مجلة البيان للبرقوقي/العدد 44/تفاريق

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 44/تفاريق

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 10 - 1918



القناع العجيب

يلوح لنا أن العلم يجري اليوم أشواطاً بعيدة في تخفيف ويلات الإنسانية وتهذيب الدنيا وتطهير العالم من علله ومساوئه وآلامه ولا ريب في أن العلم لا يلبث قليلاً حتى يبتكر لكل علة أشفية، ويخلق لكل مرض علاجاً، ومن أعجب عجائب المبتكرات التي وصل إليها العلم في هذه الأيام هي القناع العجيب الذي يعين الأعمى على رؤية المحسوسات ويمحو ذلك الظلام الدامس الذي يحجب نور الدنيا عن تلك العيون الغائرة المغلقة.

وهذا المبتكر ابتدعه رجل من أهل بولونيا يدعى كان، وهو جندي من الذين جاهدوا في فرنسا وانتظموا في صفوف جيوشها، ولئن كان حد هذا الابتكار لا يزال اليوم قصيراً ولم تنتج الفائدة الكبرى منه، فلا تزال آمال العلماء كباراً في إمكان تعميمه، والظفر بالنتائج الحسنة منه.

وهذا القناع يلبسه الأعمى، فيعم جميع وجهه، وهو متعلق بأداة كهربائية تشتمل على عدسات مخروطية الشكل وحجرة صغيرة لتشعع النور وإذا تقنع به الأعمى استطاع أن يميز جميع الألوان والأشباح والمحسوسات.

وقد جرب هذا الاقتراح التجربة الأولى فاستطاع أحد العميان أن يدرك به الفرق بين أصبعين وثلاثة أصابع رفعت أمام عينيه ليدل على عددها، وتمكن بهذا القناع العجيب من أن يبصر قطعاً متجاورات وغير متجاورات من أمتعة الحجرة وأثاثها، ويرى الفروق في ألوانها وأحجامها.

فإذا تحقق هذا المخترع وعم الدنيا، فلن يعود في الدنيا بعدئذٍ قوم يمسكون بأيدي قوم، ليدلوهم على جادة الطريق، ولا يعتز جمع على جمع بأنهم يرون الشمس في أبهى حلالها، ومشرقة أشعتها، ويشهدون الطبيعة في مظاهر جلالها وفرحها وعبوسها وكدرها، والآخرون لا يحسون ذلك إلا في أفواه الذين يحدثونهم عنها الأحاديث، ويقرأون لهم الأشعار والكتب والأسفار.

الاستصباح بلحوم العجول

منذ أشهر طويلة كان الناس في هذا البلد يضجون ويفزعون، ويصيحون خشية ورعباً، من أن يعز عليهم وسائل الاستصباح ومواد الإضاءة والاستنارة فيبيتون في ظلام حالك، وتنحدر البلاد في هوة سحيقة من الأعتام، والبلاء الذي يختفي وراء أستار الظلام، وكان القوم يقتصدون في الغاز، ويستحثون بعضهم البعض على استخدام الحكمة والروية والحزم والتدبير في إنارة مصابيحهم، واستهلاك المواد المختزنة لديهم، ولكن ظهور وسيلة أخرى في هذه الأيام تزيد مواد الاستصباح مادة، والاهتداء إلى طريقة طريفة للإنارة والإضاءة، نبأ عجيب، وحادث طلي جديد.

وذلك أن العالم موليش - وهو من كبار علماء النمسا - وسادات الاختراع فيها - قد أكد في بعض ما أخرج من أبحاثه الأخيرة أن في الإمكان القراءة على نور قطعة من لحم العجول أو الضان أو قطعة من البفتيك أو لحم الخنزير ولكن لم يقل ذلك العالم شيئاً عن المقدار الواجب الذي يستطيع الإنسان به أن يحدث ضوءاً كافياً يهتك حجب الظلام، وعجيب أن يستطيع الإنسان أن يجلس إلى قطعة من اللحم فيستضيء بها، ويقرأ كتبه الممتعة وأسفاره المحبوبة على نورها، ثم يعود فيأكلها كلها ويتعشى بها.

على أن الحقيقة المقررة هو أن جميع اللحمان تحتوي ميكروبات تحدث نوراً وتخرج ضوءاً، ويقول أن السجق أي اللحم المحتوي على التوابل يزيد في ذلك الضوء، ويخرج نوراً باهراً ويعين الميكروبات التي في اللحم على أن تضطرم فيكون منها نار كافية للجلوس إلى مكتبك وقراءة كتبك ودروسك وأبحاثك.

فمتى يحقق هذا المبتكر، حتى يكون القصابون في الدنيا مشاعلية كذلك!.