مجلة الرسالة/العدد 1008/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 1008/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 1008
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 27 - 10 - 1952



للأستاذ أنور الجندي

حقوق المؤلفين

أثار الأستاذ الدكتور طه حسين في مقاله بالأهرام في الأسبوع الماضي موضوع حقوق المؤلفين، وبين أوجه الصراع بين المؤلف والناشر.

ولا شك أن الذين عانوا طرفا من هذا الصراع، يذكرون مدى الجهد الذي تكبدوه من معاملة الناشرين، أو على الأصح مع بعض الناشرين.

فالمؤلف محتاج إلى أن يجد من أدبه مورداً ييسر له الحياة كما تيسر لرجال الصحافة والموسيقى والغناء. .

والمؤلف، إلى ذلك هو أقل زملائه من رجال الفكر والفن مكانا، فلم يعد الآن للأدب الرفيع والإنتاج الخصيب مكان مرموق بعد أن غلبت الألوان الصحفية والمكشوفة والخفيفة، وارتفعت أجورها وتقديراتها، حتى أصبح من غير المعقول أن يعيش أديب من سن قلمه.

وإني لأذكر كلمة قالها لي المرحوم الدكتور زكي مبارك سنة 1935 وكنت عولت على أن أنقطع الأدب. . قال (إن أديباً ما في مصر لا يستطيع أن يعيش من قلمه، ولو كان طه حسين أو الزيات. وإن كان كل أديب مهما كان من القوة أو الشهرة محتاج إلى عمل آخر إلى جوار أدبه يعيش به، وهو إما أن يكون الصحافة أو التدريس).

والحق أن أديباً من الأدباء لم يستطع بالأدب وحده أن يكون قوياً من الناحية المادية بحيث يستطيع أن ينصرف بالأدب عن غيره، أو يقصر عليه.

لقد استطاعت الصحافة أن تضع الأدب في الدرجة الثانية منها، وأن تغلب عليه السياسة وطرائف الأخبار والصور، ثم جاءت الإذاعة بألوانها المختلفة، التي تقصد لا إلى الترفيه والتسلية، قبل الثقافة والتوجيه، فأحلت الأدب درجة أخرى فأصبح في الدرجة الثالثة. .

وجاء اليوم الذي أصبح الأدب فيه غذاء فئة قليلة من الصفوة المختارة التي تحبه، لأنه فن رفيع، أولئك الذين يتسع وقتهم له. .

وكذلك العلم اليوم، وكذلك كل فنون التأليف - ما عدا التأليف المدرسي والجامعي - قراءه قلة، ومن ثم فقد حق أن يكون هناك قانون يحفظ لهؤلاء العلماء والأدباء حقوقهم، وير عنهم طغيان الناشر الذي قلما يكون عالما بتلك الكنوز التي توضع بين يديه لإخراجها للناس، وهو لا يقدرها من هذه الناحية أبداً وإنما يقدر مدى إعجاب القراء لها، فهو يتخير منها الأنواع التي يراها صالحة للتجارة فحسب.

ومن قبل، مات الأدباء، فلم يجد أهلوهم ولا أبناؤهم من ورائهم شيئاً. . كانت أسماء هؤلاء الأدباء تملأ ما بين المشرق والمغرب، وكانت مؤلفاتهم المتعددة في كل الأيدي، ومع ذلك فلم يكن من وراء هذه المؤلفات مال كثير أو قليل يمكن أن يجده أبناء هذا الأديب. لقد باع المؤلف الضخم الاسم، الفقير، حق مؤلفاته للناشرين لقاء مبالغ تافهة قليلة كسب الناشر عشرات أضعافها بل لا أغلو إذا قلت مئات الأضعاف.

وقد أشار الدكتور طه حسين إلى المؤتمر الذي عقد في جنيف في أغطس الماضي، ليضيع حق المؤلف في صورة اتفاق دولي وإن كانت مصر لن تستطيع أن تشترك في هذا الاتفاق الدولي، إلا إذا أصدرت قوانين حماية المؤلف في مصر أولا. . وهناك قانون تنظيم حق المؤلف في مجلس الشيوخ، وهناك أخر في مجلس النواب، ناما منذ أمد في العهد الغابر. وفي إشراقة العهد الجديد الذي يضع الأسس الصالحة لغد أفضل، نرجو أن يتحقق للمؤلف وضعاً كريماً يمكنه من أن يتفرغ للإنتاج، ويتجرد للعمل الخالد الباقي.

