مجلة البيان للبرقوقي/العدد 47/مسألة تحتاج إلى رأي الأزواج

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 47/مسألة تحتاج إلى رأي الأزواج

مجلة البيان للبرقوقي - العدد 47
مسألة تحتاج إلى رأي الأزواج
ملاحظات: بتاريخ: 1 - 3 - 1919



عندما يخرج إلى هذا الكوكب الأرضي مخلوق من مخلوقات الله، يخرج كاملاً له بعض المقدرة والاستعداد، فعلى قدر بدنه وذهنه يستطيع أن يؤدي نصيباً معيناً من العمل، وعلى قدر قوة شهوته للطعام، يستطيع هضم جزء نسبي من المآكل ومواد الغذاء، وعلى قدر استعداد عواطفه ومنازعه يستطيع التصرف في قسط محدود من الحب، فأما قوته على زيادة هذا القسط، ومكنته من تعدي هذه الحدود فأمر من الريب والشك والغموض بمكان عظيم، على أنه قد دلت التجاريب وأثبتت المشاهدات من ناحية الناس عامة، وأهل الحب كافة، أن الحب يجنح دائماً إلى الهبوط، ولا يميل أبداً على الصعود، وأكثر ما يأخذ في الخفوق والقلة، وقلما يسترسل في الزيادة والكثرة، ولا يزال اهتياج عاطفة من العواطف في قلب من القلوب، يقابله جزء نسبي من الحب قد انتزع منه في وجهة أخرى، وناحية غير تلك الناحية، كأنما قد خلقنا الله ووهبنا حساباً معيناً وضع لنا في مصرف الحب حتى لا نستطيع أن نتجاوز في السحب المبلغ المحدد لنا في بنك الحب! فإذا صح هذا - وهو المعقول - نهضت مسألة تحتاج إلى النظر والبحث، وهي تدور حول التوزيع الواجب الذي ينبغي أن نقسم على نسبة الحب بين أولئك الذين يطالبوننا بحق الحب ويتوقعون منا نصيباً منها، ومن هذه الناحية نرى كثيرين من الناس صغار الأذهان يظلمون ويجورون بعض أولئك الذين يخصونهم بالحب.

لما اهتدى كل من الفتى نوربرت والفتاة فيولا إلى السحر الحلال الذي أحدث كل في فؤاد صاحبه، واكتشف تحت أشعة القمر وظلال الزيزفون، فتنة الحبيب لحبيبه، وروعة الأليف لأليفه، تنفس كل منهما أنفاساً حرى مستطيلة، من عجب وحيرة، وراحا يتساءلان كيف أمكن أن يحب كل منهما الآخر كل ذلك الحب وقد ذعر نوربرت وأجفل، شأن جميع المحبين إذ يدهشون عند الشعور بأول بوادر الحب الصادق، ولم يكن من قبل يدري أن للحب هذا الطعم وللهوى كل تلك الحاسة والفتنة، وراح حيران مذهولاً يتساءل: ماذا حدث لي، رباه ما الذي جرى فلم يلبث أن همس إله الحب في أذنه هو الحب يا أحمق!!

فقال الفتى لنفسه وهو يتنفس بصعوبة ويكاد يختنق من دهشة وعجب: أحقاً هو الحب؟ يا إله السموات، من أين حاء هذا الحب كله؟ فأجابه صوت في أعماق نفسه: هي التي أيقظته، ولكنه كان قبلها موجوداً بجميع مادته في فؤادك! فمضى يقول لنفسه كذلك،. فإذ كانت هي التي أيقظته فهو ولا ريب ملها خاصة، وحق من حقوقها وحدها.

وعلى ذلك راح يسلم فتاته فيولا مقادة حبه كله، ويهبه بجملته، لا بالقطاعي! ومضى يقول بلغة الشعر ولسان الهوى هاك حبي، وهو جميع ما أملك، أو ينتظر مني أن أملك، خذيه لنفسك، فهو لك ومتاعك وحقك الواجب!.

فأخذته الفتاة منه وتقبلت المنحة، وراحت مزهوة معجبة فخورة بالهبة والمنحة.

وأنت تعلم أن أعمال الرجل وجميع ما يصدر عنه لا مرد له عنها، ولا محيص، ولا يستطيع النزول عنها أو تركها وأما المرأة فقلما تجدها مصرة على عمل، عنيدة إزاء فعل من أفعالها، مستبدة من ناحية أمر من أمورها، ولعل ذلك لأن المرأة خلقت وهي تعرف ثلاثة أضعاف ما يعرفه أكبر الرجال ذكاءً وفهماً وإدراكاً، ولذلك لا ترى امرأة واحدة في الدنيا مسرفة في حبها أو تراها من جنون العاطفة والتبذير فيها بحيث تهب جميع حبها جملة واحدة، وقد تتظاهر بأنها تهبه كله مرة واحدة، ولكنها في الحقيقة لم تفعل شيئاً من ذلك، ولو أن لنا قوة نستطيع بها وصولاً إلى مفتاح الصندوقة التي تختزن فيها المرأة كنوز عاطفتها، إذن لاهتدت الإنسانية إلى أسرار عظيمة وعلمت ما ليس لها إلى علمه سبيلاً.

