مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/الصحافة عندنا

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 41/الصحافة عندنا

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 4 - 1918



لحضرة صاحب الفضيلة العالم الأديب الشيخ مصطفى عبد الرزاق

كرتير المعاهد الريفية

كان الغريب إذا حل بلداً فأراد أن يلم بجمال أهله زار المعابد وغشى الملاهي ليرى أثر العقائد الدينية وهو أكبر مظاهر الجد ويرى ذوق القوم في اللهو واللهو من جوانب الحياة أيضاً وما برحت المعاهد والملاهي موضع استكشاف لمن يحاول أن يتعرف حال الجماعات عن كثب في عقولها وأخلاقها وأذواقها ويتتبع تطوراتها ويوازن بين جهاتها.

ولكن العصور الحديثة أوجدت مرآة جديدة لتبين ما عليه الجماعة في مدنيتها، تلك هي الصحافة التي تصور منازع الناس في أخلاقهم وأفكارهم وحركات تقدمهم وانحطاطهم وتفصح كل إفصاح عن مذاهبهم في الجد وذوقهم في اللعب.

وقد لا تكون صحافتنا خارجة كلها من أعماق قوميتنا بيد أنها مثل لما نحن عليه في حياتنا الاجتماعية وفيها مظاهر أخلاقنا.

تنشر الصحافة كما يدل عليه الاستقراء نشرات تدون أخبار الوقائع المتفرقة التي يجمعها المؤرخون عادة في مؤلفاتهم وذلك عهد السذاجة التي يكون فيها دعوة الإصلاح خافتة وحركة الأفكار ضعيفة فلا تتجه الأذهان إلا للحوادث الجزئية من غير تحليل فيها ولا تركيب ولا استنتاج ثم تشتد دعوة الإصلاح الاجتماعي وتقوى فتؤسس الأحزاب السياسية والجماعات الإصلاحية وتحتاج في تأييد دعوتها إلى لسان ناطق هو لسان الجرائد وتنمو الحركة الفكرية وتنهض حجتها وتقتضي بياناً يجليها ويدفع شبه خصومها هنالك تخرج الصحافة من طور الطفولة إلى طور جديد تصير به لسان حزب ذي مبادئ يريد أن تسود في الناس لأنها عنده أساس الخير للجماعة أو تصير مجلات تحمل إلى العقل البشري ثمرات جديدة في العلم.

وقد تجاوزنا من غير شك عهد السذاجة الصحافية وعرفت بلادنا جرائد الأحزاب وعرفت المجلات العلمية.

ولئن كانت جرائدنا الحزبية اعتبطت كلها بأسباب يرجع بعضها إلى عيب في القيام بتدبير شؤونها، فإن مجلاتنا أيضاً لا تزال تنازع الحياة نزاعاً.

ليس الوقت مناسباً للتفكير في أمر ما مضي من جرائدنا وأن كنا من أمره في حسرة وألم ولكن في مقدورنا أن نطب لداء مجلاتنا رجاء أن تحيا حياة طيبة ولها في ظل العلم حرية لا ينالها ضيم.

يشكو أصحاب المجلات من قلة إقبال القارئين عليها ومطالهم في أداء حقوقها ومن الإنصاف أن نعترف بعدل هذه الشكاية.

ونرجو أن يحمل حب العلم قومنا على الاطلاع فإن من أدوائنا المستعصية أننا نقرأ قليلاً كما نرجو أن يكبر في النفوس خطر المروءة فلا يجرح المرء مروءته وهو ذو شرف وذو سعة من أجل دريهمات يؤدي بها ديناً لامرئ شريف النزعة باعه بها ليالي ساهرة وحشاشة نفس مجهودة.

على أنه يجدر بأصحاب المجلات أن لا ينسوا أنهم وضعوا أنفسهم في مقام الإدلاء لطلاب العلم ورواد البحث فعليهم أن يكونوا نصحاء أمناء أوفياء للعلم يعطونه قسطه من أنفسهم، نطالبهم بأن يؤدوا الموضوعات حقها فيبرزوها ناضجة محصها فضل الروية والبحث وأن يفسحوا صدورهم لآراء المخالفين ومناقشاتهم، نطالبهم بأن يخدموا تقدم العقول وحريتها وأن يحببوا العلم للناس ما استطاعوا بحسن اختيارهم وحسن بيانهم وحسن تصرفهم في نظام البحث ومناهجه.

والأمل معقود بالمجلات الشابة التي تقوم على إخلاص من أصحابها وعزيمة صادقة أن تحقق ما نرجو لمجلاتنا المصرية من الترقي وإنا لنرقب نهضتها ترقب الساري طلعة الهلال، ونحيي كل خطوة من خطواتها في سبيل الكمال.