مجلة الرسالة/العدد 1016/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 1016/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ أنور الجندي
مؤتمر للأدب
يزور القاهرة هذا الأسبوع الكاتب السوري الأستاذ سامي الكيالي صاحب مجلة (الحديث) التي تصدر في حلب.
كما حضر من بين أعضاء الوفد المرافق للزعيم السوري الكبير العقيد (أديب الشيشكلي) الكاتب المعروف الأستاذ (قدري قلعجي).
وقد كان من الأماني الغالية ألا تحول المشاغل المختلفة لضيفي مصر دون التقائهما بأدباء مصر. فإن في مثل هذا اللقاء كسبا كبير للأدب العربي.
وإني لأتساءل لماذا لا يكون للأدباء (لجنة أدبية) شعبية على غرار اللجنة السياسية في الجامعة العربية.
ولماذا لا يعقد مؤتمر أدبي عام من أدباء الشرق، مرة كل عام في القاهرة أو بغداد أو دمشق يستمر أسبوع أو أسبوعين ويضم أدباء العرب في هذه البلاد، ليتفاهموا على كثير من المسائل والمشاكل التي تهم الأدباء، بخاصة في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الحياة الأدبية واحتاجت إلى دراسة وبحث.
فالأدب يقاسي في هذه الأيام الكثير من المتاعب والعقبات في سبيل أداء رسالته، بعد أن شغل الناس عنه بالصحافة وما تقدمه الصحافة من زاد قليل قد يكون في بعض الأحيان رخيصا وقد يكون تافها.
ولا شك أن مشكلة التقاء الصحافة بالأدب في هذا العصر من أعقد المشاكل التي يجب أن يواجهها الأدباء.
وفي مصر مجلة الرسالة والثقافة والكتاب، وفي سوريا مجلة الحديث وفي لبنان مجلة الأديب وفي الأردن مجلة القلم الجديد، وكل هذه مجلات تقوم على الأدب الخالص وترفع مستواها عن الأساليب الصحفية والألوان السريعة أو الرخيصة، وهي ولا شك تقاسي من جراء ذلك الكثير من المتاعب، ولا تستطيع أن تنهض وحدها بالعبء على الوجه الذي يرضي الأدب ويرضي القائمين عليها.
ولا شك أن الدولة مسئولة عن الأدب كمسئوليتها عن التعليم والثقافة أو كجزء من التعليم والثقافة، ولذلك فإن لهذه المجلات الأدبية وهؤلاء الأدباء الحق في حياة كريمة، ولن يتاح لهم ذلك إلا إذا قامت الدولة برعاية الأدب، وإنشاء رابطة جديدة بين الكاتب والناشر من ناحية، وبين الأديب وفنه من ناحية أخرى. . تكون بعيدة عن كل عوامل الاستغلال. فالأديب يجب أن يخلص للأدب ويتجرد له، ولذلك فهو يحب أن يطمئن على معيشته وحياته أولا. فإذا توافر له هذا استطاع أن ينتج وأن يصل إلى حد بعيد في الإجادة وبذلك يكسب الأدب كثيرا.
والأديب مضطر إذا هو التجأ إلى الصحافة أو إلى التدريس أو إلى الوظيفة ليعيش منها، ثم يخلص بعض وقته للأدب. . .
نحن لا نطالب برعاية الدولة على الأساليب المعروفة بأن تشرف الدولة على الأدب أو تفرض سلطانها عليه أو تجعله مصلحة من مصالحها أو مرفقا من مرافقها. . وإنما نحب أن تبذل له المال حتى ينمو وحتى يقوى.
إن البلاد العربية الآن تواجه نهضة قوية في الاجتماع والاقتصاد والسياسة. . وبقى أن تواجه مثل هذه النهضة في ميدان الفكر والأدب والفن الرفيع.
. . إن الذين يعملون في ميدان السينما أو المسرح أو غيرهما من ألوان التسلية يعيشون في مستوى مادي رفيع، على عكس الذين يعملون في ميدان الأدب والفكر.
