مجلة الرسالة/العدد 1012/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 1012/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 11 - 1952



آن لهذا الشعب أن يفهم

تأليف الأستاذ عبد المغني سعيد

للأستاذ احمد عوض

هذا الكتاب من بواكير التأليف بعد النهضة الكبرى، فهو يهدف إلى مراميها وتتمثل في طبيعتها. وهو مثلها شعور طال كبته ثم تدفق فجأة عند أول فرصة لتدفقه كما ينفجر البركان عندما تقترب متفجراته الحبيسة من طبقة أرضية ضعيفة.

ولقد تسبق التفجر إرهاصات منبهة به كما سبقت النهضة أزمات حادة، وكما تلجلج هذا الكتاب فحاول الخروج قبل أن تخرجه المطبعة على الصورة التي أخرجته بها الآن. في سنة 1942 حاول مؤلفه السيد عبد المغني سعيد أن ينفس عن شعوره الجياش وأن يخرج جانباً من الكتاب باسم (تيارات الإحلال وتيارات الحرب في مصر)، وحاول إذ ذاك أن يوضح خفايا فترة الانحلال، ويحلل اتجاهات الإصلاح، ويرسم المحاولات الارتجالية التي كادت تتمثل إذ ذاك في الأحزاب، وأن ينبه إلى ما شابها من خطأ، وما يصيب البلاد من ضرر لو لم يفسح للثورة الفكرية المحسوبة في الصدر مجال الظهور.

لقد بدت هذه المحاولة، ولكن لم يكن الوقت قد آن لنشوب الثورة في مصر. ولا لصدور التعبير عنها بمثل هذا المؤلف، فلم يفلت مشروع كتابه من مقص الرقيب.

واضطر إلى انتزاع أجزاء منه وتقسيم فكرته، بعد تهدئتها على فصول نشرت في الصحف، ولكن كذلك لم يكفه، فأعد من كتابه نسخا معدودة على الآلة الكاتبة، بعد أن أعاد كتابة ما نشر وزاد فيه من التوسع والصراحة.

لكن هذه الثورة لم تكن لترضيه، ولم يكن في الإمكان نشر الذي يرضي، فهرب النسخة الكاملة من معتقله في ألمانيا.

وهكذا كانت الثورة نفسها تحاول الظهور ثم يحول دون ظهورها ما حال دون ظهور الكتاب وأمثاله من رقابة، إن تشبهها بشيء فبقشرة الأرض الغليظة فوق ثورة محبوسة في صدر بركان.

وحدثت الثورة وظهر الكتاب (آن لهذا الشعب أن يفهم)؛ هذه في شهر يوليو سنة 52، وهذا في شهر سبتمبر سنة 52، ولكن تأليفه كما تقدم يسبق صدوره بكثير.

وليس الكتاب تاريخاً للثورة ولا شرحاً لمبادئها؛ ولكنه صورة منها. هو انفعالات قوية في اتزن. ثائرة ثورة العقل المقتنع لا الشعور الصاخب.

لم ينسج على منوال الكتب التاريخية ولا الأدبية. ولكن المنطق الذي يسوده منطق الثورة، منطق هذه الثورة بالذات لا أية ثورة اخرى؛ ففيه حكمتها ورصانتها، فيه صفوة التجاريب التي أنضجت مصر في ألوف السنين.

تترسم في خطى النهضة في محاولتها الفرار من محبس الكبت، بادئة بالمظهر العسكري في عهد محمد علي، ثم بالمظهر الأدبي من خطابة وكتابة، ثم بالمظهر القانوني من جدل ونقاش ومفاوضة إلى أن تتبلور فتجمع كل الخصائص والمزايا، وتتحرر من كل وجوه القص، فتقذف بالحواجز التي رقت وشقت ثم تدفعت فتهاوت.

في أسلوب السيد عبد المغني كما في أسلوب النهضة، اثر من تلك الاساليب؛ غير أنه كالنهضة سيد لما يستخدمه من وسائل التعبير.

ليست عسكريته وسيلة عامة لغاية خاصة. وليست لهجة استنهاضه دعاية للنوم في أجفان طفل يراد إيقاظه. وليست قانونيته مغالطة يقصد بها إخضاع الحق لمنطق تشريعي.

ولكن عسكريته صراحة، ودعوته الوطنية فكرية تذاوبت فيها العاطفة، فهي إقناع يجر الإرادة لا وخز يهيج الشعور. وليست قانونيته جدلا ولكنها حكم.

