مجلة البيان للبرقوقي/العدد 44/خواطر الطفولة
مجلة البيان للبرقوقي/العدد 44/خواطر الطفولة
هذا مقال فلسفي فكه، بديع المنحى، رائع المغزى، وضعه في هذه الأيام الأخيرة رجل من أكبر كتاب الدنيا في الروايات وفي الصفوف الأولى من العلماء المحدثين، وأدباء انجلترا العصريين، وهو السير كونان دويل، ولا يذهبن القارئ إذ يقرأ هذه الأسطر إلى أنه سيقرأ رواية جديدة عن شرلوك هولمز وهو ذلك الضرب من الروايات الشرطية، والأقاصيص التي افتن كونان دويل في سبكها وإظهار حيل اللصوص والشرط في تضاعيفها، ولا يحسبن أنها تدخل في باب تاريخ الحرب الكبرى الذي كلفت الحكومة الانكليزية هذا الكاتب العظيم بوضعه، ومنحته في سبيل إتمام هذا التاريخ مائة ألف جنيه تنشيطاً له واحتثاثاً، بل هذه ليست إلا صوراً رسم فيها ذلك الروائي المبدع وجهاً جديداً من حياته الخاصة، وصور بها أطفالاً له نجباء، وسيعلم القارئ أن السير كونان دويل ولا ريب وجد في تصوير هذه اللوحات الصغيرة ترويحاً لنفسه في هذه الأيام العصيبة التي تركت أثرها في كل روح، وشغلت كل ذهن، ونحن نعتقد أنها ستقع هذا الموقع من نفس القارئ وتخرج به من قراءة أخابير الحرب ومشاغلها وهمومها إلى قراءة قطعة عذبة لذة ذات مغزى طيب نافع.
هذه الصور التي أرسمها هي عن ثلاثة أطفال، ولكن أشخاصها في الحقيقة خمسة، على أن الشخصين الآخرين ليسا إلا من باب الصور الإضافية فقط أما الأطفال الثلاثة فهم مختلفون جد الاختلاف وأكبرهم سناً صبي في الثامنة ندعوه لادي وإذا كان في أهل الإنسانية فارس انحدر إلى الدنيا جاهزاً. . وتام الفروسية فهو هو، فإن له روحاً أشجع ما يكون من الأرواح وهي أنكر الأرواح لذاتها، وأطهرها صفحة، وأنصعها أديماً، وهي تسكن بدناً طويلاً نحيفاً كامل الهيئة، خفيف الحركة، وهو صبي خجول، ولا يشرق أمام الغرباء، ثم يتلوه الطفل دمبلس وهو يناهز السابعة، ولن ترى في الدنيا طفلاً مثله استدارة وجه ونعومة خد، تحت عينين واسعتين شريرتين تلمعان مجوناً حيناً، ثم تنطفئان حيناً فتلوحان حزينتين ذابلتين، وفي هذا الطفل بذور الرجل العظيم، وأساس الجبار الهائل، وإن لروحه عمقاً وسكوناً ووقاراً تتجلى في كثير من الأحايين، ولكنه في ظاهره طفل الأطفال، وأشد الصبيان صبيانية، وهو أبداً يطلب العبث والأذى والمجون ويصرخ دائماً قائلاً، الآن أريد أن أتملعن وأمجن!. . فإذا قالها أتمها وإذا فاه بها أنفذها، وهو يحمل حباً خالصاً ووداً لجميع من حوله من المخلوقات، وهو أشد الناس ميلاً إلى خبر الحشرات ومعرفة أسرار الكائنات، وقد شوهد كثيراً وهو يمسك بيده حشرة من الحدائق فيدنى فمها من حافة آنية مفعمة بالزبد ليعلم إذا كانت تحب الزبدةكما يقول:
وهو يتفحص الحشرات ويخرجها من مكامنها بشكل عجيب، وطريقة غريبة ولك أن تضعه في أجمل حائط. . وتدخله أبهج بستان فإنك غير لابث قليلاً حتى تراه طالعاً عليك يحمل في يده ضفدعة أو بزاقة أو فراشة، ولا شيء في الدنيا يحرضه على إيذائها وإنما يمنحها ما يظنه كرماً وحسن معاملة ثم يعيدها إلى أوطانها ويردها إلى أماكنها التي التمسها فيها، وقد اعتاد أن يكلم أمه كلاماً خشناً إذا سمعها تأمر الخدم أن يقتلوا الفراش إذا وجدوه فوق الكرنب ولا يرضيه أو يقنعه أن يسمع منها أن تلك الحشرات مؤذية للخضر ضارة به.
