مجلة الرسالة/العدد 10/حلم الأستاذ مجنان

مجلة الرسالة/العدد 10/حلم الأستاذ مجنان

مجلة الرسالة - العدد 10
حلم الأستاذ مجنان
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 06 - 1933



للدكتور احمد زكي

للأستاذ مجنان رأي بديع في مستقبل الطيران يشبه الأحلام في

حلاوتها. وإذا اعتبرنا انه المستشار الفني لوزارة الهواء الفرنسية وانه

درس خمسمائة جنس من أجناس الطيور، وعددا لا يحصى له من

الحشرات الطائرة، بقصد زيادة الطيران دقة وسهولة ويسراً، وانه

قضى في تلك الدراسة نيفاً وعشرين سنة، وإذا اعتبرنا انه قص هذا

الحلم الحلو في مجمع العلوم بباريس، وان العلم كثيرا ما أتانا بأحلام لا

نلبث أن وجدناها أولت تأويلا صادقا، إذا اعتبرنا كل ذلك صغينا إلى

الأستاذ بآذان واعية وقلوب مؤمنة، إن كان بها قليل من الريبة ففيها

كثير من الأمل، وان خّفت بها غرابة ما يقترح إلى ابتسامة التكذيب،

قعدت بها ابتسامة هادئة من سرور الطمأنينة والتصديق، ذكرياتُ

غريبات كانت بالأمس فأصبحت اليوم مألوفات لا تأخذ عيناً ولا

ترهف آذناً.

يرى الأستاذ انك في المستقبل القريب عندما تريد أن تزور صديقا لن تدخل إليه من باب بيته وإنما تطرق عليه باب سطحه، ولن يكلفك ذلك إلا أن تلبس جناحين لا تزيد مساحة الجناح منهما على أربع أقدام مربعة أو خمس وتقفز من سطح بيتك في الهواء فإذا بك تطير في الفضاء على بركة الله. وإنما يشترط أن يكون بعضلك من القوة ما يحرك الجناحين بسرعة بحيث يضربان عددا من الضربات بين الثلاث عشرة والعشرين في الثانية الواحدة. بالطبع لن يستطيع ذراعان إحداث هذا العدد من الضربات في ذلك الوقت القصير، لذلك يقترح الأستاذ أن تقوم الأرجل مقام الأذرع فتضغط على بدالين كبدالات الدراجات، إنما هنا يتحركان معا. وهذان البدالان يحركان جيرا يحرك جيرا اصغر منه وهكذا حتى تتصل الحركة إلى الجناحين، فإذا حركت رجلاك الجير الأكبر مرتين في الثانية، حرك هذا الأصغر منه أربع مرات، وحرك هذا الذي يليه وهو اصغر منه أضعاف هذه المرات، فلا تصل هذه الحركات إلى الجناحين وهما خفيفان جدا حتى يتحركا بما هو بما بين الثلاث عشرة والعشرين من الضربات. ولكن يجب أن يضرب الجناح في اتجاه رأسي وهو نازل فإذا صعد صعد في زاوية، وبهذه الطريقة يقدر المرء أن يسير في الهواء في سطح أفقي واحد، إلا إذا واجه تيارات هوائية فهذه ترفعه. أما الآلة فلن يزيد وزنها عن مائتين وعشرين رطلا والقوة اللازمة للطيران بها على الصورة المذكورة تبلغ ثمن حصان وهي القوة التي ينفقها العامل الذي يشتغل بجسمه كل يوم في عمله. وفي استطاعتك إذا أردت أن تقتصد في من قوة بدنك أن تستخدم محركا صغيرا لا يزيد حجمه كثيرا على حجم رأسك، وعندئذ تستطيع أن تسير أسرع من ذي قبل، وان تصعد في الجو إذا أردت، وتفرغ لتوجيه الآلة، وللبحث عن تيارات الهواء والاستفادة منها، وللمتعة الكبيرة بما يمر تحتك من أشباح الجوامد والأحياء.

وفي استطاعتك إن خشيت وقوف المحرك لخلل ما أن تحمل معك دسقطا من الدساقط المعهودة تقيك الهبوط السريع فالتهشيم، أما مادام المحرك يعمل والجناحان يضربان بالصورة التي كشفها الأستاذ من الطيور بالكمرة السريعة فلا خوف عليك ولا أذى فالصعود في الجو كالصعود في الجبل. ففي الجبل تستعين بعصا تقاوم فيها فعل الجاذبية الأرضية، وفي الهواء عصاك جناحاك تمسك بهما الهواء وتتشبث به كما تمسك بعصاك حجر الجبل، وللهواء جسم كما للجبل جسم وهو جامد بمعنى كما الجبل جامد، ولو كان لنا حس أدق من حسنا وعين أبصر من عيننا لأحسسنا جمود الهواء كما يحسه الطير.