ومن فرحة العطاء وبهجة المنح، اعتقد نوربرت أنه قد أخذ قدر ما أعطى، ومنح قدر ما وهب، وأن كلاً منهما قد نقل شجرة الحب من فؤاده إلى أعشار قلب صاحبه.

ولكن تلك لم تكن الحقيقة، فإذا كان الفتى قد أعطى فيولا حبه، فإن الفتاة إنما أعارته فقط حبها، وقيدت هذه العارية في سحل من سجلات قلبها، وقد فعلت ذلك وهي لا تدري، وظل به هو جاهلاً، وهذا سبيل السعادة العظيمة المتألقة المشرقة التي نمت بينهما وفرعت أغصانها.

وكانت خطبات الزواج في عصرهما الذي عاشا فيه لا تتم بالسرعة التي تنتهي بها اليوم فأطاعا آداب العصر وتقبلا شرائع الجيل، وظلا سنتين رفيقين يمشيان جنباً لجنب ويداً في يد، وذراعاً مشتبكاً بذراع، وفي خلال العامين ظلا يتكلمان على فيض من البلاغة، وسحر من البيان، عن سلطان الحب.

ومضى يقول هلا: يا لك من فاتنة ساحرة رائعة!

ومضت تقول له: ويا لك من قوي شديد السر، إني أحبك لطول قامتك وقوة ذراعيك!.

وكان يجيب: وأنا بك مفتون لصغر بدنك ونحافة جثمانك ولين عودك!.

فتروح ترنو إليه قائلة: أحق ما تقول!.

ثم يبتدئ فيض القبل، ويشتد وابل اللثمات، ثم إذ يسكت عن التقبيل يقول ما قاله الشاعر براوننج هل تراني وقفت وأنا أعتبر الميون من القبلات حداً ضئيلاً وألوف الألوف طفيفة قليلة.

وقد ينطلقان يوماً في البحث عن مقدار حب كل منهما لصاحبه وهو بحث كثيراً ما يدور على أفواه المحبين، فيمضي يقول: كم تحبينني. . وبأي قدر وإلى أي حد؟ فتجيب أحبك حجم القرش التعريفة) فيجيبها ضاحكاً وأنا أحبك حجم القطعة ذات الخمس (وإذ ذاك تزيد الحجم شيئاً فشيئاً حتى تقدر لحبها إياه حج الصحن الموضوع فوق غطاء الخوان فيحاول هو تحسين هذا الحجم وتكبيره فيضع لحبه حجم المنزل الذي يسكنه. وعند ذلك تسرف هي وتبذر في وضع الأحجام فتصف حبها في سعته بحجم البحيرة التي يتنزهان على ضفافها. وإذ ذاك يطرد جميع أوصاف الأرض ويتخذ لحبه مثالاً من الشمس أو القمر أو أي نجم من الأنجم الزهر قرأ شيئاً عنه في كتب الفلك!.

ولا يذهب الظن بك إلى أن تحسب العاشقين ضعيفي الذهن مجنونين ناقصي الإدراك، فإن نوربرت في العمل الذي كان يصيب منه الرزق كان يعد أعقل العقلاء ومن كبار أهل الألباب، وكان صافي الذهن، نشيطاً، وعده صاحب العمل الرجل القدير على الخطوب، الكفؤ لجميع الشؤون والأعباء، ولذلك يجب أن تعلم أن الحب والمنطق لم يكونا يوماً. ولن يكونا أبداً رفيقين متصاحبين. ولا يحب أحدهما أن يلعب أو يمشي مع الآخر، وكانت فيولا فتاة رزينة ذات حصاة ورباطة ووقار ذلك الوقار وتلك الرزانة التي لا تقلل من فتنة المرأة، بل تزيدها جمالاً وتهبها حسناً على حسنها، وكانت تدرك كيف ينبغي أن تؤدي عملها، وتحقق أن تنجزه على تلك الصورة ولكنها لم تكن متكلفة أو متظاهرة بنشاط، والمرأة التي تقوم على مطالب البيت وامتهان نفسها في حاجيات الدار، وتؤدي شؤونالمنزل كما يجب لا ينبغي لزوجها أن يهنئ نفسه بها كثيراً، بل أخلق به أن لا يبتهج ويطرب إلا إذا أدت جميع ذلك بلا مباهاة، ولا تكلف ولا تظاهر أو تفاخر، وإنما الأزواج الفاسد والذوق الجامد والإحساس البله المغفلون هم الذين يبتهجون عند رؤية شؤون البيت مدبرة على أتم ما تكون، وسهود بعولاتهم وهن يعدون في الحجرات متلبيات عن تلكلف، ويظهرن النشاط أمامهم عن مفاخرة واعتزاز.

