مجلة البيان للبرقوقي/العدد 19/شذرات من فلسفة نيتشه

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 19/شذرات من فلسفة نيتشه

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 7 - 1914



لعل القراء يذكرون الفصل الذي جاء في العدد الثاني والثالث من السنة الثانية يتضمن الكلام على فلسفة نيتشه وإلا طافة بشيء من ترجمته. وبعض شذرات اقتطفت من فجره. واليوم جئنا نعاود الاقتطاف من هذه الفلسفة الحارة المتأججة. والآراء المضطرمة المستعرة. ثمرات هي وإن مجت مرارة وعلقماً وصبراً، خير من تلك الآراء الهادئة الحلوة التي يسترطها المتناول. فلا تكاد تستقر في جوفه حتى ينمي حلاوتها. وليست الآراء المريرة إلا أملاحاً تزيل من جوف متناولها عتيق آراءه. وجامد أفكاره. وهي وإن لم تصادف الرضى والقبول، لا تستحق الكره ولا تستأهل الجفوة والأعراض.

النساء ـ: كل ما في المرأة لغز. لا يطلب إلا حلاً واحداً. ذلك ما يسمونه بالحمل الرجل للمرأة واسطة. غايتها الطفل. ولكن ما مكان المرأة من الرجل؟ كل رجل صادق الرجولة حقيقيها. يروم مطلبين مختلفين. الخطر واللهو - فلذلك يطلب المرأة كأشد اللعبات خطراً.

ليدرب الرجل على القتال ويمرن. ولتعلم المرأة على أن تكون ملهاة للرجل ومنعمة فكل ما عدا ذلك سخف وحماقة وجنون.

لا يستطيب الرجل المقاتل الثمار الشديدة الحلاوة ولا يستعذ بها. فلذلك يحب المرأة. لأن أحلى النساء مذاقاً. وأعذبهن مساغاً. لا تبرح مرة المطعم.

المرأة أعلم من الرجل بالأطفال. ولكن الرجل أشد طفولة من المرأة.

إن في الرجل لطفلاً مختبئاً يريد أن يلعب فأقبلن أيتها النساء واكتشفن لي الطفل الكامن في الرجل.

إلا فلتكن المرأة لعبة للرجل نقية. صافية. دقيقة كالجوهرة. تألق بسنا فضائل عالم لم يحن بعد حينه. ولم يأن أوانه.

ليسطع في حبكن. يا جماعة النساء. أشعة هذا النجم الزاهي. دعن أملكن يقول ليتني ألد الإنسان الأعلى!.

ولتجعلن الشجاعة رفيقة حبكن. وليكن في حبكن شرفكن. فإن المرأة قل ما تفهم الشرف في غير الحب. ولكن ليكن شرفكن في أن تحبين أكثر من أن تحبين ولا تكن في الحب إلا السابقات.

ليخش الرجل المرأة إن هي حبت. فإنها إذ ذاك تضحي كل شيء. وتعد كل شيء غ تافهاً لا قيمة له ولا قدر.

وليخف الرجل المرأة إن هي أبغضت. فالرجل شرير في صميم نفسه. ودخيلة روحه. ولكن المرأة بجملتها شريرة فاجرة سافلة.

من هو أكره للآخر وأبغض؟ - إلا فاسمع ما يقول الحديد للمغناطيس أنا الذي أكره لك وأبغض. لأنك أنت الذي تجتذب. وإن كنت أضعف من أن تشدني إليك وتجر. .

إن سعادة الرجل في أن يقول أنا الذي أريد وسعادة المرأة هو الذي يريد.

إلا فانظروا. الآن أصبح العالم كاملا! كذلك تظن كل امرأة يوم تذعن بكل حبها وتستسلم.

يجب على المرأة أن تطع. بل يجب عليها أن تجد لملئها غوراً. لأن روح المرأة اديم متحرك متنقل. غشاء مظلم معتم. فوق ماء قريب الغور دانية.

