مجلة الرسالة/العدد 1013/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 1013/البَرِيدُ الأَدَبِي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 12 - 1952



اقتراح بإنشاء (مجمع فكري) بمناسبة إنشاء وزارة الإرشاد

لعل أمة من الأمم سواء في التاريخ القديم أو الحديث لم تكن أحوج من

مصر في يومها الحاضر إلى التوجيه والإرشاد القوميين - وليس

ازدياد حاجتها لذلك نتيجة عيب أو نقص.

ولكن كثرة ما توارثته من عناصر الحضارة واختلافها الشديد مع كثرتها في الوسائل والغايات؛ ولأنها وهي وسط بين أمم مختلفة المذاهب متباينة المشارب قد تشبعت فيها وجوه الرأي في حديثها مع تهيئتها بحكم اختلاف الوراثات لهذا التشعب واستعدادها لمرونتها إلى الأخذ من كل شيء بطرف.

في مصر لا يزال أثر من وجوه النظر التركية إلى جانب آثار عميقة من التقاليد العربية وأخرى من العادات الفرعونية. وهي في اليوم الحاضر ملتقى ثقافات غربية متنوعة العناصر، وأخرى شرقية مختلفة الأصول. وبعض هذا وذاك قد تلقته من الآباء والأمهات والمصلحين، والبعض مدسوس عليها من المستعمرين والغاصبين والحكام الطاغين.

وفي مصر دوامة من آراء وأحاسيس ومشاعر، ولقد بذلت في العصور الأخيرة محاولات تلقائية لا نقول من الزعماء ولكن دفع إليها الزعماء من إحساس باطن في الأمة إلى وجوب توحيد الهدف وتوحيد الوسائل إليه. ولقد استجاب إلى هذا الإحساس من أصاخوا إلى صوته في الضمائر أو سمعوه من أعالي المنابر أو من آثار الأقلام والمحابر. ولكن الاستجابة لم تكن شاملة ولا كاملة لانتشار الأمية ولأن الزعماء كانوا أحرص على الظهور بشخصياتهم منهم على بث المبادئ في البيئة.

صيحة النهضة الحاضرة بالاتحاد والنظام والعمل إنما بدأت بما يجب البدء به نتيجة إحساس عميق بالافتقار إليه. وما احتاجت مصر إلى هذه الصرخة المدوية إلا لتعدد آثار الثقافات. واختلاف ألوان الحضارت، وإن شئنا الإنصاف فلتعدد ألوان الطامع واختلاف آثار المظالم أيضاً.

أدبنا العربي تراث عظيم الضخامة ولئن لم يرتو منه الكل بسبب انتشار الأمية فلقد تأثر به الكل كما تتأثر الأرض بالمياه الجوفية. وفيه من المتناقضات لطول عهده ولأنه وإن كان أدب لغة واحدة فهو جماع آداب لأمم مختلفة في عصور متباينة تحت ظروف لا تكاد تتشابه. ولم ينقد هذا الأدب الطويل العريض نقدا مميزاً.

وأدب الأمم الأخرى المعاصرة نشأ في عهد أقرب وفي بيئات أكثر اندماجاً وظروف اكثر تشابها فلم تحتج كحاجتنا إلى التوجيه والإرشاد.

ابتعدت الأمم الأخرى في عصورها القريبة عن محنة الاستعمار وتعدد المستعمرين واختلاف آثارهم - كل ذلك كون لكل دولة شخصية اكثر تماسكاً وأكبر استقلالاً. وتلك مزية فيهم والمزية كما يقولون لا تقتضي الأفضلية؛ ففينا مقابل هذه مزايا من عمق الأيمان. ومن الصبر والاطمئنان. ومن المرونة الاستعداد للتطور. ولكننا بما لنا وعلينا في حاجة اكبر إلى إلغاء أهداف وإلغاء وسائل. والتخلي عن آراء وهجر عادات ومحاربة تقاليد الاندماج بعد ذلك في موكب واحد نحو هدف واحد.

ذلك كان إحساس الأمة التي عبرت عنه بصيحتها في فجر نهضتها إذ تهتف قلوبها على السنة قادتها بالاتحاد والنظام والعمل.

ولقد كان إنشاء وزارة جديدة للدعوة والإرشاد وسيلة لتحقيق هذا الاتحاد، لكنه ليس بمأمون مع ذلك أن تتشعب وتتفرع وتنداح وتنساح فكرة تبدو اليوم موحدة وتجري عليها سنة الخلق من توالد وتكاثر.

وليست الوزارات بالعمل الذي ينشأ من أجل ليلة وضحاها، وإنما هي للغد البعيد وما يليه. وضمانا للتوحيد في كل ما تقدم مما اختلف على طول العصور يجمل أن توضح البرامج الواسعة النطاق - ما كان منها صالحا للتنفيذ اليوم وما كان منها منظما للآمال والغايات البعيدة.

وسبيل ذلك التأليف بين رجال الفكر الدارسين ورجال الفن الحساسين. ونحسب هذا لا يكفل إلا بإنشاء الأكاديمية المصرية التي طال انتظارها (مجمع فكري).