وإن له لمزية على أخيه لادي، وهي أنه لا يعتريه الخجل مطلقاً ولا يغريه بالسكوت، بل لا يلبث في لحظة أن يألف أي إنسان ويهجم عليه بالحديث ويسأله الأسئلة المتكاثرة وهو مخلوق فرح ولكنه (خلقي) أحب الأطفال إلى الشجار إذا قطب جبينه واحمر خده، وتقلصت شفتاه، فإذا عاودته هذه الحال استطاع أن يدفع أخاه الأكبر ويلصقه بالجدار، وذلك لأن أخاه يشعر بالفروسية، وتمسكه طبيعته النبيلة عن إيذائه أو مقابلته بالمثل، ولو قدر الله أن تظهر عظمة هذا الطفل الدفينة فيه النامية بين جوانحه، فهل تعرفون فيم تظهر، وأي منحى تنتحي، في قوة الخيال، فقل له أيتما حكاية فلا تلبث أن تجد الطفل قد راح مذهولاً مبهوتاً سارحاً في ملكوت الله، وإنه ليجلس جامداً في مكانه - لا حراك يتحرك، ولا يد يرفع، ولا رجل يهز، ولا يدع عينيه تتوليان عن عين محدثه وهو يلتهم كل غريب من الأقاصيص - وغامض مبهم من النوادر والحواديت وهو في ذلك نقيض أخيه، فإن هذا قلق لا يستقر به مكان، ولا يطمئن له مجلس، شغوف بأن يتحرك ويجري ليؤدي عملاً، أو ينفذ أمراً، ولكن دمباس الأصغر ينشغل ويثبت في مكان لا يبرحه، إذا كان هناك شيء خليق بأن يسمع، وإن له لصوتاً هو أحد مزاياه، وخاصة من خصائصه، فإذا كان قادماً عرفت ذلك عن كثب وهو مستهل طالع عليك من مسافة، وهو بهذه الرهبة الطبيعية، فضلاً عن جرأته وبلاغته واستفاضة كلامه يتخذ الرئاسة على إخوته في أي مكان يحتله على حين ترى أخاه الأكبر - وهو من نبله يرى نفسه أرفع من أن يحسن شيئاً من عوامل الغيرة - يرضى بأن يكون إزاء أخيه الصغير بمثابة الجمهور المتفرج الضاحك قبالة المغنى الجهير الصوت.
وأما الطفل الثالث فمخلوقة في الخامسة جميلة كملاك وعميقة الروح كبئر، والطفلان بجانبها قليلاً الغور وبركتان ظاهرتا القاع بالنسبة إلى هذه الطفلة الصغيرة، في وضوح نفسها واعتزالها وإخلادها إلى ذات روحها، ونحن نعرف الولدين أما البنت فلا نستطيع لكنها إدراكاً، إذ يلوح وراء هذا البدن الضئيل الصغير شيء قوي، وعنصراً شديد التأثير وإن لها إرادة هائلة، وعزيمة صارمة فلا شيء يردها عن أمرها، ولا أمر في الدنيا يغريها بترك منتوى نفسها، وإنما تستطيع النصائح والإرشادات الرقيقة اللينة أن تهذبها وتكبح جماحها هو نا ما، والطفلان لا يستطيعان شيئاً ولا حيلة لهما ولا رجاء، إذا هي أصرت على شيء، أو أجمعت النية على شأن من الشؤون، ولكنها لا تبدي هذه النية القاسية إلا إذا أرادت أن تعلن عن عظمتها، وتظهر جلالها، وهذه لا تكون إلا على فترات ولا تقع إلا في أحايين إذ أن عادتها أن تجلس صامتة هادئة معتزلة متنبهة لجميع ما يحدث حولها، دون أن تسهم فيه إلا بنظرة أو ابتسامة وهي وأخوها الصغير دمبلس حليفان صديقان وإن كانا لا يفتآن يقعان في شجار المحبين ومعاكسات العشاق، فإذا كانت يوماً غضبي منه لم تذكر اسمه في صلواتها وراء أمها فتقول اللهم بارك كل إنسان إلا دمبلس وإذ ذاك تصيح بها أمها، ما هذا؟ ما هذا؟ يجب أن تذكري اسم أخيك!. وحينئذٍ تقول متكرهة. . إذن، فاللهم بارك دمبلس الفظيع!. . بعد أن تخص بالابتهال إلى الله قطتها وجديها وعروسها الخشبية.
