مجلة الرسالة/العدد 1018/من هنا وهناك

مجلة الرسالة/العدد 1018/مِن هنا وهناك

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 01 - 1953



تدهور الفن القصصي في الأدب الأنجلوسكسوني:

هناك شبه إجماع بين النقاد على أن فن (القصة) في الأدب الإنجليزي قد تدهور في السنوات الأخيرة لا في الكمية بل في الكيفية.

وتدل الإحصاءات التي نشرتها إحدى المجلات الأدبية الأمريكية أن معدل ما يباع من القصة الإنجليزية الرائجة في طول أمريكا وعرضها لا يتجاوز 10 آلاف نسخة مع أن السوق الأدبية في البلاد الناطقين باللغة الإنجليزية يتجاوز 250 مليون نسمة.

وتصدر المطابع الأمريكية ما لا يقل عن 40 أو50 قصة في كل شهر بينماالمطابع البريطانية حوالي نصف هذا العدد.

أما العوامل التي أدت إلى هذا التدهور في القيمة الفنية للأدب الإنجليزي القصصي فعديدة. ويختلف النقاد في التعليل الصائب لهذه العوامل؛ إلا أن الكل متفق على أن وسائل الكاتب القصصي في الأدب الأنجلوسكسوني أصبحت عاجزة عن تحليل المشاكل الروحية والعقد النفسية التي ازدادت تشعباً في عالمنا الحاضر مما ألم به من التطورات الفكرية والسياسية والاجتماعية فجعلت الحياة اليومية فيه معقدة وعرة المسالك يحتاج الكاتب لسبر غورها إلى قوة فنية خارقة لا تراعي الاتجاه التقليدي الذي كان كتاب القصة في القرنين الماضيين مغرمين باتباعه في تحليل الأشخاص والحوادث.

ويعتقد هؤلاء النقاد بأن الأدب القصصي قد قصر عن اللحاق بالفن التصويري الذي يعتمد على الريشة والألوان؛ فمدارس الرسم الحديث قد أدركت ازدياد التعقد في مشاكل النفس والحياة المعاصرة فسعت إلى تصويرها في إطار الرمزية المجردة كما بذلك رسوم (بيكاسو) وغيره من أئمة الفن الغربي المعاصر.

وتقصير الأدب القصصي الإنجليزي تقصير في الثقافة الأنجلوسكسونية المعاصرة عن الإبداع الفني في تصوير الحوادث والأشخاص والانفعالات وشتى ألوان الإحساس الفني المطلوب في أداء الفن القصصي - هذا التقصير يعود إلى رغبة الكاتب في أن يوفر للقارئ تسلية أدبية لا متعة فنية تهدف إلى الصميم فتفرض على القارئ أن يشارك الكاتب في إحساسه الفني ومتعته العقلية.

ويشتكي النقاد كذلك من أن الأدب القصصي يجب أن يكون وسيلة إلى التسلية في أوقات الفراغ، فالواجب الفني فيه يفترض على الكاتب والقارئ معا المساهمة الجدية في تفهم مشاكل النفس والساعة كما تعكسها الانفعالات الصادقة للكاتب الفنان.

تجارب علمية جديدة لزراعة الأراضي الرملية

يعكف عدد من المهندسين الزراعيين في أربع مناطق مختلفة من مناطق العالم على التجارب العلمية لتنمية الزراعة في الأراضي الرملية الصحراوية. وقد نشرت مؤخرا معلومات عن النتائج التي وصل إليها هؤلاء المهندسون في تجاربهم هذه:

فمن ولاية (أريزونا) في الولايات المتحدة الأمريكية أعلن رئيس محطة التجارب التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية بأن الأراضي الرملية والصحراوية التي تؤلف جزاءاً كبيراً من تلك الولاية ستصبح بفضل وسائل العلم الحديث قادرة على إنبات الحبوب والغلات وبعض ألوان العشب الصالح للكلأ والمرعى.

