مجلة الرسالة/العدد 100/أرض النبوة

مجلة الرسالة/العدد 100/أرض النبوة

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 06 - 1935



مهداة إلى الصديق النابغة علي الطنطاوي بمناسبة عودته من

الديار المقدسة

للسيد أمجد الطرابلسي

حَدِّثْ رِباعَكَ عن أفياءِ عدنان ... يا شِبْلَ غَسّانَ هِجْ أشبالَ غسانِ

هاتِ الأحاديث عنها فَهْيَ شيقَةٌ ... تَشفى بها النفسُ من سُقْمٍ وأحزانِ

أرضُ النبوةِ ماذا في أباطِحِها ... ماذا أجَدَّ بأهليها الجديدان

ومبعثُ النورِ هل تدوي كَأمْس بهِ ... آياتُ (أحمدُ) أو أشعارُ (حسّان)

ومَهِبطُ الوحيِ، والذكرى مُواسِيَةُ ... ماذا تُحَدِّثُ عن وَحيِ وفُرْقان!

حَدِّثْ عنِ المُلْكِ في أرضِ النبيِّ وعنْ ... عَرْشِ هناكَ وريفِ الظلِّ فَيْنان

تَهْفو الملائِكُ فَرْحى حول سُدَّتِهِ ... مثلَ الحمائِمِ تهفو فوق أفنان

حَفتْ به مُهَجُ الإسلام تَكْلؤهُ ... ورفْرَفَتْ فوقَهُ آمالُ عدنان

حدث عن القَبْرِ! هل أشجَتهُ مائجِةً ... أنباءُ (جِلَّقَ) أو أرزاءُ (تَطْوان)

لهفي عليهِ يُقِضُّ اليومَ مضْجَعَهُ ... ما يُرهقُ العُرْبَ من بَغْيٍ وعدوان

مَهْدَ النبي! يكادُ الشوق يَحملُني ... إليك مستيِقظا أو غير يَقظان

ماذا أُرددُ عن وجدٍ يساوِرُني ... قلبي لهيفُ وَطَرفي جِدُّ هَتّان

أرضُ عليها جرى الإسلامُ مندفِقاً ... ليغسل الأرضَ من رِجْسٍ وأدران

أهفو إليها لعلَّ العيشَ يَهْنَأُ لي ... ما بين أهلي وأرحامي وإخواني

مُلَّ المُقامُ بأرْضِ الشام في زمَنٍ ... طغى به الجوْرُ فيها شَرَّ طُغْيان

عفا بها كلُّ مَجْدٍ بعد عزَّتِها ... واندكَّ لْلعُرْبِ فيها كلُّ سلطان

لا الزهرُ في (نَيْرَبَيْهاَ) باسِمُ أرِجُ ... ولا البَلابِلُ تَشْدُو فَوْقَ (كيوان)

يا من رأى (تَرَدى) والحزنُ يُثقِله ... يجرى مع الدهرِ شَأْنَ المُتْعبِ الواني

أسْوانُ تَغْشاهُ سُحْبُ الهمِّ داجِيَةً ... فيقطعُ الليل في بَثٍّ وأشجان

تمشي المُسوخُ على جنبيهِ معجَبَةً! ... يا لَلْبَهاليلِ من فِهْرٍ وعدنانِ يا شامُ لولا ضحايا جِدُّ غاليَةٍ ... زانَتْ بِطاحَكِ من شِيبٍ وشُبَّان

لولا ثَرًى طَيِّبُ كالمِسكِ تُرْبتُهُ ... جرتْ عليهِ دماهُمْ مثلَ غُدْران

لَسِرتُ عنكِ إلى أرضِ النبي هوًى ... أليس كلُّ بلادِ العُرْبِ أوطاني؟

لكن أأنسى بلادي وَهْيَ داميةُ ... تَئِنُّ من عَسفِ أعلاجٍ وَذؤبان

حسبي فَخارا وحسبي عِزّةً وَطَنُ ... في كلِّ شِبْرٍ بهِ أشلاءُ قُربان

يا فتَيةَ العُرْب والإسلامِ قاطِبَةً ... كونوا على النصْرِ طُرا خير أعوان

دعوا التخاذُلَ إنّا كلَّنا عرَبُ ... هل نابنا منه إلا كلُّ خذلان؟

ماذا تُرَجُّونَ من دُنياكُمُ فِرَقاً ... مصَفًّدينَ بها أشْبَاهَ عبدان

تِلْكُمْ جزيرتُكُم يا عُرْبُ باسِمةُ ... ترْنو إليكمْ وتحنو أي تحنان

سيروا إليها نُعيدُ البَعثَ ثانيةً ... ونملأَُ الأرضَ من عدلٍ وعُمْران

أليس مِنّا الأولى قادوا جَحَافِلَهُمْ ... وأخضعوا الأرضَ من فُرْسٍ ورومان

مشوْا لنصرِهُم والأرضُ تحتهمُ ... فرحى تمايَلُ تِيهاً مثل نَشوان

ساسوا الأنامَ بعدلٍ غير ذي وهَنٍ ... وأنطَقوا الدهرَ من بِرٍ وإحسان

شادوا على جبْهِة الدنيا عروشهمُ ... ولو أرادوا بَنْوها فوقَ كيوان

تباركَ المُلْكُ في (الفَيْحاَءِ) منبسطاً ... لا الملك دامَ ولا أسادُ مروانِ

تباركَ العرشُ في (بغْدانَ) مزدَهِراً ... يا أرضُ أين تولَّى عرشُ (بغدان)

يا ليت شعري أطيْفُ ذاك مرَّ علي ... وجهِ البسيطةِ أم أحلامُ وَسُناَن؟!

أرضَ النُبُوّة، والأيامُ جاهِمَةُ ... ماذا أُردَّدُ من بثِّي وأشجاني

دارَ الزمانُ، وللأزمانِ دورتُها، ... والدهرُ - مُذْ كان هذا الدهر - يومان

فلا (الوليدُ) وعرشُ الشامِ مبتسم ... يشيدُ لْلمجْدِ فيها خيرَ بٌنيان

ولا (الرشيدُ) على بغدانَ في يدهِ ... دهرٌ يُصرَّفُهُ كالموثَقِ العاني

يا دهرُ ويحَكَ! رُدَّ العرشَ ثانيةً ... فكم عروشٍ مَلَكناها وتيجان

لنا نفوسٌ أبيّاتٌ تُهَيَّجُها ... ذكرى جدودٍ كنُورِ الشمس غُران

يشُوقُها المجدُ وضّاَء بقُرطُبةٍ ... والعزّ منبسطاً في ظِلّ (بْغدان)

أراجعٌ أنت ذَيّاكَ الزمانِ لنا ... أم لا رُجوعَ لأيام وأزْمان سنرجع المجدَ أو نقضي بساحتِهِ ... ذُلّ الحياةِ وطعمُ الموتِ سِيّان

دمشق

أمجد الطرابلسي