وإن حبها عروسها خلق عجيب من بين أخلاقها، وهو يثير في الذهن نظرية علمية يؤيدها الأساتذة والفلاسفة، فقد بلغ من حبها لها أنها لا تذهب إلى أي مكان إلا اصطحبتها معها، وإن جميع لعبها الأخرى لا تعزيها عن غياب هذه العروسة، فإذا سافرت الأسرى إلى المصطاف على ساحل البحر فلا غنى عن سفر العروسة معها، ولن يغمض جفنها إلا إذا كانت بين ذراعيها - وإذا دعيت العشيرة إلى مأدبة، أصرت على حملها إلى الوليمة - وهذا الخلق يوحي إلى الفلاسفة شيئاً من تاريخ النوع الإنساني، فإن هذه العبودية التي تشعر بها الوليدة نحو عرائسها، صورة حية من نشوء الأديان، وهي أثر من آثار ساكن الكهوف والإنسان الأول، والوثني القديم، وفي حب هذه الطفلة لعروستها عبادة الوثنية فإن الهمجي المتوحش يختار الشيء التافه الذي لا يستحق العبادة فيعبده، وكذلك ترى هذه الهمجية المتوحشة الصغيرة تعبد عروسة من الخشب.
هؤلاء أطفالنا الثلاثة، صورتهم صورة خشنة لا دقة فيها ولا تلوين ولا تجميل بقدر ما استطاع قلمي الضعيف أن يصف ويرسم، والآن دعنا نتخيل أننا في فصل الصيف، والوقت مساء، والظلام قد عسعس، وقد جلس الوالد يدخن في مقعده، والأم عن كثب تسمع والأطفال قعود كالحزم على السجادة وهم يتباحثون ويتناقشون ويجتهدون في حل عقد مسائل الحياة الصغيرة الغامضة عليهم، وعندما يجلس أطفال صغار يلعبون بفكرة جديدة، يروحون أشبه شيء بالقطط أمام الكرة، فكل منهم يقذفها إلى صاحبه، وأحدهم يلاطفها بيده، والآخرون يحاولون اختطافها بعضهم من بعض.
وكانت الطفلة تتكلم، وهي تحضن عروستها التي تؤثرها على جميع لعبها، فلم يسع الوالد إلا أن يخفي وجهه وراء الصحيفة التي كان يجيل البصر في أسطرها، ويشحذ سمعه للحديث الذي راح يدور بين الأطفال.
قالت الطفلة: إنني لفي عجب - لا أدري هل سيسمحون لي بدخول عروستي معي إلى الجنة أم لا.
فضحك الصبيان، وكانت عادتهما أن يضحكا لجميع ما تقول - فأردفت تقول. . إنهم إن لم يسمحوا بذلك، فلن أرتضي الدخول أبداً إلى الجنة وحدي.
قال دمبلس: ولا أنا إذا لم يسمحوا لي بدخول نمري!
وهنا عادت الطفلة تقول: سأقول لهم أنها عروس نظيفة هادئة ساكنة جميلة لا تؤذي أحداً في الجنة. .
قالت ذلك وهي تحتضن العروسة وتلاطفها.
وهنا نظر لادي إلى أبيه فقال. . . ما رأيك في هذا يا أبي؟ هل تظن أن في الجنة لعباً وعرائس!. .
قال الوالد. . بلا ريب، يوجد فيها كل شيء يستطيع أن يسعد الأطفال ويبهجهم.
قال دمبلس: وهل فيها قدر ما في ألف صنف؟
قال الشيخ: وهو يبلع ريقه متحيراً. . بل أكثر!. .
فصفق الأطفال الثلاثة فرحين مبتهجين لهذا النبأ الخطير.
