مجلة الرسالة/العدد 1001/شيلر الشاعر الألماني

مجلة الرسالة/العدد 1001/شيلر الشاعر الألماني

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 09 - 1952



للأستاذ عيسى إسكندر المعلوف

حياته

هو فريدرك فون شيلر ولد في مدينة مارباخ من أعمال مقاطعة ورتمبرغ الجرمانية في 10ت سنة 1895. وكان أبوه يوهان كاسبار جراحاً مساعداً في الجيش استخدم في حرب أوستريا الارتية. وكانت والدته تقية حنوناً فغرست فيه تلك المبادئ. واسمها اليصابات كورفايس. كان منذ صغره ولوعا بالكتب، وفي المدرسة كان ينفرد ويطالع، فيجد تلك الساعات من ألذ أيام حياته، وكان يهيم في الطبيعة ويسرح في آفاق الخيال وراء شاعريته التي كانت نفسه تنزع إليها.

وكان نحيف الجسم مجتهداً كثير المطالعة تنزع نفسه إلى نظم الشعر، ولذلك جمع بين الإنشاء الطلي والشعر الرقيق والتاريخ الوطني، فكان ثاني غوته أشهر شعراء ألمانيا.

ترك آثاراً تشهد بنبوغه وتفوقه، وكان أصغر من زميله ومعاصره غوته بعشر سنوات، تعارفنا لما كان شيلر في الرابعة والثلاثين من عمره وغوته في الرابعة والأربعين.

أنصب شيلر على مطالعة أشعار هوميروس اليوناني وفيرجيل الروماني لإتقانه اللغتين اليونانية واللاتينية كل الإتقان.

ثم طالع منظومات (كلوستوك) شاعر ألمانيا العظيم وغيره من كبار الشعراء، مما بث فيه روح الشاعرية وقواها.

وكان قد درس على علماء عصره المشهورين ونال شهادته بإتمام دروسه سنة 1779 بحفلة حافلة شهدها غوته الشاعر الألماني الآنف الذكر. ولم يكن غوته يظن أن شيلر سيكون نابغة في عصره وصديهاً مخلصاً له، ورجلا محبا لوطنه وشعبه، ومؤثرا عظيما في رقي بلاده. ولم يكن غوته ليظن بأن شيلر سيصبح كاتباً مدققاً وشاعرا بليغا ومؤرخا ثقة، صاحب مخيلة واسعة، طلي الإنشاء، حتى يحبه الشعب ويحترمه.

وكان لما حل شيلر بقرية فولكشتات سنة 1788 أن اجتمع بغوته مرة فاستقبله هذا غير مكترث له فأثر ذلك المشهد الاحتقاري في نفس شيلر وحركته عزة نفسه أن كتب إلى صديق له يخبره بعدم تناسب الذوقين أي ذوقه وذوق غوته، لأن لكل منهما وجهة يتجه له الواحد دون الآخر.

على أن غوته بعد أن طالع آثار شيلر، ولا سيما قصيدتيه الشهيرتين (المتفننين) و (آلهة اليونان)، اللتين نسج بردتيهما إذ ذاك نسجا بليغا، انقلب عن الإعراض إلى الحفاوة والاحترام، فصار ودهما وثيق العرى متين الأسباب.

فكان شيلر ينظر إلى الحياة نظرات فلسفية وينظم الشعر التمثيلي، وغوته يسبح في عالم الطبيعة ويصوره ناظما الشعر الحقيقي، ومع ذلك هذا التباين في الذوقين بمانع من اتفاق آرائهما بالصداقة وتبادل الحب الصحيح بينهما بإخلاص وأمانة حتى آخر نسمة من حياتهما. وذلك نادر بين صاحبي صناعة واحدة. ولكن الشاعرية التي عرفا بها لم تستطع أن تبث روح الحسد في أحدهما ليعادي الآخر.

فصرف شيلر أوقاته مع غوته يتبادلان الآراء ويتجالسان ويتحاوران فأنتفع كل منهما من زميله. وهكذا أخرج شيلر آثارا نفيسة في الشعر والتاريخ والروايات التمثيلية الكثيرة، وهي مما لا تزال تتناقلها الألسنة والأقلام، وتترجم إلى اللغات المختلفة الغربية والشرقية.

ومن غرائب الاتفاق أن هذين الشاعرين المتحابين مرضا كلاهما بوقت واحد وخشي كل منهما موت الآخر. ولكن شيلر قبض إلى رحمة ربه قبل غوته وذلك في أيار سنة 1805 فبلغ نعيه غوته فبكاه واشتد حزنه عليه وقال كلمة لا تزال مضرب المثل.

لقد فقدت بموت شيلر نصف حياتي.