بدء الموسم الأدبي

من الأسئلة التي ترددها دوائر الأدب: هل العام الدراسي هو عام الإنتاج الأدبي، أم العكس هو الصحيح؟ وهو أن موسم الأدب يبدأ عندما تنتهي الدراسة. والحق أن الصيف لم يكن حتى الآن - في مصر - موسما أدبيا، فلا بد أن يكون بدء الموسم الدراسي، وإقبال الخريف، هو علامة الفصل الذي تنشط فيه دوائر الأدب والفن. . وبعد قليل ستحفل الجرائد بباب (محاضرات اليوم)

ونحن نتوقع أن يكون الموسم هذا العام خصباً، وأن أصوات المفكرين ستتداعى إلى الإصلاح والإنشاء والبحث، في حرية وقوة وطلاقة، وقد أظلها العهد الجديد بعد أن رفع من كرامة (الإنسانية). . هذه الكرامة التي سيظهر أثرها في انطباعات نفوس الأدباء والمفكرين، ثم في إنتاجهم!

أدب الثورة ولن يتأخر طويلا أدب الثورة. . فلا شك أن الحرية والكرامة. . التي هي طابع العهد الجديد ستعطي للمفكر مشاعر جديدة. . ستملأ نفسه بالقوة. إن كل مشروع، وكل إنتاج، وكل عمل صالح يدرس الآن بعناية، وتتلقفه أيد أمينة، ونفوس مليئة بالحيوية. . تريد أن تنشر الضياء على كل مرفق من مرافق الحياة. . فما بالك بقلب الحياة: الأدب والفكر.

لقد انتقلت مصر في لحظات من الهزال البغيض إلى الجد الصارم! هذا طابع العهد. . وهو طابع العهد.

العمل، الوقت، المشاريع، الإصلاح، الغربلة، التنقية!

سوف تختفي من النماذج الإنسانية صورة (المتواكل) و (اللص) و (الخطاف) و (الأثيم).

وسوف تختفي (المرأة) الجاسوسة، أو المسيطرة على الزعماء.

وسوف تختفي صورة (الخادم) الذي يملك من السلطان أكثر ما يملك الوزير!

ستكون النماذج الإنسانية الجديدة، قوية، حية، عليها سيماء النقاء والطهر، ستكون أهداف الأدب الجديد عالية، في سبيل الوطن والحق والمثل العليا.

لقد خلفت مصر وراءها روح الجمود، واليأس، والحقد، والصراع على المطامع، وبدأت صفحة جديدة من الوحدة، والتعالي عن الرغبات الشخصية، وسيمتد هذا الأثر ليس إلى الأدب والفكر وحده، ولكن. . إلى المسرح، والصحافة، والإذاعة، والنحت والموسيقى، ونحن نرى البواكير هذه الأيام في مسرحيات جديدة قد اختفت منها تلك الغرائز المهددة، والمناورات السخيفة، والنزوات الطائشة، ونرى قصائد وأغاني فيها روح الثورة. .

ونأمل أن نرى على الأيام فنا أقوى. . يتجه إلى السماء!

الأدب في سوريا

في مجلة (الوعي). . هذه المجلة الأدبية الإسلامية الأنيقة، في عددها الجديد الذي صدر هذا الأسبوع كلمة عن الأدب في سوريا بمناسبة العهد الجديد، رأيت أن أنقلها تسجيلاً لأثر العهد الجديد هناك، فقد كتب الأستاذ زكي المحاسني يقول (في سورية الحاضرة، أدباء وشعراء وأهل نقد، وفنون، بعضهم جامعيون، وبعضهم مدرسون، وبعضهم من أهل المجمع العلمي السوري، ويعدون من أهل الصحافة أو الوظائف، وفيهم أشياخ وشبان، وبعض نسوة وفتيات، ويغلب على شيوخ هذا الأدب التوحد والتفرد والتحيز، وليسوا كثيراً، فهم أفراد معدودون، لكل منهم مذب في الحياة الخاصة والعامة، غير أنهم يتجهون (لأدب الشباب) إذ يؤثرون أن يكون (أدب الشباب) قويا نزاعاً إلى اللغة الحرة والبيان الراقي.

من أولئك الشيوخ شعراء، لم يستطع شعرهم بعد شوقي وحافظ ومطران أن يحلق في أجواء هؤلاء الخالدين. أما أهل النثر منهم فمنطوون على أنفسهم ينفس الواحد منهم عن أدبه بين السنة والسنة بمقال، ولم ينشطوا إلا قليلا إلى نشر المؤلفات النافعة، ولكن أولئك الجدد المنطلقين من قيود الماضي، وهم رعيل الكهول والشباب يأخذون في (بناء) أدب سوري جديد يرجى نفعه، وإن لهم نزعات نحو أدب الشعب قد تكون صالحة لزماننا هذا أكثر من صلاح أدب الأبراج العاجية) اهـ

إن سوريا هي الأخرى قد انتقلت إلى الجد الصارم.

وكذلك لبنان.

ولذا فنحن نتوقع للأدب العربي جميعاً فجراً جديداً.

أنور الجندي