ولم يكن يرى نوربرت شيئاً من ذلك بل يجد البيت مدبراً على أحسن ما يشاء التدبير، كأنه قد خلق لذلك وبقي كذلك.

وكان نوربرت يود لو يلتقي برجل يستطيع أن يقنعه بأن في السموات مكاناً خيراً من بيته الصغير الذي لا يزيد أجره في العام عن أربعين جنيهاً.

وقد كان هذا بالطبع بعد شهر العسل فقد نسيت أن أذكر أنهما تزوجا وزف الحبيب إلى نعمة عينيه وأليف نفسه وكان ذلك الشهر المعسول مفعماً بألوان عجيبة، كألوان غروب الشمس الزاهية المختلفة المتعددة التي إذا رآها الرائي لا يلبث أن يقول أنه ما كان يصدق أن لها هذا الجمال وتلك الروعة، لو أنه اطلع عليها في صورة صناعية خرجت من يد مصور ماهر.

وكان نوربرت إذا خرج من محل عمله الواقع في ربض من أرباض المدينة انطلق مسرعاً كالبرق، وجرى مستبقاً كالريح، غير متريث ليملك أنفاسه أو وجل خائف على صمامات قلبه، أو مكترث للسابلة الذين يصطدم بهم في طريقه بل يعدو عدواً سريعاً حتى يتهيأ له أن يركب في القطار فيصل إلى عشه الجميل قبل الموعد المضروب لوصوله ببضعة دقائق. فإذا نزل من عجلة الترام عند أقرب محطة من داره، انطلق يغني في هدأة المساء أغاني الحب والوجد.

وأنت تعلم أن المتزوجين لا يجدان تلك الفرص التي يجدها الخطيبان للكلام عن تلك التفاهات التي يكبر من شأنها الحب ولا يسمح لهما زمنهما بالإسراف في الأحاديث الصبيانية التي يبذلها العروسان عن جود وسخاء لمعرفة مقدار حب كل فرد منهما ومبلغ عاطفته بل أن لهما بسبيل ذلك ألف طريقة وطريقة لإظهار عمق حبهما وغور جانحتهما، ومن بين تلك الوسائل الحلوة العذبة اللذة الفاتنة التي كانت تظهر بها فيولا حبها لزوجها نوربرت، كانت هناك وسيلة هي أحبها جميعاً لى فؤاده.

وكان هو أسعد ما يكون من ناحيتها وأشد غبطة وهناء ذلك أن الله وهب ذلك الفتى شعراً ناعماً جميلاً يجري في ذوائب وتعاريج حلوة ونعومة لا قرين لها، ولا مثيل، وكان بهذه المنحة راضياً قرير العين، ولم يكن يأذن لأحد أن يضع يده فوق ذلك الشعر الأفحم الأثيت اللين الحريري إلا يد فيولا فقد راحت تلعب في خيوطه كما شاءت وشاء لها الدلال فاعتادت أن تأخذ في إصبعها أسلاكاً منه فتلفها وتجعدها وتفسد نظامها وتجعلها واقفة مستطيلة كمنقار الصقر ثم إذا تم لها ذلك أدنت فمها من تلك الأسلاك فقبلتها ولثمتها وأعادتها إلى سيرتها الأولى لثماً ودلالاً وحباً وعذوبة.

ولئن كانت هذه اللعبة من التفاهة بحيث نتصور، فما زالت في ذهن نوربرت دليلاً من أكبر أدلة الحب ومظهراً من مظاهر الجانحة التي تضطرب في فؤاد زوجه وأنت تعلم أن أولئك الذين يحبون إلى حد الهيام والشغف، يجعلون من التفاهات والحماقات الصغيرة أموراً كباراً خطيرة، واليوم الذي نفقد فيه النزوع إلى إحداث هذه التفاهات مع أحبابنا هو اليوم بعينه الذي يأخذ منه حبنا في الهبوط والضعف.

ولا حاجة لنا ولا ضرورة إلى ذكر مئات الألاعيب والتدللات والهناءات التي كانت تبعث نوربرت على الإسراع إذا انتهى عمله إلى بلوغ البيت، ولو أن احد الناس سأله شرح السبب وكشف الباعث، لما رغب في الكلام، ولما أقبل على الشرح والتفسير، ولو أن صديقاً من أصدقائه اعترض طريقه وهو في أشد جريه فسأله: علام الجري ولم العجلة يا أخي لما رضي أن يقول له: إنني مسرع إلى البيت لاحتضان زوجتي التي تدعوني دائماً بالغزال.

على أن هذه التسمية لا تتفق ولا تلائم نوربرت من جميع الوجوه، ولكن أين ذلك الرجل الذي لا يرضى بالاسم الذي يخرج من الشفتين اللتين يقطعهما لثماً وتقبيلاً.