ولكن روح الرجل عميقة غائرة يفيض آذيها من منابع وأجحار ومغاور ضنية تتخيل المرأة قوتها. ولكنها لا تستطيع لها فهماً.

الزواج والنسل - لي سؤال أريد أن ألقيه عليك وحدك. أريد أن ألقي بسؤالي أنا في أعماق نفسك. مسبار أاسبر به غور روحك.

أنت اليوم فتى في ميعة الشباب. وعفرة الصبا. وتريد طفلاً. وتروم زوجاً. لكني أسألك هل أنت بالرجل الحري بالزواج. الخليق بالذراري والأطفال؟.

أنت الرجل القوي المنتصر الهازم نفسه. القاهر فوق شهواته. المهيمن على عواطفه. المتغلب على فضائله - ذلك سؤالي إليك ومستفسري.

أم هو الحيوان ينفث في رغبتك. أم هي الضرورة. أم العزلة. . أم النزاع؟.

إنك ستبني فوقك وتشيد. ولكن قبل أن تبني يجب أن تبني أنت جثماناً وروحاً.

إنك ستزيد في نفسك وتنميتها وتكبرها. لا إلى الإمام فقط. ولكن إلى فوق. حيث جنة الزواج تعينك على بنياتك. وليتها تساعدك في تشييدك.

ستخلق جسماً أرفع من جثمانك وأسمى. وأشهق من بنياتك وأعلى. ستخلق طوقاً خالفاً.

وما الزواج عندي إلا رغبة الزوجين في خلق وليد هو أكبر وأسمى من خالقيهما. أما الزواج إلا الاحترام المتبادل بين الزوجين لتحقيق هذه الرغبة.

فليكن هذا معنى الزواج وحقيقته. ولكن ماذا أسمي ما يدعوه أولئك الكل زواجاً؟.

بلى أسميه أجداب الروح في الزوجين. بل اسميه قذارة الروح في الاثنين، اسميه لذة يرثي لها في البعلين.

كلهم يسمون هذا زواجاً. وكلهم يقولون إن زواجهم يقضي في السموات. ولكني أحب سماء هؤلاء الحيوانات المشتبكة في مسائل السموات.

لا تضحكوا لهذا الزواج. فأي طفل لا يحق البكاء على والديه؟.

إن في هذا الرجل لسعت خير وعنوان فضل. وإنه لناضج لمعنى الأرض. على أني ما كدت أرى زوجته حتى تبدت لي الأرض كأنها دار المتهوسين المجانين.

بلى. إني لأوثر أن تهز الأرض رجفة. أو تأخذ الأرض صيحة. إذ أرى الرجل القديس لأوزة بعلاً!.

هذا مضى يطلب الحق وينشده. فرجع آخر نجعته يحمل كذبة مزخرفة. يسميها زواجاً.

وهذا راح يطلب فتاة لها صفات الملائكة. فلم يصبح إلا وهو وصيف لامرأة. ولا يزال يريد أن يصير هو ملكاً.

كم من حماقات قصيرة تسمونها أنتم حباً. فيأتي الزواج فيرد هذه الحماقات القصيرة جنوناً واحداً مستطيلاً.

حاجة الحق إلى القوة، ليس الحق بقوة في ذاته. وإن قال لك أولئك الجدليون الثرثارون المالقون نقيض ذلك. ينبغي للحق أن يجتذب القوة إلى جانبه. وأما إن يركن هو إلى جانبها. وإلا كان نصيبه الموت والفناء. وقد شوهد صدق ذلك بما هو أكثر من الكفاية والغناء.

الصدق - كثيرون من الناس صادقون، ليس لأنهم يخجلون من إظهار عواطف النفاق والافتراء وإنما لأنهم لا يستطيعون أن ينجحوا في تحريض غيرهم على التصديق بفاقهم ولما كانوا قليلي الثقة بمقدرتهم التمثيلية آثروا سهولة تمثيل الصدق.