسمى عمرو ذا الطوق فبينما هو جالس على أحسن حاله إذ استطارته الجن فاستهوته فضرب له جذيمة في البلدان والآفاق زماناً لا يقدر عليه - قالوا - وأقبل رجلان أخوان يقال لهما مالك وعقيل من الشام يريدان جذيمة قد أهديا له طرفاً وأمتعة، فلما كانا ببعض الطريق نزلاً منزلاً ومعهما قينة لهما يقال لها أم عمرو فقدمت إليهما طعاماً فبيناهما يأكلان إذ أقبل فتى عريان شاحب قد تلبد شعره وطالت أظفاره وساءت حاله فجاء حتى جلس ناحية منهما فمد يده يريد الطعام فناولته القينة كراعاً فأكلها ثم مد يده إليها فقالت تعطي العبد الكراع فيطمع في الذراع فذهبت مثلاً، ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها وأوكت زقها فقال عمرو بن عدي:

صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا

وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا

فقال مالك وعقيل من أنت يا فتى فقال:

أن تنكراني أو تنكرا نسبي ... فإني أنا عمرو بن عدي

ابن تنوخية اللخمي ... وغدا ما ترياني في نمارة غير معصى فنهضا إليه فضماه وغسلا رأسه وقلما أظفاره وأخذا من شعره وألبساه مما كان معهما من الثياب وقالا ما كنا لنهدي لجذيمة هدية أنفس عنده ولا أحب إليه من ابن أخته، قد رده الله عليه بناء فخرجا به حتى دفعا إلى باب جذيمة بالحيرة فبشراه فسر بذلك سروراً شديداً وأنكره لحال ما كان فيه فقالا أبيت اللعن إن من كان في مثل حاله يتغير فأرسل به إلى أمه فمكث عندها أياماً ثم أعادته إليه فقال لقد رأيته يوم ذهب وعليه طوق فما ذهب عن عيني ولا قلبي إلى الساعة فأعادوا عليه الطوق فلما نظر إليه إليه قال شب عمرو عن الطوق فأرسلها مثلاً، وقال لمالك وعقيل حكمكما قالا حكمنا منادمتك ما بقينا وبقيت، فهما ندماناً جذيمة اللذان ضربا مثلاً في أشعار العرب.

وكان ملك العرب بأرض الجزيرة ومشارف الشأم عمرو بن ظرب العمليقي من العماليق، فجمع جذيمة جموعاً من العرب فسار إليه يريد غزاته وأقبل عمرو بن ظرب بجموعة من الشام فالتقوا فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل عمرو ابن ظرب وانفضت جموعه وانصرف جذيمة بمن معه سالمين غانمين - ثم ملكت من بعد عمرو ابنته الزباء ومان جنودها بقايا من العماليق والعاربة الأولي وقبائل فضاعة - وكان للزباء أخت يقال لها زبيبة فبنت لها قصراً حصينا على شاطئ الفرات الغربي وكانت تشتو عند أختها وتربع ببطن النجار وتصير إلى تدمر - فلما أن استجمع لها أمرها واستحكم لها ملكها أجمعت لغزو جذيمة تطلب بثار أبيها فقالت لها أختها زبيبة وكانت ذا رأي ودهاء وإرب يا زباء إنك إن عزوت جذيمة فإنما هو يوم له ما بعده أن ظفرت أصبت ثارك وإن قتلت ذهب ملكك والحرب سجال وعثراتها لا تستقال وإن كعبك لم يزال سامياً على من ناواك وساماك ولم تري بؤساً ولا غيراً ولا تدرين لمن تكون العاقبة وعلى من تكون الدائرة - فقالت لها الزباء قد أديت النصيحة وأحسنت الروية وإن الرأي السديد ما رأيت والقول ما قلت فانصرفت عما كانت أجمعت عليه من غزو جذيمة ورفضت ذلك وأتت أمرها من وجوه الختل والخدع والمكر فكتبت إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها وأن يصل بلاده ببلادها وكان فيما كتبت به: إنها لم تجد ملك النساء إلا إلى قبيح في السماع وضعف في السلطان وقلة ضبط المملكة وأنها لم تجد لملكها موضعاً ولا لنفسها كفؤاً غيرك. فأقبل إلى فاجمع ملكي إلى ملكك وصل بلادي ببلادك وتقلد أمري مع أمرك. فلما انتهى كتاب الزباء إلى جذيمة وقدم عليه رسلها استخفه ما دعته إليه ورغب فيما أطعمته فيه وجمع إليه أهل الحجي والنهي من ثقات أصحابه وهو ببقة من شاطئ الفرات فعرض عليهم ما دعته إليه الزباء واستشارهم في أمره فأجمع رأيهم على أن يسير إليها ويستولي على ملكها - وكان فيهم رجل يقال له قصير بن سعدو كان سعد تزوج أمه لجذيمة فولدت له قصيراً وكان أريباً حازماً أثيراً عند جذيمة ناصحاً فخالفهم فيما أشاروا به عليه وقال رأى فاتر وغدر حاضر فذهبت مثلاً - وقال لجذيمة أكتب إليها فإن كانت صادقة فلتقبل إليك وإلا لم تمكنها من نفسك ولم تقع في حبالها وقد وترتها وقتلت أباها فلم يوافق جزيمة ما أشار به عليه قصير فقال قصير:

إني امرؤ لا يميل العجز ترويتي ... إذا أتت دون شيء مرة الوذم

فقال جذيمة لا ولكنك امرؤ رأيك في الكن لا في الضح فذهبت مثلاً، فدعا جذيمة ابن أخته عمرو بن عدي فاستشاره فشجعه على المسير وقال إن نمارة قومي مع الزباء ولو قدروا لصاروا معك فأطاعه وعصى قصيراً فقال قصير لا يطاع لقصير أمر - واستخلف جذيمة عمرو بن عدي على ملكه وسلطانه وجعل عمرو بن عبد الجن الجري معه على خيوله وسار في وجوه أصحابه فأخذ على الفرات من الجانب الغربي فلما نزل الروضة دعا قصيراً فقال ما الرأي فقال ببقة خلفت الرأي فذهبت مثلاً واستقبلته رسل الزباء بالهدايا والألطاف فقال يا قصير كيف ترى قال خطر يسير في خطب كبير فذهبت مثلاً وستلقاك الخيول فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة وإن أخذت جنبيك وأحاطت بك من خلفك فإن القوم غادرون فاركب العصا - وكانت فرساً لجذيمة لا تجاري - فإني راكبها ومسايرك عليها فلقيته الخيول والكتائب فحالت بينه وبين العصا فركبها قصير ونظر إليه جذيمة مولياً على متنها فقال ويل أمة حزماً على ظهر العصا فذهبت مثلاً فقال يا ضل ما تجري به العصا وجرت به إلى غروب الشمس ثم نفقت وقد قطعت أرضاً بعيدة فبنى عليها برجاً يقال له برج العصا - وسار جذيمة وقد أحاطت به الخيول حتى دخل على الزباء فلما رأته تكشفت فإذا هي مضفورة الأسب فقالت يا جذيمة أدأب عروس ترى فذهبت مثلاً فقال بلغ المدى وجف الثرى وأمر غدر أرى فقالت أما وإلهي ما بنا من عدم مواس ولا قلة أواس ولكنه شيمة من أناس فذهبت مثلاً. وقالت إني أنبئت إن دماء الملوك شفاء من الكلب ثم أجلسته على نطع وأمرت بطست من ذهب فأعدته له وسقته من الخمر حتى أخذت مأخذها منه وأمرت براهشيه فقطعا وقدمت إليه الطست وقد قيل لها أن قطر من دمه شيء في غير الطست طلب بدمه. وكانت الملوك لا تقتل بضرب الأعناق إلا في قتال تكرمة للملك فلما ضعفت يداه سقطتا فقطر من دمه في غير الطست فقالت لا تضيعوا دم الملك فقال جذيمة دعوا دما ضيعه أهله فذهبت مثلاً فهلك جذيمة واستنشقت الزباء دمه فجعلته في برس قطن في ربعة لها وخرج قصير من الحي الذي هلكت العصابين أظهرهم حتى قدم على عمرو بن عدي وهو بالحيرة فقال له قصير أداء أم ثائر قال لا ثائر سائر فذهبت مثلاً وافق قصير الناس وقد اختلفوا فصارت طائعة منه مع عمرو بن عبد الجن الجرمي وجماعة منهم مع عمر بن عدي فاختلف بينهما قصير حتى اصطلحا وانقاد عمرو بن عبد الجن لعمرو بن عدي ومال إليه الناس فقال قصير لعمرو ابن