مجلة البيان للبرقوقي/العدد 43/مجموع المتون

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 43/مجموع المتون

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 9 - 1918



للعمرية والبكرية والعلويتين

لما نظم سعادة حافظ بك ابراهيم متن العمرية تكلفنا أن نكتب لقرائنا كلمة عن هذا المتن الذي جاء بدعاً في نظم المتون، وما كنا علم الله نظن يومئذ أن لهذا المتن ذيولاً وحواشي، وأنه سيحدث في الأدب إحداثاً تفتق في جوانبه، وتطفئ من كواكبه، حتى جاء عبد الحليم أفندي المصري ببكريته وجاء العرب بعلويته والشيخ القصري بما لا نعرف كيف يسمى، أعلوية، أم سفلية. . .

رأينا قراءة متن العمرية تميت النشاط وتخمل الرغبة في الأدب فلا ندري كيف انبعث القوم لتقليده كأنه لا ذوق لهم في الشعر ولا بصر لهم بفنونه وصناعته، ولو عرفوا لعرفوا أن الأحق بالشاعر الفحل أن يصلح غلطة حافظ ويكفر عن سيئته ويستن للأدب غير سنته فيقرض عمرية جديدة يدور لها الفلك وينقض تلك البنية الخربة المتهدمة ويرفع في مكانها صرحاً من الشعر العربي المتين يتراءى فيه الذوق والفن والقريحة أحسن ما تكون ثلاثتها في أثر من آثار البيان.

انحدرت بكرية المصري كما انحدرت عمرية حافظ بين الرايات والمقاعد وكان لكلتيهما حفل ومنبر ولكل من الرجلين قوم يعضدونه وينهضون بأمره ويدعون إليه ويلقون من شهرتهم على قصيدته فما كدنا نفهم من هذه الظاهرة الاجتماعية شيئاً لأن القصيدتين سواء حذوك مثلاً بمثل إلا أن في البكرية عامية وتهافتاً وهنات أخرى تسقط بها دون العمرية، ثم أرسل العرب علويته بلا طبل ولا زمر فكانت هذه فضيلة فيه لأنه أخلص النية ولم يحاول أن يسترهب الناس ويسحر على أعينهم بالأسماء والألقاب وقد نظم كما نظم صاحباه وتمت لنا ثلاثة متون.

ونحن فلا نشك في أن حافظاً والمصري والعرب يعدون من شعراء البلد والبلد متخلف في أشياء كثيرة فلعل لهم عذراً ونحن نلوم، ولعله ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولعل نسق الشعر الذي نتخيله في مثل هذه السير التاريخية الكبرى مما يفوت طوقهم ولا يمكن أن يواتيهم بحال من الأحوال لقصور علمهم بوجوه الكلام وسياسته وقلة بضاعتهم من الأدب ولضعف ملكة التمييز في أكثر قومنا وانصراف كبرائنا عن الأدب وفنونه حتى ليس فيه متوسم به ولا محقق فيه ولا من يقام لرأيه في تلك الصناعة وزن.

ولا أدل على ما نحن فيه من قاصمة الظهر وغصة الحلق وهذه القصيدة التي سموها علوية القصري والتي يقول في مطلعها:

عبرت بالعبرة المجراة لا الكلم ... عن حال قلب سليمٍ بالهوى كلم

له عليه من الحكم المنفذ ما ... للعاصفات على الخيزور والسلم

يسيل سيل سحاب الدمع منك على ... وادي الخدود وقلب القلب في ضرم

فهذا الشعر الذي لا يسك سمع أديب حتى يتخيل من ألفاظه ونسقه أن جداراً ينقض على رأسه حجراً حجراً ولا يكاد يأتي على آخره حتى يمثل له أنه يسمع معاول رجال التنظيم ينبشون عنه تحت الردم. . . هو الذي نصب له فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية نفسه فنوه باسم ناظمه ودعا العلماء والكبراء والأدباء إلى الاحتفال به وسماع قصيدته فذهبوا وسمعوا ورجع بعضهم كالمغشى عليه من الموت.

لا تعنينا هذه المتون ولا شعراؤها فهي هي وهم هم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها؟ ولكن ما بال هؤلاء الكبراء عفا الله عنهم لا يميزون الخبيث من الطيب؟ وما لهم يحدثون في الأمة هذه الأحداث ويشهرون ببعض أدبائها تشهيراً وكانوا في ستر وعافية من الله وهم لا يجهلون أن صنيعهم هذا مما تفسد به أذواق الناشئين في الأدب وتخبث عليه نفوسهم وتضعف منه قرائحهم، وأنه يبعث على الغرور ويزينه للناس ويخلط في ألوان الأخلاق، وجملة القول أنه يجني على الأدب والأخلاق معاً.

إنهم إن يكونوا يعرفون ذلك ويأتونه فتلك مصيبة وإلا فالمصيبة أعظم، والحق فيما نرى أن كبراء الأمة لا يبالون بالأمة من هذه الجهة وإنهم لا يزالون على أثر من العهد القديم الذي جعل احترام بعض الطبقات ديناً وأمرهم شرعاً وسن لهم من مذاهب الاجتماع حلالاً وحراماً وأوجب على الضعفاء حق المنصب والجاه، وكأنهم أيضاً لا يبالون بما حولهم من عيون تبصر وآذان تسمع وقلوب تشعر وأفهام تعي وأذهان تنتقد، وكأنه لا حكم عليهم لأحد مع أنهم في عهد جعل لكل الأمم على كبرائها ما للعاصفات على الخيروز والسلم. . . كما يقول شاعرهم القصري.

ربنا إن أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.