مجلة البيان للبرقوقي/العدد 34/حديقة أبيقور

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 34/حديقة أبيقور

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 3 - 1917



أبيقور فيلسوف يوناني قديم، مات عام270 قبل مولد المسيح، وكانت فلسفته تدور حول اللذة، وأنها أكبر غرض في الحياة، وأن إشباع الشهوات يجب أن يكون أول مقاصد الناس، وأن الحياة حلم وأنها وهم الأوهام، وقد كان يسكن أبيقور هو وتلاميذه وأشياعه في حديقة ناضرة، وحائط بديع الأزهار، وقد ابتاعه هو بنفسه، وانطلق يزرعه ويفلحه ويحرثه بيده وجهده، ويقوم على تعليم تلاميذه الحكمة، وتدريس الفلسفة.

وقد استعار كاتب عصري من أكبر كتاب الجيل الحديث وأديب من أقدر أدباء فرنسا، ونعني به أناتول فرانس، العضو بالأكاديمية، هذا الإسم حديقة أبيقور عنواناً لكتاب ممتع من كتبه، وضع فيه طائفة من خواطره السامية، وحشد فيه جماعة من آرائه ومبادئه، وألقى فيه زروعاً فارغة من الأفكار الجميلة وأفناناً من الفلسفات البديعة.

ونحن نختار للقراء شيئاً من هذا الكتاب.

فضيلة الشر

لا بد من وجود الشر في العالم، ولا غناء للأرض عنه، وإذا لم يوجد الشر، لم يوجد الخير، والشر هو السبب الوحيد الذي يحث الناس على الخير، وليت شعري ماذا تكون الشجاعة إذا لم يوجد الخطر، وما الرحمة إذا لم يكن ثمت حزن ماذا تصبح التضحية، ويحدث للإيثار وإنكار الذات إذا كان العالم في سعادة عامة وشاملة، وهل تستطيعون أيها الناس أن تتصوروا فضيلة ولا شر بجانبها، وحباً ولا بغض إزاءه، وجمالاً ولا قبح.

حمداً للشر والعذاب والآلام والهموم، لأنها جعلت المقام في الأرض ممكناً محتملاً، وتركت الحياة تستحق أن تعاش، ثم ألا يجب علينا أن نشكر للشيطان شيطانيته، لأنه فني من أكبر أهل الفنون، وحكيم من أبلغ الحكماء ولأنه هو الذي صنع نصف العالم وهذا النصف لا يزال مندمجاً في النصف الآخر بحيث يستحيل عليك أن تحطم الأول دون أن تسئ إلى الثاني، وكل رذيلة تقتلها تجد أمامها فضيلة قتلت معها.

إننا عندما نقول أن الحياة طيبة، وعندما نقول أن الحياة رديئة، إنما ننطق بكلمات لا معنى لها، إذ يجب أن تقول أن الحياة طيبة ورديئة في آنٍ واحد، لأننا منها وحدها وبفضلها استطعنا أن نستمد فكرة الطيب والرديء، والحقيقة أن الحياة جميلة ومخيفة وفاتنة ومريع وعذبة ومريرة وأنها كل شيء، وهي في ذلك أشبه بالثوب الكثير الرقع، المختلف الألوان، الذي يلبسه البهلوان المهرج، فمنا من يرى من الحياة الجزء الأحمر، ومنا من يرى الجزء الأزرق وهم جميعاً يرون الحياة كما هي، لأنها حمراء وزرقاء وجميع الألوان الأخرى، وقد كان هذا أدعى لنا إلى أن نتفق ونتهاون ونعيش على الوئام ونرضى بحظوظنا وأقدارنا، ولكنا قد فطرنا على أن نريد أن نكره غيرنا على أن يفكر فكرنا ويحس إحساسنا ولا نسمح لجارنا بأن يكون فرحاً مسروراً عندما نكون نحن متألمين محزونين.

عناد الشيخوخة

الشيوخ يصرون دائماً على رأيهم، ويستبدون بفكرتهم، ولهذا قد اعتاد سكان جزر فيجي أن يذبحوا آباءهم عندما يصيرون شيوخاً، وبذلك يمهدون سبيل التطور ويسهلون طريق الإرتقاء. وأما نحن فنؤخر أنفسنا بأن نلقي جميع مقاليد أمرنا في أيدي الشيوخ!

غرض الأدب

ليست الحقيقة مقصد الفنون، ونحن يجب أن نطلب الحقيقة من العلوم، لأنها غرضها الأول، ولكن لا يجب أن نطلبها من الأدب، إذ لا غرض للأدب غير الجمال.