ويكفي أن تبقى هذه الكلمة القاسية (إن الأدب ليس موردا للرزق في مصر ولا يمكن الاعتماد عليه وحده) لتصور الحكمة البائدة (أدركته حرفة الأدب). . .
وبينما الصحافة تقفز قفزات واسعة، ويصل أصحابها والقائمون عليها والمشتغلون بها إلى كل مكان مرموق. . يظل الأدباء في المؤخرة. ويعيشون على فتات موائد الصحافة أو موائد المسرح والسينما.
أسوق هذا بمناسبة زيارة الأديبين السوريين إلى مصر، وأطالب الأدباء بعقد دورة سنوية لمؤتمر أدبي وفكري عام لبحث هذه المسائل ودراستها أشبه بمؤتمر البندقية.
مجلة مجمع فؤاد الأول للغة العربية
ومن الأمثلة القاسية على ضعف الروح الأدبية (مجلة) مجمع فؤاد الأول للغة العربية فقد حصلت على العدد الأخير من هذه المجلة، وهو الصادر في 1951 فوجدته يحوي الموضوعات والخطب والكلمات التي ألقيت في المجمع عن سنة 1946 ومعنى هذا أن دراسات وموضوعات متعددة عن أكثر من خمس سنوات لا تزال بعيدة عن النور، ولن يستفيد منها أحد إلا بعد سنوات وسنوات إذا ظلت الحال على هذا المنوال. وقد علمت أن السبب الذي يعوق هذه المجلة عن الصدور هو عجز مطبعة بولاق عن طبعها وطبع أعمال المجمع على الجملة لانشغالها بطبع الكتب المدرسية والأوراق الرسمية ومحاضر البرلمان. فعسى أن تعمل وزارة المعارف على أن يكون للمجمع اللغوي مطبعة خاصة تطبع معاجمه ومحاضره ومجلته.
الموسوعة العربية
من أنباء هذا الأسبوع أن اللجنة الثقافية للجامعة العربية المكونة من الأساتذة شفيق غربال وأحمد أمين وبديع شريف وخير الدين الزركلي قد اجتمعت وقررت وضع موسوعة عربية تتضمن أسماء العلماء العرب في الآداب والعلوم والاجتماع والرياضة.
ونحن في الواقع في أشد الحاجة إلى (الموسوعات) في هذا العهد الذي يسرت فيه الدول الغربية وسائل التثقيف والمراجعة، فأعدت أنواعا مختلفة من الموسوعات، بحيث لا يحتاج الباحث أو الكاتب أو القارئ إلى طويل وقت ليتمكن من الكشف عن لفظ أو بلد أو معرفة علم من الأعلام.
وقصة الموسوعة العربية في مصر قديمة جدا، وقد كان أول من أعدها في العصر الجديد الأستاذ فريد وجدي وقد مضى على ذلك ربع قرن. . . أصبحت (دائرة معارف القرن العشرين) بعدها غير صالحة لعصرنا الذي تتغير المعلومات والآراء والأبحاث العلمية والأدبية فيه وتتحول من عام إلى عام!
. . أما دائرة المعارف الإسلامية فقد حال ضعف الموارد المادية دون إتمامها مع الأسف الشديد.
وتمكن الأستاذ (أحمد عطية الله) بجهده الفردي أن يخرج دائرة المعارف الحديثة لتكون في متناول القارئ السريع، أو الباحث المتعجل. وقد علمت أنه يعد موسوعة أخرى من نفس النوع تمكن لمن يريد الإلمام بموضوع ما أن يحصل على رغبته على نطاق واسع.
وإذا كان من الواجب أن تشجع الدولة هذه الجهود الفردية وتوليها عنايتها، فإن الجيل الجديد يطلب مراجع أوفى وأكثر عناية وتنوع.
وقد حدثني الأستاذ عطية الله أنه يعد موسوعة تاريخية عن عظماء مصر من (مينا) إلى اليوم، وأنه قد اشتغل بإعدادها منذ أكثر من عشرين عاما ولم يتمها بعد.