ولا تحسبن أن القبل كانت هي وحدها اللذة الدائرة بينهما بل مضيا يتكلمان في أحاديث كثيرة الألوان، ويقرآن الصحف فيعجبان ويفرحان للأخبار أو يحزنان، وراحا يبحثان في أمور المستقبل والمستقبل كما تعلم بحث رحيب الصدر ولذلك لا تعجب إذا سمعت أنهما كانا وهما يتكلمان عن المستقبل يهبطان في أحضان بعضهما البعض ويقع كل في صدر صاحبه.

ولقد اعتاد نوربرت أن يجلس في المقعد الكبير الهزاز وفيولا مستندة إليه ويداها تلعبان في شعره الجميل وأحلامها وأمانيها المعسولة تصب فيضها في أذنيه.

تقول: يا غزالي إنني لأود أن يكون الجنين أنثى! فهل تود ذلك أنت ايضاً؟

فيقول: ودي ودك. . ومشتهاي ومشتهاك.

فتعود قائلة: ولكت ألا تظن يا غزالي أنه لو كان ولداً لكان أحسن وأغلى وأعز!.

فيجيب: هو ذلك. بل سيروح آية العجب!.

فتسأله: وأنت فماذا تطلب حقيقة، أيهما تريد؟

فيقول: (أيهما) إني لا أيد أن أختار، كلهما عزيز جميل.

وإذ ذاك تنحني إليه فتقول: إني أحبك أيها الغزال، إني أراك حلواً عذباً فاتناً.!

فيمد يده فيأخذ راحتها فيبلغ بها خده ويروح يلاطفها أشد الملاطفة وهو يهمس في أذنها إذن فلتبقي على هذه الفكرة دائماً. . .!.

عندما يقول الطبيب للزوج المكفهر الوجه الواجم المرتعب أنه قد تم الحال على أحسن منوال وأنه قد أصبح والداً لوليد صحيح سليم. لا يني يردف هذه العبارة بأخرى وهو أن يذهب إلى عيادته فيحضر له الجعبة الفلانية أو الأدوية الفلانية. . وهي عادة قديمة يريد بها الطبيب أن يعد الزوج عن فراش زوجته النفساء، ويهيئ له ما يعمل حتى تتولى عنه الأفكار المزعجة، وهي عادة حمقاء طائشة قد يتبعها أذى، ولهذا ينبغي للأطباء إطراحها وإهمالها.

إذ يحسب الزوج المروع المسكين أن حياة زوجته وقف على إحضار تلك الجعبة الفلانية فيشتد ألم نفسه، ويعظم عذابه وتذهب نفسه شعاعاً وروحه حسرات وخفقات ولهفات.

وكذلك انطلق نوربرت لإحضار تلك الجعبة وأطلق ساقيه للريح فما وقف ولا أراح حتى بلغ عيادة ذلك الطبيب، وما تريث ولا ني وهو يعدو عائداً بالجعبة إلى البيت. وكان وهو يجري يؤدي لله فريضة وهي بين الدعاء والبكاء، والتضرع والنسيج فأما الدعاء فشكر لله وقنوت وحمد وتسبيح، وأما الدموع والعبرات فخوف وخشية وفرق. وسمعه الناس وهو يجري هامساً تتردد على شفتيه هذه الكلمات: الله يا رب يا رب طفل طفل اغنمها السلامة أغنمها السلامة وسمعه آخر، وكان الوقت في بكرة الصبح ومنبثق الفجر يقول: ويلاه لو أن حادثاً حدث، واحر قلباه لو وقع واقع.

ولا ريب أنه حدث حادث، وذلكم هو نزول وليد جديد إلى الدنيا ما كاد يهبط الأرض حتى طلب بصرخته الأولى الحلوة العذبة أن يوهب جزءاً عظيماً من الحب الذي ينعم به أبواه. والعبادة التي تجري في قلب الوالدين.

والحب والعبادة، كما تعلم، لا يزالان يشبهان كل شيء في العالم، فهما لا بد من أن يجيئا من مكان معين، ولا بد من أن يوزع بضائعهما شخص، وعلى شخص آخر أن يدفع ثمن الفاتورة فأما فيولا فقد وزعت هذه البضاعة وجاءت بالمتاع وكان الواجب على نوربرت أن يدفع الثمن فدفعه وهو لا يدري إذ ذاك أنه دفع شيئاً أو خسر شيئاً.

وأنت لا تجد في جميع روابط الخليقة رابطة أشد وآصرة هي أمتن من الطفل المولود للزوجين، ولئن كان هذا الوليد عيياً لا ينطق، أخرس لا يتكلم، ضعيفاً لا يستوي على قدميه، صغيراً عاجزاً مسكيناً، فهو لا يزال قادراً على أن يطفئ شعلة الحب أو يثير نارها، وهو يستطيع أن يحدث بصرخاته الصغيرة، وأعوالاته الضعيفة، ما لا تستطيع البلاغة أو يؤاتي السحر والبيان.

