مجلة البيان للبرقوقي/العدد 38/متفرقات

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 38/متفرقات

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 1 - 1918



أسرار الدول

كيف تصل إلى السفراء

من أكبر الصعوبات التي تزاولها الدول في هذه الحرب، الطريقة التي تتبعها في الاحتفاظ بأسرار سياستها الخارجية، إذ لا تجد سراً من أسرار الحكومة يدون عند بدئه في ورق أو يستنزل من القلوب إلى الأقلام، اللهم إلا في الظروف النادرة عندما يراد عرضها على الندوات التشريعية ورفعها إلى الملك، حتى إذا أقر ديوان الحرب على أمر هام من أمور السياسة الخارجية المزمع عرضه على إحدى الدول المحايدة، فكرت السلطة في كيفية إيصاله إلى سفيرها في تلك المملكة، وإذ ذاك يدون السر في الورق ولكنه يكتب على طريقة من طرق الرمز متبادلة بين الحكومة وذلك السفير، والموظفون الذين يقدمون لعمل تلك الرموز هم عمال أمناء لدى الحكومة موثوق بهم وكثيراً ما يتناولون خمسمائة جنيه أو سبعمائة عن الطريقة الواحدة التي يخترعونها.

فإذا تم كل ذلك وأعد السر لإرساله دفع إلى ساع من السعاة الذين يطلق عليهم سعاة الملك وهو يحمل جعبة لها قفل سري، ولهذا القفل مفتاحان فقط، أحدهما لدى وزارة الحرب، والآخر لدى السفير، وعليه أن يفتح الجعبة بنفسه أو يدفع ذلك إلى كاتم أسراره، عند وصول الرسول إليه.

وأنت ترى أن السفر من إنجلترا إلى الممالك المحايدة من المشقة والخطورة بمكان في هذه الحرب، لأن الرسول يظل على أعين الجواسيس ومرتقبهم وعلى الرغم من أن الساعي أو الرسول يسافر في خفية وهو شاكي السلاح مدجج، قد لا يزال في خطر من شرهم وهو أبدا يجلس في قطار السكة الحديدية في بهو خاص به، وعليه أن يضحي حياته ويبذل نفسه قبل أن يكره على النزول عن السر الذي في جعبته وتقديراً لعمله يتقاضى مرتباً قدره أربعمائة جنيه في العام وبدل سفرية قدره جنيه في اليوم، وقبل أن ينتخب لهذه الوظيفة الخطيرة، يجب أن يندبه لها موظف من كبار موظفي الحكومة يأخذ على كاهله المسؤولية عنه ويضمن للحكومة أمانته والوثوق به.

فإذا وصل الرسول إلى السفير يحمل سراً فليس أحد سوى السفير أو كاتم أسراره يستطيع أن يأخذ الجعبة من الرسول، وفي كل سفارة حجرة حديدية يخثزز فيها المعتمد رسائل الأسرار الخطيرة، ولا يحتفظ أحد بفاتيحها غيره ولا يسمح لأحد بدخولها سواه، ويبقى حولها الحراس ليلاً، حفاظاً عليهم أمناء، ولهم أن يطلقوا الرصاص على أي مهاجم، ولهذا ترى الدول الغربية ما عدا بريطانيا وإيطاليا لا تأذن لأي عضو من أعضاء سفاراتها الخارجية أن يتزوج بأي امرأة من نساء المملكة التي يخدمون بها.