قال لادي: وهو أحب الأطفال إلى الحشرات وعلم الحيوان.
أبتاه العزيز: إنني متحير في أمر الطوفان، متعجب منه أشد العجب.
فسأله أبوه. . ومم العجب يابني؟.
قال الطفل: من مسألة السفينة، فقد تعلمت أن جميع حيوانات الدنيا كانت فوق ظهرها، وإن من كل حيوان زوجين اثنين، أليس كذلك؟
قال الوالد: هو ذلك!
فسأل الطفل: إذا كان ذلك كذلك، فماذا كانت تأكل الحيوانات آكلة اللحوم؟
وأنت فتعلم إن الإنسان يجب أن يكون أميناً مع الأطفال فلا يدلى إليهم بأجوبة مضحكة على أسئلتهم الغريبة، فإن أسئلتهم في العادة أكثر عقلاً وحكمة من أجوبة آبائهم.
قال الشيخ: وهو يزن كل عبارة يقولها - الحقيقة يا بني، هذه الأقاصيص قديمة جداً جداً، وضعها اليهود في التوراة، ولكنهم استمدوها من القوم الذين كانوا في بابل، ولعل أهل بابل التقطوها من قوم قدماء أدركوا شباب العالم، وإذا تنقلت قصة مثل هذا التنقل، فقد يضيف إنسان عليها شيئاً ويردف آخر على ما أضاف الأول أشياء، ولذلك لا يمكن أن تنحدر إلينا الأحداث على حقائقها التامة.
قال الطفل مستنتجاً: إذن فهي كاذبة لا حقيقة لها!. .
فأجاب الوالد: بل أريد أن أقول حقيقية، فقد كان في الدنيا طوفان عظيم، وأظن أن قوماً استطاعوا النجاة منه وأنقذوا معهم حيواناتهم، فلما أقلعت السماء، وجفت الدماء، نزلوا إلى الأرض وحمدوا الله على سلامتهم.
فسأل الطفل: وماذا كان رأي الذين لم ينجوا من هذا الطوفان.
قال: هذا ما لا علم لنا به.
فقال الطفل: بل بالطبع لم يشكروا الله ولم يحمدوا.
فقال أبوهم: لقد لقوا عقابهم وحسب.
وهنا انبرى دمبلس الأوسط فسأل فجأة. . هل ينبغي لنا أن نفعل كما كان يفعل عيسى؟
قال أبوهم: بلا ريب يا بني العزيز، فقد كان أنبل رجل.
فسأل الطفل: وهل كان ينام من المغرب يا أبي؟ قال الولد: لا أعلم عن ذلك شيئاً.
فقال الطفل: لو كان عيسى ينام حقيقة من المغرب فأنا لا أريد أن أقتدي به في هذه العادة.
قال الطفل الأكبر: وهل كان يأخذ شربة زيت من الحين إلى الحين.
فأجاب الوالد: إنه كان يصدع بما يؤمر، يا بني لقد كان رجلاً طيباً، ولذلك كان ولا ريب طفلاً طيباً في طفولته.
قال لادي: إن أختي الصغيرة رأت الله أمس!.
وهنا سقطت الصحيفة من الوالد رعباً وحيرة.
فأردف الطفل يشرح الأمر وهو يقول: لقد أجمعنا أمرنا على أن ننام على ظهورنا ونحملق في السماء حتى نرى الله عياناً ولهذا وضعنا السجادة على العشب وامتددنا جنباً لجنب، ورحنا نحملق بقدر ما استطعنا، فلم أر شيئاً، ولم ير دمبلس شيئاً، ولكن الطفلة تقول أنها رأت الله.
فأطرقت الطفلة برأسها ضاحكة وقالت أجل لقد رأيته.
فسألها أبوه وما شبهه يا طفلة؟
قالت الطفلة شبهه شبه الآلهة تماماً، وأمسكت ولم تزد.
قال لادي: وهو يمسك بأطراف الموضوع، أبي، من هو الأقوى، الله أم الشيطان؟
قال أبوه، الله بلا ريب لأنه يحكم كل شيء.
فسأله ثانية: إذن فلماذا لا يقتل الشيطان؟
وأردف أخوه: ولماذا لا يسلخه؟
وقال الأول: ولو فعل لزال كل سوء من الأرض.
