مجلة الرسالة/العدد 1012/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 1012/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 1012
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 24 - 11 - 1952



للأستاذ أنور الجندي

استهل نادي الاتحاد الثقافي موسم محاضراته هذا العام، بمحتضرة لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عن مهمة الأديب في مصر.

وقد غصت حجرات النادي وشرفاته وأبهائه بجمهرة كبيرة من الزوار والوافدين وكبار الشخصيات.

وكان في مقدمة هؤلاء السيدة كرمة السعيد وبعض فضليات المربيات والأساتذة محمد صلاح الدين وحسين هيكل وأحمد زكي وكامل كيلاني وسعيد العريان وأنور احمد.

وكان الدكتور محمد عوض محمد يشرف على النظام العام بروحه اللطيفة ومداعباته البارعة

وتحدث الدكتور ساعة كاملة. . . فعرض موضوعه في لباقة وبراعة. . واستطاع أن يخرج لنا صورة حية لهذا الموضوع الدقيق تناولت جوانبه الفياضة بالعرض الدقيق.

تحدث عن الأدبي العربي القديم: أيام الجاحظ والمعري. . وتحدث عن الأديب الحديث في الشرق والأديب الحديث في الغرب. . . وعرض لمؤتمر البندقية.

وصور مسئولية الأديب الإجماعية في هذا الزمن، وكيف أنه لا يستطيع أن يجمع بينه وبين عمل آخر. ذلك لأن الأدب الآن يتطلب جهدا جبارا، ويتطلب من الأديب ألا يشرك به، وأن يتجرد له، يقرأ ويدرس ويستقصي. . ويلم بكل جديد من الآراء؛ وهو إذا قصر في هذا، عجز أن يجري في ركب الحضارة.

وقال إن الدولة ملزمة بأن توفر للأديب أسباب الحياة حتى يستطيع أن ينتج.

ثم عرض لحرية الأديب فقال إن الأديب لا يستطيع أن ينتج إلا إذا أحس بأنه حر في أن يكتب ما يوحي به ضميره وتهجس به نفسه. وأنه مسئول كعضو من أعضاء المجتمع عما يذيع بين الناس وعليه تبعة ما يكتب.

ومن تبعاته أن يوجه وأن يهدي إلى الخير والحق والجمال.

وعليه ألاينزل إلى الناس ولا يرضى أهواءهم، وإنما عليه أن يرفعهم إليه وأن ينقلهم من الحياة العامة التي يحبونها إلى حياة فكرية ممتازة.

وصور عميد الأدب اثر الصحافة والسينما والإذاعة بالنسبة للأدب والكتاب المطبوع وقال إن الأدب قد تحرر من سلطة الملوك والأمراء. وأنه لن يقبل بحال أن يعود إلى هذه العبودية.

وعرض لقضية (أدباء الشباب) فكان غاية في الإنصاف. وطالب بضرورة تهيئة الوسائل الكفيلة بإعانتهم على الإنتاج والتبريز.

وقد أولى هذا هو الموضوع مقالاً من مقالاته في الأهرام، كما بدا في هذا الأسبوع ينقد إنتاج الأدباء الشباب، وقد تناول قصة (إني راحلة) ليوسف السباعي. وهي ظاهرة جديرة بالتسجيل لعميد الأدب.

ولم يكن الدكتور طه حسين في محاضراته جافاً، ولا متكلفاً، بل كان شعبياً منطلقاً، وكان لا يترك مناسبة دون أن يدخل عنصر الفكاهة اللطيفة الممتازة، في حديثه، ومرتين أثار عاصفة من الضحك. عندما عرض للأدباء الذين يعملون في المصالح الحكومية ومعاملة رؤسائهم لهم، في تعنت وصلف. وعندما أشار إلى أن كل أديب من شأنه أن يذهب إلى السينما لأن أهله يفرضون عليه هذا الذهاب. ولذا لا يستطيع أن يتخلف ليقرأ كتاباً من الكتب مثلاً! وأثار الدكتور عاصفة من التصفيق الحاد عدما عرض لتحرر الأدب من سلطان الملوك والأمراء، وعندما صور الحياة الأدبية التي يمكن أن تستقبلها مصر في ظل العهد الجديد.

نقابة الأدباء

وكان الدكتور طه حسين قد اجتمع بأعضاء نادي القصة في الأسبوع الماضي، هذا النادي الذي يخرج الكتاب الذهبي الشهري. . . وقد تحدث الدكتور في هذا الاجتماع عن مشروعه الذي يوشك أن يتقدم إلى الجهات الرسمية لإنشاء نقابة للأدباء ترعى إنتاجهم وحياتهم ومستقبلهم وتهيئ لهم حياة كريمة.

على أن تكون موارد هذه النقابة بعض حصص على المؤلفات القديمة والمؤلفات الحديثة.