وأنتم ترون أن هذه قصة شخصين من أهل الدنيا يسميان نوربرت وفيولا، ولهذا ينبغي أن لا يأخذ الناس هذه القصة فيعدوها نظرية عامة، تنطبق على الدنيا كافة، فإن المتفق عليه إلى اليوم، والنظرية المسلم بها، والقضية المذعن إليها، هي أن الطفل هو الحلقة التي تربد الزوج وزوجه، والكماشة التي تمسك بالأبوين، فلا يفلتان ولا يتجافيان، وإن كان فريق عظيم من الناس ليسوا بحاجة إلى هذه الحلقة أو تلك الرابطة، لأنهما كانا مرتبطين ممتزجين متماسكين، قبل أن تظهر هذه الحلقة فتفصلهما عن بعضهما البعض، وإنما ينبغي في مثل هذه الشؤون أن تعرف مبلغ الحب الذي في مكنة الروح أن تهبه، والمقدار الذي تستطيع أن تصدره حتى يعم الزوج والطفل على السواء، وقد تجد الروح في بعض الأحيان عاجزة عن أن توزع الحب والعدل بالقسطاس المبين، وإذ ذاك لا يبقى على الروح إلا أن تسرق أحدهما لتعطي الآخر ولهذا نرى ألوفاً من الرجال يخطهم الشيب ويبين بياض الشيخوخة في فحمة رؤوسهم، ويعلو تاج المشيب تفاريق شعورهم، قبل أوان الشيب وعهد الشيخوخة، وترى العزاب والكارهين للزواج والمحتقرين حياة الأسرة، آخر الناس في إدراك المشيب، واشتعال الرأس بجلال ما في الشيخوخة من جلال.

وهكذا سرقت فيولا نوربرت لتهب إبنها ريشارد، وكان ريشارد آية من آيات الجمال فأنساها ابنها أنها سرقت من زوجها حبه فألقت به إلى وليدها.

أضحى ريشارد يسمى أسماء الدلال، وألقاب المناغات والتدليع وأضحى نوربرت الغزال سابقاً ينادى فقط بأبو العيال وهو لقب فرح به بعض الفرح وإن بدا من ناحيته في شيء من الاضطراب والألم.

وفي الأشهر الستة الأولى من مولد الباكورة الأولى للزوجين لا يجد الزوج فرصة تهيئ له معرفة مركزه في قلب زوجته لأنه يرى أن تلك الأشهر هي حق مطلق للطفل لا يشاركه فيه أحد سواه، ولكنه بعد أن تمضي تلك المدة ويعود الأمر إلى نصابه لا يلبث الزوج أن يقيس الفرق بينه زوجاً لا والداً، وبينه الآن زوجاً ووالداً!!.

وعرف نوربرت أن هناك حقيقة شيئاً من الفرق، ولكنه كان من الدقة والخفاء بحيث لا يدرك علانية، ولا يتجلى للأبصار، وأحس من طريق خفي أنه قد أصبح أكثر أهمية وأقل أهمية في آن واحد في وسط أسرته منه قبل مولد طفله.

فبدلاً من أن تلعب فيولا بذوائب شعره الأفحم الأثيث وتلثم خصلاته وأسلاكه وتطبع القبلات الحارة فوق وجنتيه. أصبحت اليوم تسأله رأيه في مسألة تهوية الحجرات والعناية الواجبة للأطفال وشؤون التدبير المنزلي، وفنون الشربة والفطرة والششم، ولئن كانت لا تزال فيولا تقبله وتلثم خديه كأنها تؤدي مأمورية من المأموريات وفريضة من الفرائض، فلقد كان الطفل هو الذي يظفر بالقبلات الحارة المجنونة، ويتنعم وحده بالعناق الشديد، ويتمتع بالأحضان العميقة الجياشة، واحتكر ذلك دون أبيه، وحل منها محله، وهو هو الذي كان يعدو من قبل في الطريق مطلقاً ساقيه للريح حتى يبلغ الدار للتمتع بها على آخر نفس.

ولا ريب في أن حب الأم وحب الأب مختلفان جد الاختلاف متباينان البون الشاسع، فأما الوالد فلديه نوعان من الحب تحت تصرفه، حب لزوجته، وحب لطفله وبنيه، ولا مشابهة بين الحبين، ولا مقابلة ولا مماثلة بين العاطفتين فأما حب المرأة فينبعث كله من معمل واحد وآنية واحدة، فإذا كانت سعة تلك الآنية صغيرة فلا بد أن يحرم أحد الشخصين المحبوبين من شيء من نصيبه وفي أغلب الأحيان الزوج. ويبعد أن يكون يوماً الطفل.