عدي تهيأ واستعد ولا تطل دم خالك قال وكيف لي بها وهي أمنع من عقاب الجو (فذهبت مثلاً) وكانت الزباء سألت كاهنة لها عن أمرها وملكها فقالت أرى هلالك بسبب غلام مهين غير أمين وهو عمرو بن عدي ولن تموتي بيده ولكن حتفك بيدك ومن قبله ما يكون ذلك فحذرت عمر أو اتخذت تفقاً من مجلسها الذي كانت تدلس فيه إلى حصن لها داخل مدينتها وقالت إن فجأني أمر دخلت النفق إلى حصني ودعت رجلاً مصوراً أجود أهل بلادها تصوير أو أحسنهم عملاً لذلك فجهزته وأحسنت إليه وقالت له سرحتي تقدم على عمرو بن عدي متنكراً فتخلو بحشمة وتنضم إليهم وتخالطهم وتعلمهم ما عندك من العلم بالتصوير والثقافة له ثم أثبت عمرو بن عدي معرفة وصوره جالساً وقائماً وراكباً ومنفصلاً ومتسلحاً بهيئته ولبسته وثيابه ولونه فإذا أحكمت ذلك فأقبل إلى فانطلق المصور حتى قدم على عمرو وصنع الذي أمرته به الزباء وبلغ ما أوصته به ثم رجع إليها بعلم ما وجهته له من اصور على ما وصفت له وأرادت أن تعرف عمرو بن عدي فلا تراه على حال إلا عرفته وحذرته وعلمت علمه فقال قصير لعمرو بن عدي أجدع أنفي وأضرب ظهري ودعني وإياها فقال عمرو ما أنا بفاعل وما أنت لذلك بمستحق مني، فقال قصير خل عني إذا وخلاك ذم فذهبت مثلاً، قال ابن الكلبي كان أبو الزباء اتخذ النفق لها ولأختها وكان الحصن لأختها في داخل مدينتها، قال فقال له عمرو فأنت أبصر فجدع قصير أنفه وأثر بظهره ثم خرج كأنه هارب وأظهر أن عمراً فعل به ذلك وأنه يزعم أنه مكر بخاله جذيمة وغره من الزباء فسار قصير حتى قدم على الزباء فقيل لها أن قصيراً بالباب فأمرت به فدخل عليها فإذا أنفه قد جدع وظهره قد ضرب فقالت ما الذي أرى يا قصير فقال زعم عمرو بن عدي أني غررت خاله وزينت له السير إليك وغششته وما لأنك عليه ففعل ما ترين فأقبلت إليك وعرفت أني لا أكون مع أحد هو أثقل عليه منك فألطفته وأكرمته وأصابت عنده بعض ما أرادت من الحزم والرأي والتجربة والمعرفة بأمور الملوك فلما عرف أنها قد استرسلت إليه ووثقت به قال لها أن لي بالعراق أموالاً كثيرة وبها طرائف وتياب وعطر فابعثيني إلى العراق لأحمل مالي وأحمل إليك من بزوزها وطرائف ثيابها وصنوف ما يكون بها من الأمتعة والطيب والتجارات فتصيبين في ذلك أرباحاً عظاماً وبعض مالا غنى بالملوك عنه فإنه لا طرائف كطرائف العراق فلم يزل يزين لها ذلك حتى سرحته ودفعت معه عيراً فقالت انطلق إلى العراق فبع بها ما جهزناك به واتبع لنا من طرائف ما يكون بها من الثياب وغيرها فسار قصير