ولا شك أننا في حاجة إلى أن نقرأ تفصيلات وافية عن هذا المشروع فهو يهم جميع الآباء الآن، وبخاصة الذين يعملون في الوظائف الحكومية، والذين قد يخيرون بين العمل الأدبي، أو العمل الصحفي، وبين وظائفهم الحكومية.

فعسى أن يتفضل الدكتور العميد بنشر تفاصيل هذا المشروع.

النشاط الثقافي

افتتحت في هذا الأسبوع ندوة الجامعة الأمريكية بمحاضرة للرئيس السابق علي ماهر عن (فلسفة الثورة المصرية الجديدة) كما افتتح النشاط الثقافي لنادي ضباط الجيش بمحاضرة للدكتور مصطفى الحفناوي المحامي عن قناة السويس.

كما استجابت جمعية الشبان المسيحيين لملاحظة الرسالة فعقدت مهرجاناً شعرياً عن أهداف الثورة ودعت إليه بعض الشعراء الذين وردت أسماؤهم في باب (الأدب والفن).

وقد علمت أن شباب القراء الذين دعوا إلى الندوة الأولى قد ظنوا على اثر كلمتي التي طالبت فيها بدعوة القدامى من الشعراء أن هذا انتقاص لحقهم، وما أردت هذا، ولكي رجوت التنويع وربط الأواصر، وضم الكفايات المختلفة، وأحببت أن تنمحي تلك النزعات القديمة التي كان يحرص أصحابها على دعوة فريق من الشعراء، متجاهلين العناصر الأخرى.

وإذا اتجهنا نحو المسرح أو السينما لاحظنا سمة (فن الثورة) أيضاً. . فهناك فيلم مصطفى كامل ومسرحيات نزاهة الحكم ونهاية الأندلس غيرها. وهكذا أخذت روح الثورة الجديدة تبرز في الإنتاج الثقافي بصفة عامة.

هل عندنا شعراء أو شاعرات:

لفت نظري في محلة (القلم الجديد) التي يصدرها في عمان الأديب الكاتب السيد عيسى الناعوري مقالاً للدكتور زكي أبو شادي عن (أبو القاسم الشابي) تحدث فيه الشاعر المهاجر عن الشاعر الذي ودع الحياة وهو في ريق الشباب.

واهتززت فعلاً عندما وقع نظري على مفتتح قصيدته (صلوات في هيكل الحب).

. . هذا المطلع الذي قرأته مرة إلا أحسست بأن الشابي كان يعيش في غير دنيانا. . وأنه لا يصدر عن نفس يمكن أن تكتب لها الحياة الطويلة. .

(عذبة أنت كالطفولة، كالأحلام، كاللحن، كالصباح الجديد) (كالسماء الضحوك، كالليلة القمراء، كالورد، كابتسام الوليد).

وعجبت كيف لا نجد مثل هذا الشعر اليوم عند شعرائنا الشباب، هذا الصدق، هذه الحيوية الفياضة، التي تدل على أن الشابي عاش تجربة شعورية كاملة، كان مزيجا من الصدق والوفاء. . وكانت غاية في السمو والنقاء.

وبينما اقلب صفحات المجلة، وقع بصري على شعر آخر كتبته الشاعرة العراقية نازك الملائكة.

. . . ولفت هذا الشعر نظري أيضاً. . لقد قرأت شعر لأكثر من شاعرة عندنا هنا في مصر. . ولكني لم أحس وقدة الحياة فيه كما أحسستها في شعر نازك الملائكة أو فدوى طوقان. .

فلماذا تنقص شاعراتنا هذه (الأنوثة) والحيوية. . اعتقد أن السبب واحد، وأن النقص مصدره واحد في شباب القراء والشابات.

إن شعراءنا وشاعراتنا - إن صح أن عندنا شاعرات - يتكلفون ويتكلفن، إنهم لا يعيشون في الحياة الصادقة، التي تمنح الوحي الصادق أو تمد بالإلهام!

وهذه لمحة من شعر نازك الملائكة

استرحنا. . كشف اللغز ومات المبهم

وتلاشت حرقة الأحلام في لون العيون

استرحنا. . هدأ الشوق وواراه السكون

استرحنا نحن وارتاح الزمان الفهم

وغدا ينهزم الماضي بعيداً

وترى أعيننا شيئا جديداً

ولا زلت احسن بأننا لم ننشأ الأدب النسوي بعد. . ولا الشعر النسوي بالطبع!

وإذا كنا نحن اليوم في مطلع نهضة جديدة، فإننا نحب من الشعراء أن يكونوا روح هذه النهضة. . نريد ذلك الشعر الذي نحس أن الحب فيه يصعد إلى السماء. . ويرف مع الملائكة!

نريد تلك الروح النقية الصافية الخالصة التي لا يشوبها الفاحشة والمجون!

فمتى نرى هذا الشعر! عندها يحق لهؤلاء وأولئك أن يقولوا إنهم شعراء! أنور الجندي