مجلة البيان للبرقوقي/العدد 32/مذكرات شبلي شميل

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 32/مذكرات شبلي شميل

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 2 - 1917



ومن المقالات التي لي ونشرت في جريدة مصر الفتاة مقالة نقدت فيها قانون المطبوعات وهو القانون المعمول به اليوم والذي وضعت مواده حوال سنة 1880 ولكن لم يعمل به في ذلك الحين، ومضمونها أن الآلات التي يخترعها الإنسان ليست إلا أعضاء متممة لأعضائه الطبيعية فلا يجوز أن يسن لها قانون غير القانون المسنون لنفس هذه الأعضاء وهو القانون العام. فإذا كنا نستطيع أن نسعى بأرجلنا إلى الشر وأن نعمله بأيدينا فهل تقيد أرجلنا وأيدينا بالقيود قبل العمل. فالذي يطلق على الأعضاء الطبيعية يجب أن يشمل الأعضاء الإضافية والطباعة من هذه الأعضاء فيجب أن تترك لها الحرية كما تترك لليدين والرجلين حتى إذا جنت أخذت بجنايتها.

وكأنه بلغني أن واضع بنود هذا القانون رجل فرنسوي طريد الحرية في بلاده أو طريد أكثر منها يدعى بورلي هذه المنشورة في مصر الفتاة وقد أرسلت إليه نسخة منها. ثم ختمت كتابي بقولي: ـ

إني لأعجب كيف أن رجلاً نظيرك طريد الحرية يقبل أن يضع بنود مثل هذا القانون. ولكن يظهر أن لسماء مصر تأثيراً خاصاً على العقول. ولم أزد على ذلك.

والظاهر أن صاحبنا وهو في أبان نفةذه في قلم قضايا الحكومة في ذلك الحين يوم مسألة مقاطف جبل الزيت وظهور العملة (المزيفة التي أثري بها ناس تحني لهم الرؤوس اليوم وترفع لهم القبعات) لم يألف عندنا مثل ذلك فكبر عليه أن يخاطب بمثل هذه اللهجة من رجل مجهول وهو في هذا المقام من النفوذ فهاج وماج وتوعد وأخذ يسأل من أكون أنا كما بلغني بعد حين من الموظفين في مصلحته وبعضهم وهو نجيب عنحورى لا يزال حياً يسعى حتى اليوم. والظاهر أنه حاسب نفسه بعد ذلك فعرفأن الحق أغلب وأن صاحب هذا القول لا يخشى تهويلاً فصمت وانفض هذا الإشكال ولكن من دون رد على خطابي كما كان يفعل أكابر القوم في بلاده وكأنه جرى في ذلك مجرى أكابرنا في بلادنا لأن كل شيء يعدي والقبيح عدواه أسرع من عدوى الحسن.

ومذكراتي هذه خدمتني كثيراً في مجلة الشفاء بعد ذلك وقد فقدت مني اليوم ولم يبق في ذاكرتي منها إلا أهم حوادثها ولم أحفظ من أسماء الأطباء إلا الذين لازمتهم كثيراً ووقعت لي معهم حوادث تحفظ ولاسيما أن ذاكرتي في الأسماء والتاريخ في غاية الضعف ولكنه قوية جداً في الحوادث نفسها وذلك يدل على ما بي في كل أموري من الميل الخاص المنطبع في من أصل فطرتي من النظر إلى الجوهر والإعراض عن الأعراض.

وقد رافقني هذا الضعف في كل أعمالي العملية والدنيوية حتى كنت أشعر به عندما كنت أريد أن أبسط مسألة جوهرية علمية أو أدبية تلزمني فيها المصاحبات المحسنة والمؤيدة مما هو ضروري في كل كتابة. وكان شره الأكبر علي في أشغالي المالية ذهبت كلها طعمة سائغة لقلة تدبيري وعد احتياطي وكثرة تسليمي واعتمادي فيها كثيراً على سواي ولقد كان لهذا الإضطراب في أموري الدنيوية صدى وأي صدى على سائر حياتي العلمية والفكرية بعد ذلك ونزع مني كل لذة كنت أشعر بها وأنا منصب عليها كل الإنصباب بجملتي قبل هذا التاريخ.