ومن هنا تدرك أن أفكار نوربرت كانت من هذه الوجهة في قلق وجزع فقد وقف حجاب بينه وبني العقل منذ مجيء الطفل إذ راح مبهوتاً يعجب ويتساءل ماذا يستطيع أن يفعل ليعيد مكانه سيرته الأولى ولكنه لم يجد جواباً ولم يهتد إلى حل ورأى وكاد أن يكاشف زوجته بما يكنه فؤاده ويطالبها بأن تعيد عهد تلك الحماقات الجميلة التي كان بها أسعد السعداء وأعز الناس غبطة وبهجة ولكنه إذ هم أن يبوح وقف الكلام متحيراً على شفتيه ولم يجد سبيلاًُ إلى الدخول على الاعتراف فلذلك أضمر حزنه في جوانحه وأخفى أساه في عاطفته ومشى يفكر في الطريق محزوناً مهموماً عند رجعته في العشي والأصائل إلى داره بعد الفراغ من عمله، ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يفكر ويعدو في الطريق في آن واحد فقد أصبح يصل إلى القطار الذي يبلغ به الدار في منتصف السابعة من المساء بعد أن كان يصل البيت من قبل في منتصف السادسة.

بعد عامين من ذلك التاريخ رزق الله فيولا وليداً آخر وكان الوليد في هذه الدفعة بنتاً. ولما كانت لم تطلب مقداراً كبيراً من الحب كالولد وانتهى الحال بأن أصبح نصيب نوربرت من حب زوجته له وكانت من قبل مائة في المائة الربع أو أنقص منه قليلاً ولم يبق له من مظاهر ذلك الحب إلا الجزء الواجب والفرائض المطلوبة من المرأة لزوجها كالعناية بإعداد الطعام في أوانه وغسل أثوابه إذا احتاج إلى تغييرها والمشاطرة في البحث عن أعماله والإدلاء بالنصائح له عن شؤونه إذا استنصح الرجل أو استشار وفي مقابل ذلك أصبح نوربرت يظهر رأيه ويبدي فكره بكل حرية إذا ساءه أمر من أمور البيت فراح ينتقد الطهي يوماً إذا وجد منه ما لا يروقه ويتشفع بالتعب من عناء النهار إذا لم يعجبه الحديث ولم يستطب المناقشة.

ومضت فيولا تحب طفليها ومضى هو يحبهما كذلك أصبحت هي متسامحة تغضي عن هفوات زوجه أو هناته إذ كانت عليمة بأن الأزواج جميعاً هم على هذه الشاكلة وسواسية في هذه الهفوات، والحق يقال لقد كانت تلك الأسرة في منتهى البساطة وعادية ككل أسرة ولها أشباه ونظائر على الجانبين من كل حارة وعلى الصفين من البيوت القائمة في كل طريق.

ولقد اعتادت العمات والخالات والأقارب أن يزوروا البيت وما يفتأون يقولون له ما أجملها من زوجة فاتنة صغيرة، فكان نوربرت يجيب دائماً على هذه الملاحظات وأنا الذي اخترتها وأنا به عليم.

فكانوا يعودون فيقولون: إنها تحب طفليها كل الحب!.

فكان يطرق عند سماعه هذه الكلمات ويقول. . . كل الحب!.

ويعود الأقارب عنه وينصرفون معتقدين أنهم أحسنوا التعبير وأجادوا القول.

راح نوربرت ينظر إلى زوجته وهو جالس إلى مائدة العشاء. فعجب في نفسه إذ يرى أنها لا تزال حسناء فاتنة فقد مضى على عهد زواجهما عشرون عاماً وما زال يتجلى في عينيها بريق الشباب وذلك الضياء الجميل الذي كان يشرق منذ عهد بعيد يوم كان يمشي إلى جانبها وهي فتاة تحت أشعة القمر فاستند نوربرت في مجلسه واهتاجت الذكرى في صميم قلبه واستثار الحاضر ما كان من لذلذات الماضي وحلاوته ولكن لم يلبث أن أعاده صوت فتاته إلى الحاضر إذ مضت تقول عجباً لتصاريف القضاء في أي مكان سأكون في مثل هذا الوقت من الغد!.

فأجابتها أمها ستكونين ولا ريب بعيدة عنا أميالاً عظيمة ومسافة طويلة فمد الفتى ريتشارد ساقته وقد ظهر اليوم في الرداء العسكري وارتدى ثوب الضابط الجديد واستند إلى ظهر مقعده وقال في رنة أسى. وأين أكون أنا؟ ولكن خليق بنا أن لا نظهر شكاة أو نبدي جزعاً وفرقاً فإنه لولا عرس أختي ما استطعت أن أجد سبيلاً إلى طلب الإجازة والحضور من ميدان فرنسا لرؤيتكم.

فساد إذ ذاك سكون وجعت عين الأم تنظر بحب وإعجاب وزهو وخيلاء إلى ابنها الضابط الشاب الذي عاد من ميدان القتال لأجل غير طويل.

