مجلة البيان للبرقوقي/العدد 35/في شؤوننا المصرية

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 35/في شؤوننا المصرية

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 4 - 1917



الأكذوبة الكبرى

المتاجرة بدعوى الإصلاح الديني

ليس هناك أوقح ممن يفتري على الموتى. ويكذب على المضطجعين في مراقد الآخرة. لأنه يعلم أن الموتى لا يستطيعون كلاماً. ولا يصدرون دفاعاً. وإن الحجة صامتة. والفرصة سانحة. وأغرب ما في فريتهم أن تكون مقصداً من مقاصد التجارة وضرباً من ضروب الربح والإثراء. وأشد من ذلك أن تكون هذه الأكذوبة التجارية في سبيل من الدين والإصلاح وأن تروج عند بعض الناس. وتجد القبول عند طائفة من الجمهور. ولعل ذلك لأنها تجري على طريقة الأوكازيونات والفرص العظيمة والإعلانات الكبيرة والضوضاء العالية. مثل أستين وشيكوريل وتيرنج وإخوان شملا وهلما جر. وإن صاحب هذه الفرية أصبح من المتمولين وله أطيان وعقارات في هذا البلد. ولذلك يريد أن ينازع المصريين في التلقب باسمهم. أي - بوضع اليد - أو بموجب الأوراد التي في يده عن الخراج الذي يدفعه للحكومة. كأن كل بربري أو سيامي أو مالطي يشتري له في مصر قطعة من أرضها. يشتري معها جميع حقوق أبنائها. أصبح اسمه في دفاتر حساب البنوك والمصارف وكان من قبل في أول صفحة من صفحات كتاب الفقر!.

ولكن إذا كان الموتى لا يتكلمون. فإن في الأحياء من يستطيعون كلاماً عنهم. ودحض أكاذيب اللذين يعيشون الآن على حسهم وإذا كان العالم المبجل. والفيلسوف النادرة في هذا العصر المادي المخيف. والكاتب المخلد الذي أعجز الأولين والآخرين السيد محمد رشيد رضا قد لزق نفسه بالإمام الأستاذ الشيخ محمد عبده لزقاً وادعى أنه هو الذي خرجه وأعطاه الشهادة وإنه كتب له وصية وقف له فيها الحق في اسم المصلح الديني وإن المرحوم الإمام ذهب عن الدنيا. وعلى وجهه ظل ابتسامة حلوة لأنه قضى مطمئناً على تفسيره للقرآن واثقاً من أن العم رضا تربيته سيأخذ في التفسير ويواصل الشرح على النحو الذي نحا، والسنن الذي استن فنحن نقول له ولمن يجهلونه - غير قاصدين إلى تحقيره عند بني وطنه لأن السكتة بيننا وبينهم مقطوعة - إن هذا التفسير الرشيدي إنما هو على الطريقة الجربية وإنه من أكبر الفضيحة لهذا العصر المهذب أن يفسر القرآن الك بذهنية لا تفترق عن أذهان الأطفال والتلاميذ. وبأسلوب متهدم مريض يحمل جميع أعراض الهستريا أو التشنج العصبي. ولا يكاد يرتفع عن لغة المحضرين وكتبة العرائض ومترجمي إعلانات السينماتوغرافات. وإن روح الأستاذ الإمام لتخجل الآن أن ينسب إليها مجموعة من أبدع مجموعات السخف والركاكة واللغو وإنها أكبر إهانة لرجلٍ نقي الصفحة. جبار الذهن. عميق التفكير. مخلص النية. خرج من الدنيا فقيراً. شأن المصلحين والعظماء. ولكن لم يلبث المدعي التلمذة عليه أن أصبح بنكيرا ومن وراء الإصلاح الديني الذي يزعم أنه قائده الفرد. ووليه الأوحد كأن للإصلاح الديني أسهماً وسندات كالبنك العقاري اشترى السيد رشيد رضا منها ثلاثة أرباعها، وترك الربع في السوق لعلماء الأزهر. على حين أن في علماء الأزهر الشريف سادة أجلاء ومصلحين كبار الأذهان. يكاد يكون رشيد رضا إزاءهم بكل مجلدات مجلته في الصف الأول من الأميين.

وجملة القول ليس لنا إلا أن نقول كما قال الفيلسوف نيتشه هو المنار الأعلى لإقيانوس الكلام الفارغ!!. . كاتب

البيان كتب هذه الكلمة التمهيدية أحد كبار الكتاب بمناسبة تلك الضجة الكبرى التي أحدثها ذلك الشيخ زيادة في الإعلان عن نفسه - كتبها على الهامش تمهيداً لسلسلة كلمات يأتي فيها على منزلة هذا الرجل الحقيقة وسائر أعماله وما خفى من شؤونه والموعد قريب.