بما دفعت إليه حتى قدم العراق وأتي الحيرة متنكراً فدخل على عمرو بن عدي فأخبره وقال جهزني بالبز والطرف والأمتعة لعل الله يمكن من الزباء فتصيب ثأرك وتقتل عدوك فأعطاه حاجته وجهزه بصنوف الثياب وغيرها فرجع بذلك كله إلى الزباء فعرضه عليها فأعجبها ما رأت وسرها ما أتاها به وازدادت به ثقة وإليه طمأنينة ثم جهزته بعد ذلك بأكثر مما جهزته في المرة الأولى فسار حتى قدم العراق ولقي عمرو بن عدي وحمل من عنده ما ظن أنه موافق للزباء ولم يترك جهداً ولم يدع طرفة ولا متاعاً قدر عليه إلا حمله إليها ثم عاد الثالثة في العراق فأخبر عمراً وقال اجمع لي ثقات أصحابك وجندك وهيء لهم الغرائر والمسوح - قال ابن الكلبي وقصير أول من عمل الغرائر واحمل كل رجلين على بعير في غرارتين واجعل معقد رؤوس الغرائر من باطنها فإذا دخلوا مدينة الزباء أقمتك على باب نفقتها وخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة فمن قاتلهم قتلوه وإن أقبلت الزباء تريد النلق جللتها بالسيف ففعل عمرو بن عدي وحمل الرجال في الغرائر على ما وصف له قصير ثم وجه الإبل إلى الزباء عليها الرجال وأسلحتها فلما كانوا قريباً من مدينتها تقدم قصير إليها فبشرها وأعلمها كثرة ما حمل إليها من الثياب والطرائف وسألها أن تخرج فتنظر على قطرات تلك الإبل وما عليها من الأحمال فإني جئت بما صاء وصمت فذهبت مثلاً. وقال ابن الكلبي وكان قصير يكمن النهار ويسير الليل وهو أول من كمن النهار وسار الليل - فخرجت الزباء فأبصرت الإبل تكاد قوائمها تسوخ في الأرض من ثقل أحمالها فقالت يا قصير:

ما للحمال مشيها وئيداً ... أجندلا يحملن أم حديداً

أم صرفانا بارداً شديدا

فدخلت الإبل المدينة حتى كان آخرها بعير أمر على بواب المدينة وهو نبطي بيده منخسة فنخس بها الغرائر التي تليه فأصابت خاصرة الرجل الذي فيها فند منه شيء فقال البواب بالنبطية بشتا بسقا يعني بقوله بشتا بسقا في الجوالق شر وأرعب قلباً فذهبت مثلاً فلما توسطت الإبل المدينة أنيخت ودل قصير عمراً على باب النفق قبل ذلك وأراه إياه وخرجت الرجال من الغرائر وصاحوا بأهل المدينة ووضعوا فيهم السلاح وقام عمرو بن عدي على باب النفق وأقبلت الزباء مولية مبادرة تريد النفق لتدخله وأبصرت عمراً قائماً فعرفته بالصورة التي كان صورها لها المصور فمصت خاتمها وكان فيها سم وقالت بيدي لا بيدك يا عمرو فذهبت مثلاً وتلقاها عمرو بن عدي فجللها بالسيف فقتلها وأصاب ما أصاب من أهل المدينة وانكفأ راجعاً إلى العراق.