وعاد ريتشارد يقول: إنني أميل إلى الأعراس وأحب رؤية الزيجات ولعل باعث ذلك الجندية فهل تستطيع يا أبي أن تجد لي زوجة من الآن إلى الغد أن في طبيعتي مقداراً من الحب لا يحسن أن لا أدع إنسانة من خلق الله تناله.

فأجاب الوالد لا تجزع يا بني ولا تحفل بهذا فلا يلبث أن يتجلى لعينيك الشخص الذي سيأخذه منك وإذ ذاك يذهب الحب، أليس كذلك يا زوجة. .؟

فنظرت إليه زوجته شذراً وهي مندهشة متحيرة وإذ ذاك انبرت فيليس تقول: من أغرب الأمور أن أعيش بعيدة عنكم فهل ستستوحشون في غربتي؟ يا أماه؟ فهمت فيولا بأن تجيب ابنتها ولكن صوتها احتبس بين شفتيها.

فعادت الفتاة تقول: يا الك من والدة محبة محبوبة جميلة كريمة القلب!

فحبذ ريتشارد رأي أخته فقال: هذا حق يا أخية، إنها أم جميلة محبوبة أليست كذلك يا أبتي؟

فقال الوالد وهو في أشد الاضطراب: نهم. . نعم. . بالتأكيد!

فانبرت الفتاة فيليس: إذن فقل ذلك يا أبي وصرح به صراحة، إنك لا تقول جملة في هذا الشأن بقوة وتبيان.

فأجاب مذعناً مستسلماً: إنها أم محبوبة. . محبوبة. . جميلة كريمة القلب ها أنا قد قلتها!

ولا ريب في أن الليلة التي سيروح صبحها طالعاً ببين وافتراق بين فتاة ستفارق العش الذي فيه درجت إلى بيت العروس. وبين فتى سيعود إلى ساحة القتال وحومة الوغى. تمسي كثيرة الأحاديث ساهرة، ويدور فيها الكلام طويلاً. ويستفيض فيها البحث في شجون مختلفة الألوان ولما كانت كل هذه الأحاديث لا يتيسر شرحها والمساهمة فيها على مائدة العشاء فقط ولا في قاعة الاستقبال كذلك. فلا تعجب إذن أن يذهب الجميع إلى حجرات النوم فيجلس كل منهم على سرير ويروح في شعاب طويلة من القول. وأخير انطلق الفتى والفتاة إلى النوم ومشى الأب والأم يريدان منامتهما. وعند رأس السلم وقف نوربرت وقال: سأذهب فأدخن لفافة تبغ!

فنظرت إليه زوجته وقالت: أحقاً تردي ذلك؟ إذن فلك ما تشاء.

وكان في صوتها رنة اضطراب وتردد وحسرة ورأى منها ذلك فنظر إليها في دهشة وعجب.

فقالت وهي تستجمع جأشها لقد كنت الآن في عجب مما قلته في مائدة العشاء إلى ريتشارد وهو أنه سيذهب الحب. أليس كذلك. فهل تذكر؟

فأجاب: أذكر إنني قلت شيئاً أشبه بهذا؟

قالت: وماذا كنت تعني به؟

فأجاب: لا شيء. . كلام في كلام!

فقالت: لقد أدركت المعنى الذي كنت إليه تقصد والآن لتذهب إلى تدخين لفافتك أستودعك الله.

فأجاب متلعثماً: في حراسة الله.

ولثمها باضطراب.

قالت وهي تحتضنه إن ربطة عنقك ليست في مكانها!

ومدت يدها فأصلحت منها وهذبت شكلها وتبسمت عن أسى وحزن. وانطلقت إلى حجرتها فلما اختلى الرجل بنفسه نسي أن يشعل لفافة التبغ بل جلس أمام الموقدة مفكراً يلمس بأنامله ربطة عنقه التي أصلحتها يد زوجته ويذكر ابنه وابنته وهما سيفارقان العش غداة الغد.

ومضى الشهر التالي على أهدأ ما يكون الحال. فراح البيت صامتاً أخرس لا يرتفع فيه صوت. وقد عاش الزوجان وحيدين في خلاله بعيدين عن طفليهما حتى أدرك كلا منهما الحياء من صاحبه. وأضحى حديثهما غامضاً تافهاً لا غرض له ولا مقصد، وجعلا يقرآن الصحف بصوت مرتفع وهي العادة عندما لا يجد الجليسان موضوعاً للبحث أو كلاماً يتداولانه.

ففي ذات يوم وأنه لذاهب إلى محل عمله في الصباح كعادته، إذ تبعته فيولا إلى حجرة الثياب، فجاءت بمعطفه من المشجب وأمسكته له حتى يرتديه، وأعانته على الاشتمال به، وكان هذا ولا ريب عناية تافهة، ولكنها أثارت فيه ذكرى حارة وأحدثت لديه اضطراباً وقلقاً.