ولشدة حزنه انقطع مدة عن عمله وتفرغ للبكاء ومعاناة الأسف الشديد الذي ألم به. وطال ذلك العهد على غوته حتى توفي سنة 1832 وأقيم له سنة 1932 تذكار مرور مائة سنة على وفاته بحفلات شائقة، وسنة 1934 أقيم له تذكار مرور 175 سنة على ولادته. وكتبت الجرائد ومقالات شائقة عن الحفلتين في الشرق والغرب. ونشر كثير منها ترجمة حياته واعماله. وحضر تلك الحفلة كبار رجال الحكومة. وأقاموا الصلاة على قبره. وخطب الهر جيبلز فقال: (لو عاش شيلر، إلى اليوم لكان زعيم ثورتنا حرفيا. فنحن نحني رؤوسنا أمام ذلك الميراث الفني الذي هو لنا، لأن لنا وحدنا المقدرة وروح الابتكار لإنجاز رسالة بلك الثورة).

وأنشأت صحف اليونان مقالات أطرت فيها على ذكر شيلر، ومثلت في المسرح اليوناني الوطني رواية (دون كارلوس) من نظمه.

آثاره

أشتغل هذا الشاعر بالأدب والتاريخ والروايات، فترك آثاراً ذات شان في نظر العلم والأدب من روايات تمثيلية وقصائد رائعة، فأخرج شيلر الدراما (قطاع الطرق أو اللصوص) طبعت سنة 1781 و (المؤامرة والحب). . ومن أهم رواياته (دون كارلوس) (1786). وبها اشتهر أول ما أشتهر. وآخرها (وليم تل) التي كتبها سنة 1804 ومدارها على أخبار وليم تل البطل السويسري الوطني. وكان غوته قد سافر إلى سويسرا ودرس جميع الشؤون المتعلقة بهذه الرواية على أمل أن ينسج بردتها بقلمه العسال. فحالت دون ذلك عوائق حملته على انتداب حميمة شيلر لهذا العمل فأعطاه دروسه كلها، فنظمها وأجاد فيها ما شاءت بلاغته. ولما وقف عليها غوته دهش منه وازداد تعلقاً به واحتراما له فعاشا على حد قول الشاعر:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته أبصرتنا

ومودة الأدب إذا كانت بإخلاص نية وعدم حسد وتنابز كانت آية الآيات في حسن السلوك وأدب المعاشرة.

فكانت هذه الرواية (بوق الحرية الشريف) وآخر رواياته.

من بدائع قصائده؛ (آلهة اليونان) و (ماري ستوارت)، (عذراء أورليان)، و (عروس مسينا). وفي مقدمتها يقول (ليس موضوع العلم أن يثير حلم الحرية للحظة. ولكن قصده أن يجعلنا أحرارا بالحقيقة). و (المتفننون)، (القتال)، ونشيد (فالنشتاين) (1799).

ومن مآسيه المشهورة (دون كارلوس) و (وليم تل). ومما قاله في مقطوعة عن وليم تل: (نحن نستنشق الهواء الجبلي للحرية ونطأ جبال الألب بحرية شخصية ونشعر برعدة).

ومن مشهورات تواريخه: (تاريخ ثورة هولندا) و (الحرب الثلاثينية) وهو كتاب تاريخ ممتاز

وكان شيلر صحافيا اشتغل بمجلات أنشأها هو أو ساعد غيره بكتابة مقالاتها.

وعلى الجملة كان شيلر فيلسوفا ومتفننا ومؤرخا وشاعر وصحافيا.

شيء من آرائه وأقواله

تناقل الكتاب والشعراء كثيرا من آراء هذا الشاعر وأقواله مترجما إلى لغاتهم ومنها لغتنا العربية.

قال في وصف فتاة: (أنت في السادسة عشرة إذ يبتدئ إن فؤادك أن يخفق لأول مرة بعواطف ويردد صدى نغماته. إن الفتيات أمثالك لهن دائما مرآتان: المرآة الحقيقية ومرآة المعجب بجمالهن. فتصلح الثانية بتمويهها ما تفسده الأولى بصدقها. فإذا أرتك المرآة أثر الجدري يقول المعجب الأعمى: تلك غاية الجمال.)

وقال يصف شابا: (كنت سالكا سبيلا قويما ولكن تخلى عني أقراني وأضلوني الطريق إذ انفصلوا عني واحدا واحدا).

وقال في تأثير المرأة: (كلما وجد رجل وصل بعمل إلى غايات المجد وجدت في جانبه امرأة محبوبة).

ومن أعظم قصائده (لحن الجرس) خاطب به رأسا قلوب الجماعات بقوله: (أنا أدعو الأحياء وأنا أنوح على الموتى وأنا أكسر اللمعان). فهي أشبه بقصيدة لنفلو الشاعر الأمريكي (بناء السفينة). وقد عربنا معظم ديوان الشاعر الأمريكيو.

ومن قوله في قصيدة القتال: (لا. لا. لن أصبر طويلا على هذا القتال الطاحن الذي يقوم به الواجب. فإذا لم تقدري على كبح أهواء قلبي أيتها الفصيلة فلا تطلبي مني التضحية. فإكليلك هذا يجب أن يبقى كل الأيام بعيدا عني. خذيه ودعيني وحدي أتلاشى).

عيسى إسكندر المعلوف