أليس كذلك يا أبي؟
فوقع الوالد في الحيرة الكبرى فجاءت زوجته إلى عونه وراحت تقول للأطفال، لو كان كل شيء طيباً في الحياة سهلاً في الدنيا، إذن لما كنا واجدين شيئاً نحاربه ونجاهد إزاءه يا أبنائي الأعزاء، وإذ ذاك لم تكن لتتهذب أخلاقنا، وتتحسن نفوسنا، وتستقيم أرواحنا.
قال الوالد مردفاً على قول الوالدة: وكانت تكون الحياة أشبه بميدان لعب الكرة، واللاعبون في صف واحد لا يجدون لاعبين أمامهم يقاومونهم.
وعادت الأم تقول: لو لم تكن الهموم والشرور والنقائص والمضار، لم نجد شيئاً نميز به، وبضدها تتميز الأشياء.
قال الطفل: بذلك المنطق الغريب الذي يجنح إليه الأطفال، إذا صح ما تقولين يا أماه، فإن الشيطان نافع أكبر النفع وهو في النهاية ليس رجلاً مسيئاً كما كنا نظن.
قال الوالد متحيراً: لا ينبغي أن نتصور الشيطان شخصاً بل نتصور جميع الدنايا والمعابات التي نرتكبها وجميع القسوات والفظاعات والشنائع، فهي الشيطان الذي نحاربه، فهل تظن في جميع هذا شيئاً نافعاً، أظنك لا تقول ذلك.
ففكر الأطفال في هذا ملياً، ثم رفع لادي رأسه فسأل والده وهل رأيت الله أنت يا أبي؟
فأجاب الوالد: كلا، بل شهدت أعماله، وهذا كل ما نستطيعه في هذا العالم انظر إلى الكواكب في الليل وانظر إلى القوة التي جعلتها في نظام متين، ومسيرة مضطردة لا تغيير لها ولا تبديل.
قال أحد الأطفال: لعله لم يستطع أن يجعل هذه الكواكب الشهب تقف في مكان واحد.
قال الشيخ: بل لقد أراد بها أن تكون شهباً لا مقر لها ولا مطمأن.
قال الطفل: ليتها كانت جميعاً شهباً، فيا الله من ذلك المنظر الجميل لو أنها راحت كذلك.
قال الأب: نعم، ولكنها في ليلة واحدة قد تنفذ في كبد السماء ثم لا تلبث أن تحتجب، فانظر ماذا يكون حال الدنيا إذ ذاك.
فلاحظ دمبلس: أحقاً أن الله يسمع جميع ما نقول؟
فأجاب الوالد: لا أعرف وهو خائف أن يساق إلى موضوع مخيف ولكن الأم كانت أثبت منه فقالت أجل يا بني، إنه يسمع كل شيء.
فعاد الطفل يسأل: وهل هو يتسمع علينا الآن؟ قالت: أجل.
فأردف الطفل يقول: إذا كان هذا فإن ذلك ليس من الأدب في شيء.
فابتسم الوالد لأنه أدرك المأزق الذي وقعت فيه زوجته، وتنهدت الأم حسري مرعبة لا تعرف ماذا تقول.
وهنا كان قد أمسى الليل، وحان موعد نوم الأطفال فنهضوا من مكانهم.
قالت الأم: لتقولوا دعواتكم عند النوم قبل الذهاب إلى المضاجع.
فركع الثلاثة فوق السجادة، ولا تزال الطفلة مصرة على احتضان عروستها قال دمبلس صاحب الصوت العميق الأحش، وهو في موقف الإمامة، اللهم بارك كل إنسان أحبه واجعلني صبياً طيباً خير مثال للأطفال، ونشكرك اللهم ونحمدك على أن جعلت يومنا مباركاً ناعماً، اللهم أطل عمر أبي، وبارك في والدتي.
وهنا أردفت الطفلة تقول: اللهم أرسل سكراً كثيراً للمساكين.
وزاد عليها دمبلس، اللهم رخص لنا ثمن الغاز حتى لا يشكو أبي.
قال الوالد: آمين.
وانطلق الأطفال بعد تقبيلة المساء إلى المضاجع.