قال: لست أريد اليوم معطفاً.

فقالت: كلا. بل ينبغي أن ترتدي فإن الجو اليوم مبترد وينبغي أن تحترس من البرد.

قال: إذن فليكن. وأدخل ذراعيه في المعطف ومشى إلى الباب قائلاً: إلى الملتقى!.

فمشت بجانبه حتى أوصلته إلى باب البيت وراحت تسأله. ألم يعد القطار الذي يصلا المدينة عند منتصف الخامسة مساءً يجري اليوم بين المدينة والضاحية؟

فأجفل مذعوراً وقال: لا أدري ولكن لم هذا السؤال؟

قال: لا شيء إلا أنك اعتدت دهراً طويلاً أن تصل في ذلك القطار.

ألم يكن الأمر كذلك؟ فأجاب: نعم. كان كذلك.

فعادت تقول: لقد كنت أظن الآن وقد ذهب الطفلان أنني أصبحت أستوحش غيابك.

فأجاب مرتبكاً: إذن سأجتهد. . إلى اللقاء. . .

وفي ذلك المساء دهش كثيرون من المارة، واستغرب جمع عظيم من السابلة إذ رأوا رجلاً كهلاً في أثواب نظيفة يجري على آخر نفس في الشارع.

وكان هذا الكهل الذي يعدو كأنه قد عاد طفلاً. وآض شاباً واستحال عريساً جديداً، هو نوربرت. فقد نهضت الذكريات البعيدة في صفحة ذهنه وخيل إليه أن العشرين عاماً التي مضت على زواجه لم تكن إلا حلماً في الكرى وإيماضة برق لامع. وكانت فيولا اعتادت في أوائل العهد بالزواج أن تجلس إلى النافذة فتطل منها مرتقبة مطلع زوجها المحبوب من ناصية الشارع وتناديه باسمه الجميل الذي خلعته عليه وهو الغزال. حتى لقد كان الجيران يسخرون منها ويعتبون عليها فيه وينتقدونها من أجله.

والآن جعل نوربرت يجري في الطريق وهو يسائل نفسه هل سيراها الآن بعد عشرين عاماً من جلستها تلك، واقفة بالنافذة تنتظر عودته وإذ ذاك أجابه صوت نفسه بأنها لا ريب لن تكون كذلك، فإن هذه الفكرة مضحكة مجنونة. على أنه ما كاد يلم بناصية الشارع الذي يحوي منزله حتى تطلع إلى النافذة فلم يجد أحداً. وإذ ذاك هدأ من أنفاسه ومشى مطرق الرأس إلى الباب فتحسس جيوبه ليرى مفتاح الباب. ولكنه لم يلبث أن رأى الباب قد انفتح وإذا بفيولا واقفة أمامه، ووجهها تعلوه صفرة الموت. وشفتاها ترتعشان وقالت متلعثمة وقد هجمت الدموع إلى عينيها ريتشارد وإذ ذاك عرف المعنى الذي أرادت أن تفصح عنه، فإن المصائب والأنباء السوء أصبحت تدرك اليوم بالإشارة. لا تحتاج إلى كثرة شروح وإفاضة حديث، وفي هذه المدنية العجيبة التي جاء بها القرن العشرون.

فقرأ التلغراف وهو جاف العين والحلق، ولم يستطع أحد منهما الكلام وجاءت الخادمة بعد برهة تعلنهما بأن العشاء قد تهيأ، فأخذ كل مجلسه من الخوان، ومرت ألوان الطعام أمامهما، فلم تمد إليه يد، ولم تمس صحفة من الصحاف، وعادا إلى حجرة الحديث فجلس هو في مقعد مطرق الرأس وجاءت هي وراءه، فوقفت، وحاولت فيولا الكلام فاحتبس المنطق في صوتها، ولكنها لم تلبث أن استجمعت قواها فقالت بعد جهد. . . لقد كنت خائفة عليه يوم ذهب للقتال.

فقال ولم يزد. . . أجل!

وساد السكون لحظة طويلة.

وقالت أخيراً: لقد كنت أحبه أعظم حب أيها الوالد. . ولكنها إذ تلفظت بهذا الاسم الأخير وجدت أنه قد أصبح خطأ فغيرت الاسم بغيره فقالت لقد كان ابني الوحيد يا غزالي!

هنا مد نوربرت ذراعه إليها فأخذت راحته فوضعتها فوق خدها وقالت: نبئني لماذا تحدث هذه الأحداث، وهل ينبغي أن تحدث؟

قال: علم ذلك عند الله.

وأسند رأسه إلى صدرها وراحت أناملها تلعب في شعره.

وهنا كأنها بمعجزة أو وحي غريب انحنت ليه فطبعت فوق ذوائب شعره الأفحم. . قبلة حارة. . .!

انتهت.