مجلة الرسالة/العدد 100/الحياة
مجلة الرسالة/العدد 100/الحياة
للأستاذ محمود غنيم
حرةٌ لا تزور إلا لِماما ... تيّمَ الشيخَ حبُّها والغلاما
تيم النملَ حبُّها فتولّى ... يطلب الماَء مثلَنا والحطاما
كشرت عن أنيابها لِلْبرايا ... فرأوْا ذلك القطوبَ ابتساما
كم سقتهم من الجفاء زعافاً ... وسقَوْها من الوفاء مداما
قد يراها السعيد حلماً لذيذاً ... ويراها الشقي موتاً زؤاما
أنا لولا الحياة ما بت أخشى ... شبح الموت أو أهاب السقاما
قال بالجنّ معشرٌ وأرها ... وحدها جنَّا يلبس الأجساما
أوليست تحزُّ لحم البرايا ... مثلَ حزّ المُدى وتبرى العظاما
قسما لو أَنَّ الأجنة تدري ... كنهها لم تفارق الأرحاما
أيهذا الجمادُ حسبُك ألا ... تصحبَ الشيب أو تذوقَ الحِماما
صاح أن الحياة لغز إذا ما ... زدتُه بحثاً زادني إبهاما
ليت شعري ماذا تكون، أحسَّا ... أم خيالاً ويقظة أم مناما؟
أم طريقاً إلى الفناء قصيرا ... قد ركبنا لطَّيه الأياما؟
كل حي له كتابٌ، ولكن ... أعجم اللهُ خطَّه إعجاما
لو عرفنا متى تكون المنايا ... لانتظرناها مذ بلغنا الفطاما
أيها العلم كم هتكت حجابا ... فأمط عن سر الحياة اللثاما
تلك آثارها إذا عرضت لي ... ألهمتني وجودها إلهاما
فإذا رمتُ وصفها بلساني ... ألجمتني فلا أحير كلاما
هي كالكهرباء لستُ أراها ... وأرى ضوءها يشق الظلاما
هي من روح الله وهو خفيٌّ ... ذو صفاتٍ دلت عليه الأناما
يا ابنة الشمس وجهُ أمك بادٍ ... فعلام احتجبتِ أنت علاما؟
عرف الناس فضل أمك قِدْما ... فتلقّوْها سجَّداً وقياما
حدثينا كيف ابتدأتِ على الأر ... ض وحرّكتِ هذه الأجراما؟ وأرينا متى ظهرت عليها ... وإلى م البقاء فيها إلى ما؟
أخذ الناس في التكاتف حتى ... باتت الأرض وهو تشكو الزحاما
ليث شعري أضل (دَرْون) بحثاً ... حين آخى الوحوش والأنعاما
قال قوم هلا شهدنا ذبابا ... في الحياة ارتقى فصار حَماما
وغلا آخرون فيه فقالوا ... كان في مذهب النشوء إماما
قد عرفنا أبا الأنام جميعا ... فهل الطير والوحوش يتامَى؟
وهل الجن تنتمي كالبرايا ... لأبٍ يُدعى يافثاً أو حاما
سائل البحر كيف أنبت لحما ... من أواذيَّة وسوّى عظاما
وتأملْ بين الحقول نباتا ... سوت الأرض سوقَه فاستقاما
علَّ من بارد النمير شرابا ... وتغذى من الهواء طعاما
ولقد يولد النباتُ ويفنى ... ويعاني مثل الأنام سقاما
حكمة تملأ النفوس يقينا ... بإله يدير هذا النظاما
سائل الشمس عن بنيها لماذا ... كانت الأرض وحدها مِتآما
ليت شعري ألْلكواكب نسل ... يشبه الناس أم تُراها عِقاما
ليتني أركب الرياح إلى الأف ... لاك أو أمتطي إليها الغماما
أيُّهذا الأثيرُ إن كان في المر ... يخ حيٌّ فأحمل إليه السلاما
حيَّ أهليه إن مررت عليهم ... إن للجار حرمة وذماما
محمود غنيم