ومجمع اللغة العربية والمجمع العلمي لم يكونا إلا خطوتين في سبيل هذه الغاية. ووزارة الإرشاد خطوة ثالثة. وإنما ينظم هذه الخطوات مجمع من رجال الفكر يكون كل رجاله من المؤلفين والدارسين فهؤلاء أكفل لحياة الوزارة الجديدة من مديرين ووكلاء وموظفين. إن يكونوا اليوم بحكم جدة النهضة من لامس أغراضها فإنهم في الغد لن يكونوا كسائر الموظفين.

نحن ندعو إلى مجمع من مجامع الخالدين ليكون على رأس المصالح التي ضمتها الوزارة الجديدة.

الإسكندرية

احمد عوض

الأزهر. . والثورة

لقد أحدثت الثورة المباركة انقلاباً خطيراً في كل مرافق الدولة، وخطت خطوات موفقة في سبيل الإصلاح. وقطعت شوطاً بعيدا في سبيل التطهير وقطع دابر المفسدين، وكان لهذا الانقلاب الخطير أثر في نفوس الشعب كافة، وما دامت الثورة قد أحدثت هذا الانقلاب العظيم فما لنا نرى الأزهر لا يزال متمسكا بجموده، متشبثا بالماضي العقيم؟ إن الأزهر يحتاج إلى انقلاب عام شامل في كل ناحية من نواحيه وفي كل شأن من شؤونه.

اجل: فإن الكتب الأزهرية التي الفت في عهود غابرة وبأسلوب عقيم - لا يتفق مع عقول الطلاب - لا زالت هي التي تدرس إلى اليوم، وأنها لمحشوة بالأساليب المعقدة والمسائل التافهة، ومع ذلك فهي بعيدة كل البعد عن حياتنا العامة. . فالطالب الأزهري يقضي زهرة شبابه بين هذه الكتب البالية ثم يخرج بعد أن نبت الشيب في رأسه ليرى الحياة حوله لا تتفق وهذا الجمود الذي يتصف بها الأزهر، إن الحياة تسير والنظم تتغير والأساليب البالية تزول، وذلك حسب سنة التطور ولكن التطور لم يدخل الأزهر بعد، لذلك يحتم الأزهر على الطالب الذي يريد الالتحاق به أن يكون حافظاً للقرآن كله، وقد كان هذا الشرط يجوز ويكون مقبولاً منذ ربع قرن مضى. . أما الآن وقد انتشرت المدارس الابتدائية في كل قرية فلم يعد هذا الشرط مقبولاً أبداً، وغير ذلك يجب أن تدرس إحدى اللغات الأجنبية في معاهد الأزهر، ويجب أن يوحد زي الطلبة فوراً، فقد أصبحت مسألة الزي هذه مهزلة المهازل! فهناك من يرتدي الزي الأزهري ومن يرتدي الزي الإفرنجي ومن يكتفي بالجلباب أو (البيجاما). كل هذه أمور من شأنها أن تحتل المكان الأول من اهتمام المسئولين في الأزهر، وذلك حتى يتجاوب الأزهر مع روح العهد الجديد، وهي أمور كلها تجيش من آن لآخر أردت أن أضعها نصب أعين ولاة الأمور في لأزهر على سبيل الذكرى. فالذكرى تنفع المؤمنين.

محمود حمدي زقزوق

حضرة

قرأ كلمة لأحد الباحثين قال فيها إن (حضرة) بمعناها الحالي كلمة تركية دخيلة وهذا ليس صحيحا وإليك النصوص اللغوية:

جاء في شرح القاموس ما نصه: حضرة الرجل قربه وفناؤه، ووفي حديث عمرو بن سلمة الجرمي (كنا بحضرة ماء) أي عنده، وكلمته بحضرة فلان أي بمشهد منه، قال شيخنا وأصل الحضرة مصدر بمعنى الحضور كما صرحوا به ثم تجوزوا به تجوزاً مشهوراً إلى مكان الحضور نفسه ويطلق على كل كبير يحضر عنده الناس كقول الكتاب أهل الترسل والإنشاء. الحضرة العالية تأمر بكذا، والمقام ونحوه - وهو اصطلاح أهل الترسل كما أشار إليه الشهاب في مواضع من شرح الشفاء هـ

وجاء في (صبح الأعشى ج6 ص498) في مبحث الألقاب:

الثامن: الحضرة والمراد بها اللقب. . وهي من الألقاب القديمة التي كانت تستعمل في مكاتبات الخلفاء وكان يقال فيها الحضرة العالية والحضرة السامية وتستعمل الآن في المكاتبات الصادرة من الأبواب السلطانية إلى بعض الملوك ويقال فيها الحضرة الشريفة العالية والحضرة الكريمة العالية والحضرة العلية بحسب ما تقتضيه الحال الخ. . وكثير من كتاب الزمان يظنون أن هذه الألقاب الأصول أو أكثرها أحدثها القاضي شهاب الدين أبن فضل الله وليس كذلك. . الخ. وجاء في (محيط المحيط) المولودون (المحدثون والمتأخرون) يستعملون الجناب لأكابر الناس بمعنى الحضرة فيقولون: ننهي إلى جنابك مثلا أي نلقي كلامنا بين يديك وذلك في الأصل؛ ثم توسعوا حتى بلغوا الجناب لغوا يراد به مجرد التعظيم، فيقولون هذا غلام جنابك أي غلامك ا. هـ.

من هذا يتبين أن (حضرة) عربية صحيحة ولكنها تطورت، والاستعمالات المجازية صحيحة بل فصيحة.

علي حسن هلالي

بالمجمع اللغوي