وإلى جوار هذا نحن في حاجة إلى موسوعات أخرى من أعلام العالم. . وفي حاجة إلى موسوعات عن البلاد والمدن والمواقع الحربية والانقلابات والثورات والأحداث.
وإننا وإن كنا نشك في أن الجهود الرسمية تستطيع أن تحقق ما نرجو، فإننا نرجو أن يتاح لجهود اللجنة الثقافية بالجامعة العربية النجاح المأمول.
بين الأدب والسينما
كان الدكتور محمد حسين هيكل من بين الكتاب المجددين في خلال النهضة الأدبية الأولى التي أنشأتها مجلة السياسة 1923 بالاشتراك مع طه حسين والمازني وغيرهما.
ولا ينكر المؤرخ أنه وضع أول قصة مطولة في الأدب العربي الحديث وهي قصة (زينب) التي عدها المستشرقون محاولة طيبة وبداية موفقة لهذا الفن الجديد في مصر.
ثم تعددت الألوان القصصية واتسع نطاقها وكتب المازني (إبراهيم الكاتب) و (إبراهيم الثاني) وترجم الزيات (رفائيل) (وآلام فرتر).
ثم ظهر اللون الإسلامي في (على هامش السيرة) لطه حسين والحوار في (أهل الكهف) لتوفيق الحكيم.
وبين الفترة التي كتبت فيها زينب 1917 و1952 مراحل تطورت فيها القصة من لون إلى لون. ونشأت القصة المسرحية والسينمائية وغيرها.
وتطور الدكتور هيكل نفسه فأنتقل من النقد الأدبي إلى (التاريخ) فكتب حياة محمد والصديق والفاروق وفي منزل الوحي وغيرها. . ثم انتقل مرة أخرى إلى الحياة السياسية الخالصة.
وظل الأمر كذلك حتى فوجئ الناس بقصة (زينب) نعرض على الستار الفضي هذه الأيام. وظن الكثيرون وكنت منهم، أن الدكتور هيكل قد تناول قصته عندما طلبت للسينما فأعدها إعدادا جديدا، وواءم بينها وبين تطور الأدب والفن والقصة والزمن، وجعلها قريبة إلى متناول الناس، وكان هذا ولا شك معقولا، فإن الدكتور هيكل يجب أن يضن بمكانته الأدبية على أن تكون موضع النقد الشديد حين يقدم قصة، كتبت سنة 1917 للسينما سنة 1952. وهي خالية من الحبكة ومن العقدة ومن كل فنون القصة الحديثة.
ونحن نعلم أن قصة زينب كتبت للقراءة، لا للتمثيل ولا للسينما، ولذلك فقد كان إقحامها على هذا الوجه، ودون أن يحاول الدكتور أن يجعلها في مستوى الفن الذي يعيش فيه الناس الآن. . كان موضع الهمس في الدوائر الأدبية المختلفة.
ولم يكن يضير الدكتور هيكل شيئا أن يكون الأديب والناقد والمؤرخ. . وألا يكون الكاتب السينمائي على الإطلاق!
تحرير خبر
تلقيت نصح الأديب محمود بخيت بكل تقدير وأرجو أن أكون عند حسن ظنه فأدخل الكثير من التجديد على باب الأدب والفن ابتداء من أول يناير في نهضة الرسالة الجديدة بإذن الله.
أما بالنسبة لما ذكره الأديب، فإنني قد تناولت أسبوع (الرسول) بصفة عامة سواء ما كان منه في ندوة الشبان المسلمين أو الصحف أو الإذاعة، ولم أقصر اشتراك مخيمر وشعلان والعمادين على الندوة وحدها، فقد اشتركا في الذكرى سواء بنشر قصائدهم في الصحف أو إلقائها في الإذاعة.
وكذلك فيما يتعلق بالقصائد التي لقيت الاستحسان فقد كنت أقصد أن قصائد مخيمر والمنشاوي والتهامي في مجموع ما أذيع وألقى في المناسبة على وجه العموم.
أنور الجندي