(آن لهذا الشعب أن يفهم) والذي آن له أن يفهمه هو ما احتواه الكتاب من صورة للثورة يحدد اهدافها، لا مشيرا إليها عن بعد ولكنها متجها نحوها.

فلمن شاء أن ينتقل إلى أهداف الثورة أن يقرأ هذا الكتاب ليخلص من اثر الماضي عليه من جدل لا يراد به الإقناع، واهتياج لا يراد به الاستقرار، واضطراب لا يقصد به إلى الهدوء هو ثورة ولكنها منطقية، وهو منطق ولكنه ثائر.

احمد عوض

مستقبل الإسلام تأليف الأستاذ محمد عبد القادر العماوي

للأستاذ عبد السميع المصري

هذا هو الكتاب الثاني الذي يتحدث فيه الأستاذ محمد عبد القادر العماوي عن إمكانيات هذا الدين الحنيف. أما كتابه الأول الذي أصدره في العام الماضي فكان عنوانه (هذا هو الإسلام) ولقد تحدث الأستاذ العماوي في (مستقبل الإسلام) طويلاً عن أسباب الجمود الذي أصاب الدين خلال عصور التاريخ، والعوامل التي أدت إلى ذلك؛ كما تحدث عن تطور الأديان وقارن بين العقيدة في مختلف الأديان مقارنة مبنية على أسس من العلم والتاريخ، وبين كيف أن الإسلام نظام عالمي مرن متطور وفق حاجات الزمان والمكان، وما كان له أن يصل إلى هذه النتيجة قبل أن يعرج على نشأة الفرق الإسلامية والعوامل التي أثرت في تاريخها وأسباب ما رميت به من تعصب أعمى وأودى بالكثير من جمال تعاليم بعضها والأسباب الخفية لنشوء معظم الفرق الإسلامية.

ثم يخلص من كل هذا البحث التاريخي العلمي إلى النتائج الطبيعية له وأثره في الإسلام ووجوده كقوة عالمية ثالثة وإمكانيات هذه القوة ومستقبلها بين الكتلتين الشرقية والغربية التي تتنازعان اليوم، لكنه في هذا المكان من الكتاب وقد جعله خاتمته يختصر القول اختصارا ويجمله إجمالاً ويكتفي بالتلميح دون التصريح وهو لب الكتاب وأس موضوعه. . وكأني به يخشى الإفصاح عما في نفسه أو يتهيب الرقيب الحسيب ويخشى مغبة آرائه الحرة، ويقيني لو أن الأستاذ العماوي تأخر في إصدار كتابه أياماً لكان له شأن غير الشأن ولأجرى القلم بما يشاء وأفاض فيما يريد، ولعله فاعل ذلك في الطبعة الثاني إن شاء الله تعالى.

ومن أمثلة هذا الاختصار المخل ما جاء في الصفحة 209 من قوله (لكن الإسلام لم يكتف بذلك وإنما يريد أن يقضي في صراحة وقو على ميكروب النظام الطبقي الذي ينشأ عادة من سوء التوزيع الاقتصادي للدولة فيوجب ضرورة التوازن في دخل الأفراد وبذلك يقضي على كل العوامل التي ينشأ في ظلها الربا والاحتكار).

هذا كلام جميل يحتاج إلى كثير من التفصيل ويحتاج إلى أن يبين لنا الأستاذ العماوي الوسائل العلمية التي لا تتعارض مع روح التشريع الإسلامي وتحقق هذه الأهداف الجليلة؛ ويكون بذلك قد أدى خدمة لله والوطن. وفي مكان آخر (ص213 يعرض الأستاذ المؤلف لنظام الإسلام في صورة اشد غموضا وأبهم فيقول. . (إننا لا نحب أن نخدع أنفسنا فنتمسك بالقشور على اللباب فإذا كنا حقيقة نحرص على بلوغ ما رسمه الإسلام من غايات فالسبيل إلى ذلك الانتقاض عن هذه النظم التي تسير على حياة العالم وما يتحمله من أساس العدالة ومن نظام في الحق والسياسة والاجتماع لا يبتعد كثيراً عما شرعه الإسلام للعالم وكان بودي لو أن المؤلف أوضح لنا النظام الذي يراه موفقاً ما شرعه الإسلام والنظم الغربية القائمة؛ أو ما يحقق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولا يتعارض مع روح الإسلام ولا روح العصر! أما ترك الأمر للحدس والتخمين فلا والطريق العلمي الذي اخذ المؤلف به نفسه.

والكتاب بعد ذلك مجهود قيم وخطوة جريئة موفقة الأستاذ العماوي نرجو أن تتبعها خطوات إن شاء الله.

عبد السميع البصري