مجلة البيان للبرقوقي/العدد 24/عالم الأدب

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 24/عالم الأدب

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 1 - 1915



شاعر يتمرد

هذه قصيدة متمردة صارخة باكية، أرسلها الشاعر لامارتين، قلب الدنيا وصوت الطبيعة، في ساعة حزن قاتل، ويأس ثائر، وعاصفة إحساسية شديدة، هي ضمير رجل متمرد ساخط ضاقت نفسه من شرور العالم وآلامه، وأظلمت صفحة روحه أثر عارض من عوارض الهم، ونكبة من نكبات الإحساس، حتى حسب الأرض والسماء وعناصر الكون في مناحة مثله. تئن أنينه وتنتحب.

أيتها القوة الإلهية، هذا هو الشر قد ساد في مملكتك، هذا هو السوء صعد ذروة دولتك، خلق كل ذي فكر، وكل ذي نفس، لأن يلتهمه الألم. ويظفر به العذاب، بل إن الأرض والسماء، والروح والمادة، كل يتألم ويتنهد، هذا صوت الطبيعة لا يخرج إلا نفساً صاعداً متراجعاً مستطيلاً، إذن فأرفعوا أبصاركم إلى اقطار السماء، ودوروا بأعينكم في آفاق الزرقاء، والتمسوا الله في صنعه، واستصرخوا من آلامكم وأوجاعكم ذلك المعزي العظيم.

بأي اسم نسميك، أيتها القوة الأبدية، وبأي لقب نلقبك، أنت التي نسميك القدر والطبيعة والعناية والقانون البعيد عن متناول الذهن، العظيم على ملمس العقل، أنت التي ترتجف في يدك، ونرتعد في قبضتك، أنت التي ننشق عليك ونتمرد، مخافك خاضعين وتائرين، ونحبك راضين وغير راضين. أنت أبداً أمامنا. وأنت أبداً أنت!.

أية جريمة ارتكبنا حتى استحقنا الحياة. واستوجبنا الوجود. هل طلب العدم الظهور، أم هل رضي بالخروج، إذن فابعثوا صوب السماء ببخورها الذي تحب وانفذوا إلى عرش الله العطر الذي يستطيب، بتنهداتكم، وعولاتكم، وأناتكم وعبراتكم، وسخطاتكم، والحاداتكم، وأنت أيتها الأصوات المهتدجة المحتبسة الدامية، وأنت أصوات الموتى، وأجراس الهلكى، وصرخات المرضى، ورنات الثكلى، أصعدي فأطرقي تلك الأبواب المقفلة، ودقي منافذ قصر الأقدار، ومغاليق مداخل العزيز الجبار.

ألا فارفعي أيتها الأرض صراخك، وأنت يا سماء رددي، ويا أيتها الهاويات الدامسة، أيها الإقليم الأسود المظلم، حيث يركم الموت فرائه، لا تخرجي من أعماقك إلا أنه واحدة، شكاة أبدية، تكون شهيداً على تهمة الطبيعة، وظلم الأقدار، بل إن الحزن ليجعل الخليقة تبث الطبيعة صوتاً منتحباً مجهشاً.

انظروا، هذه هي المادة قد استكانت لشرور الخليقة ومفاسدها، وذلت لفوضى السيئة وتمردها، والهفاه، إن البدن يتلوى ويتعذب، واحسرتاه، إن الحياة غير من العدم.

إن العناصر لتتقاتل في جوف الدنيا وتتحارب، إنها لتتطاحن في أحشاء الكون وتتضارب، وإن الزمن ليذبل وردة الحياة، ويذبل غلائل الخليقة، متربعاً فوق الأطلال التي ركمها، متهادياً بين الرسوم العافية التي كدسها، واقفاً على رأس الكائنات المتحولة يريد ابتلاعها، مقيماً على مرصد من الأحياء يرتقب التهامها، وهذا أخوه الموت يختطف أصول الإنسانية من حجور الأمهات، ويخنق الجذور البشرية في أحضان الوالدات.

لقد استنامت الفضيلة للقحة، وسادت الخسة على الشرف، وطرد الصدق، ونفي الحق، وراحت الحرية هائمة، تعرض قرباناً لآلهة العالم، وأرباب الإنسانية، ومضت القوة الظالمة الجائرة، تسحب الأذيال متملكة، سادلة الثوب متسيطرة، ووقع الثراء لأهل الجرائم، وأصبحت كبائر الإثم حلالاً وشرعاً، وورث الآباء جريرة الأبناء؟ وقص الجيل المخف الذاهب همومه وآلامه للجيل المقبل القادم.

أيتها القوة الإلهية، رويدك رويدك. . . حسبك هذه العذابات والمثلات، كفاك هذه الأدعية والابتهالات، هذه الضحايا والفريسات، وأنت أيتها الشمس، الشهيد القديم على شقاء الأرض، هلا ولدت يوماً واحداً، لا يشعل أوجاع الموجعين، ولا يوقدهم المكروبين المحزونين.

أي وراث الأحزان، وحملة الأشجان، وفرائس الحياة، لن تبرحوا على الهم غادين ورائحين، حتى يقبل الموت، فاتحاً أبواب معبده، قاذفاً في جوف الأبد الساكن حزن الأبد!.