مجلة الرسالة/العدد 1015/الميسر والأزلام

مجلة الرسالة/العدد 1015/الميسر والأزلام

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 12 - 1952


7 - الميسر والأزلام

للأستاذ عبد السلام محمد هارون

الأزلام المدنية

لم يكن نظام الاستقسام بالأزلام نظاما موحدا يظله ظل الوثنية، بل كان إلى جانب هذا النظام الديني نظام آخر مدني يلمحه الباحث من ثنايا أخبار العرب

1 - جاء في اللسان تعليقا على قول سراقة: (فأخرجت الأزلام)، قال: (وهي القداح التي كانت في الجاهلية، كان الرجل منهم يضعها في وعاء له فإذا أراد سفرا أو رواحا أو أمرا مهما أدخل يده فأخرج منها زلما، فإن خرج الأمر مضى لشأنه، وإن خرج النهي كف عنه ولم يفعله)

2 - وجاء فيه أيضا: (وربما كان مع الرجل زلمان وضعهما في قرابة، فإذا أراد الاستقسام أخرج أجدهما)

3 - وقال أبو حيان: (وأزلام العرب ثلاثة أنواع: أحدها الثلاثة التي يتخذها كل إنسان لنفسه، في أحدها (افعل) وفي الآخر (لا تفعل)، والثالث غفل، فيجعلها في خريطة، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده في الخريطة منسابة وائتمر بما خرج له من الآمر أو الناهي. وإن خرج الغفل أعاد الضرب.

ثم ذكر النوع الثاني، وهي القداح السبعة التي كانت عند (هبل)، والنوع الثالث وهي قداح الميسر.

علة تحريم الاستقسام بالأزلام

أما الاستقسام بها على الوجه الديني المتقدم فلم يختلف العلماء في تحريمه وأنه فسق، لأنهم كانوا يلجئون إلى الأنصاب وبيوت الأصنام، وكانوا يظنون أنها هي التي تخرج لهم في القدح ما يمتثلونه.

قال الزمخشري: (فإن قلت: لم كان استقسام المسافر. . وغيره بالأزلام لتعرف الحال فسقا؟ قلت: لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوب، وقال: لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله، واعتقاد أن إليه طريقا إلى استنباطه. وقوله أمرني رب ونهاني ربي افتراء على الله، وما يدريه أنه أمره أو نهاه. والكهنة والمنجمون بهذه المثابة. وإن كان أراد بالرب الصنم - فقد روى أنهم كانوا يجيلونها عند أصنامهم - فأمره ظاهر).

وأما الاستقسام بها على الوجه الآخر الذي لا تدخل فيه الأصنام ولا تستشار الكهان فأمر اختلف فيه العلماء كما اختلفوا في طلب معرفة الغيب بأي وسيلة من الوسائل.

قال الآلوسي: (واستشكل تحريم ما ذكر بأنه من جملة التفاؤل، وقد كان النبي يحب الفأل)

القرعة

بضم القاف، واشتقاقها من القرع بمعنى الضرب. قال ابن فارس: (والإقراع والمقارعة هي المساهمة، سميت بذلك لأنها شيء كأنه ضرب)

والقرعة قديمة عند العرب، ولها طرق شتى:

1 - فعن سعيد بن المسيب أنه كان يأخذ الخواتم فيضعها في كمه، فمن أخرج أولا فهو القارع.

2 - وقال أبو داود: قلت لأبي عبد الله في القرعة: يكتبون رقاعا؟ قال: إن شاءوا رقاعا، وإن شاءوا خواتمهم.

3 - وعن الأثرم، قلت لأبي عبد الله: كيف القرعة؟ فقال: سعيد بن جبير يقول بالخواتيم أقرع بين اثنين في ثوب، فأخرج خاتم هذا وخاتم هذا. قال: ثم يخرجون الخواتيم ثم ترفع إلى رجل فيخرج منها واحدا. قلت لأبي عبد الله: فإن مالكا يقول: تكتب رقاعا وتجعل في طين. قال: وهذا أيضا. وقيل لأبي عبد الله: إن الناس يقولون: القرعة هكذا، يضم الرجل أصابعه الثلاث ثم يفتحها. فأنكرها وقال: ليست هكذا.

4 - وجاء في صحيح البخاري (في حديث الإفك)، عن عائشة: (كان رسول الله ، إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه). قالت عائشة: (فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت معه بعد أن أنزل الحجاب)

5 - وعقد البخاري في صحيحه بابا سماه (باب الاستهام في الأذان)، قال فيه: (ويذكر أن قوما اختلفوا في الأذان، فأقرع بينهم سعد).

قال ابن حجر: (قال الخطابي وغيره: قيل له الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسمائهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء، فمن خرج سهمه غلب)

وكان من خبر هذا الأذان الذي حدثت فيه القرعة، ما رواه البيهقي عن ابن شبرمة قال: (تشاجر الناس في الأذان بالقادسية فاختصموا إلى سعد فأقرع بينهم). وكان المسلمون في الصدر الأول يعدون الأذان أمرا خطيرا يسعون إليه، ويحفظون في ذلك ما واه أبو هريرة من قوله : (لو يعلم الماس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لا ستهموا، والمراد بالنداء في هذا الحديث هو الأذان.

وروى الطبري في تاريخه حادث هذا الأذان رواية عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق قال: (اقتحمنا القادسية صدر النهار فتراجعنا وقد أتى الصلاة، وقد أصيب المؤذن، فتشاح الناس في الأذان حتى كادوا أن يجتلدوا بالسيوف، فأقرع سعد بينهم، فخرج سهم رجل فأذن). وسعد هذا هو سعد بن أبي وقاص.

6 - وقال ابن سيرين حين بلغه أن عمر بن عبد العزيز أقرع بين الفطم: (ما كنت أرى هذا إلا من الاستقسام بالأزلام.)

فأنت ترى أن القرعة تمت بسيب إلى الاستقسام والأزلام، ولكنها لا تمت إليه بسبب الحرمة، إلا أن يترتب عليها ضياع حق مشروع، أو تطاول إلى معرفة الغيب وادعائه. أما إذا جعلت وسيلة لفض نزاع، أو تخل عن مسئولية المحاباة والأيثار، أو لاستعلان البراءة عن الميول الشخصية، فلا ريب أنها في تلك الحال تكون أمرا مستحسنا

القرعة في الكتب الدينية القديمة

قد مر من طرق القرعة ما كان من أمر زكريا ويونس عليهما السلام، وكان في الآيتين الكريمتين اللتين وردتا بشأنهما حجة من حجج الأئمة الأربعة في تجويز القرعة بناء على القاعدة تقول: (شرع من قبلنا شرع لنا).

وكانت القرعة عند الإسرائيليين بمثابة استدعاء للأمر الإلهي في القضايا التي تعرض لهم. جاء في سفر الأمثال (16: 33): (القرعة تلقى في الحضن ومن الرب حكمها). وهذه الكلمة تسجل أيضاً صورة من صور مزاولة القرعة التي تلقى بها القرعة في أحضان المتقارعين.

فكان الإسرائيليون يلجئون إلى استفتاء القرعة في كثير من القضايا

1 - منها تبيين المذنب والمخطئ إذا اختلفوا فيه: (فقال شاول: ألقوا بيني وبين يوناثان ابني. فأخذ يوناثان). صموئيل الأول (14: 42).

2 - وتقسيم البلاد المقدسة بين الأسباط: (إنما بالقرعة تقسم الأرض. حسب أسماء أسباط آبائهم. يملكون حسب القرعة. يقسم نصيبهم بين كثير وقليل). العدد (26: 55، 56). وانظر أيضاً سفر يشوع الإصحاحات 13 - 18

3 - وفي مزاولة الواجبات الدينية جاء في الإصحاح الأول من إنجيل لوقا عن الكلام على زكريا: (فبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الله حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر).

4 - واختيار الحيوان للذبيحة المقدسة: (ويلقى هارون على التيسين قرعتين: قرعة للرب وقرعة لعزازيل. ويقرب هارون التيس الذي خرجت عليه القرعة للرب ويعمله ذبيحة) لا ويين (16: 8 - 9).

وقد استعملها أيضاً (أعداء) الإسرائيليين، جاء في سفر (أستير) أن هامان الوزير أراد أن يهلك اليهود، فكان يصطنع القرعة لكي يعرف الوقت المناسب للفتك بهم في جميع أقطار الأرض: (في الشهر الأول أي شهر نيسان في السنة الثانية عشرة للملك أحشو يروش كانوا يلقون (فورا) أي قرعة أمام هامان من يوم إلى يوم ومن شهر إلى شهر إلى الثاني عشر، أي شهر آذار) وقد استمرت هذه القرعة سنة كاملة. ولكن هامان أخفق في سعيه لدى الملك، وذلك بالجهود المضادة التي بذلها أستير ومردخاي اليهوديان، الذين تمكنا من إحفاظ الملك على وزيره حتى صلبه في اليوم الثالث عشر من شهر آذار، فاتخذ اليهود يومي 14، 15 من هذا الشهر عيدا سموه (عيد الفوريم) جمع (فورا) وهي القرعة التي كان يصطنعها هامان لتعين موعد الإبادة.

واستعملها المسيحيون أيضا:

1 - فبها انتخب متياس: (ثم ألقوا قرعتهم فوقعت القرعة على متياس، فحسب مع الأحد عشر رسولا) أعمال (1: 26)

2 - واقتسمت ثياب المسيح عليه السلام (اقتسموا ثيابه مقترعين عليها) إنجيل متى (27: 35) ومرقس (15: 24) ولوقا (23: 24) والمزامير (22، 18)

للبحث بقية

عبد السلام محمد هارون