ومن محطة التجارب الزراعية في ولاية (خاستان) الروسية في آسيا الوسطى نشرت السلطات الروسية معلومات تدل على أن الأرض الرملية في تلك المنطقة الصحراوية أثبتت بأن عقمها الزراعي لن يستطيع بعد الآن أن يقف أمام سلطان العلم الحديث؛ فقد نبتت الحبوب والغلال في أراض رمليةبتكاليف معقولة تساعد الزارع على استغلالها بصورة تجارية.

ومن أستراليا جاءت أنباء مشابهة. واهتمام أستراليا بالأراضي الرملية والصحراوية يعود إلى تكرر أزمات الجفاف الذي يصيب مناطق الرعي فيهلك الأنعام والأغنام. وفي مقر الأمم المتحدة في نيويورك تفرغ عدد منالخبراء لدراسة أفضل الوسائل لإخصاب الأراضي البور والمناطق الجرداء في الصحاري والقفار. ونشرت تقريراً مسهباً عن هذا الموضوع تلبية لرغبة أبدتها بعض الدول الآسيوية والإفريقية - منها مصر والمملكة السعودية والباكستان والهند - التي يتوفر لها مساحات شاسعة من الأراضي الجديبة، إذا استطاع العلم الحديث التغلب على عقمها أعان شعوب هذه المناطق وحكوماتها على زيادة الإنتاج الزراعي ورفع مستوى المعيشة بين السكان.

والأساليب التي يتبعها الخبراء لتنمية الزراعة في الأراضي الرملية والمناطق المقفرة تستند إلى وسائل فنية تحفظ الرطوبة التي يجلبها الشتاء إلى تربة تلك المناطق؛ وذلك بزراعة حوالي 20 صنفاً من أصناف النبات التي يعيش في مناطق خط الاستواء والمناطق الحارة، منها نبات الصرغم وبعض أنواع الذرة الاستوائية ونبات الصمغ. وهذه الأنواع من النبات تضمن استمرار الرطوبة إلى مدة من الزمن كافية لزرع الحبوب وأنواع العشب الصالحة للرعي التي تستطيع أن تعيش على هذه الرطوبة الكامنة

وقد عادت هذه التجارب بنتائج طيبة. فقد نجحت زراعة القمح والشعير في مناطق رملية لا يصيبها المطر ولا تصل إليها مياه الري. وتنشط الآن حكومات الدول المذكورة لتقيم هذه الأساليب في مساحات شاسعة من أراضيها الصحراوية القاحلة.

الفن والحياة كما يراهما الألمان

(أيكون الفن تصويراً لشيء يعرفه الناس أم يكون اكتشافاً لحقائق جوهرية عن الحياة لا يعرف الناس عنها شيئا وإنما يكشف القناع عنها الفنان المبدع؟)

هذا التساؤل هو موضوع لكتاب أخرجته للمطابع الألمانية مؤخراً وتلقفته الأوساط الأوربية الأخرى بالترجمة والتعليق. ومؤلفة الكتاب سيدة هي (جولي براون - فوجلستين) وقد وضعت له عنوان يعبر عن مضمونه (الفن: مرآة الحضارة الغربية)

وتتخذ المؤلفة الفن الغربي سجلاً للتطور العقلي والحضري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع في أوربا وأمريكا. وتحاول المؤلفة كذلك أن تثبت بأن التفسير التاريخي لبعض الحوادث في الحياة الغربية يعجز عن إظهار الحقيقة وراء هذه الحوادث؛ بينما يكون في مقدرة التفسير الفني لهذه الحوادث أن يلقي الضوء الصادق فيظهر هذه الحقيقة

وتسرد المؤلفة في لغة الفنان معادلات جبرية بين فن النحت الإغريقي وبين ظمأ قدماء الإغريق إلى معرفة الحقيقة المجردة في النظام الكوني ثم بين هندسة الفن المعماري في إمبراطورية روما وبين تعشق الرومان إلى توسعفي السيطرة والبذخ. وتلمس المؤلفة التفسير الحقيقي للتطور النفساني والعقلي للرجل الغربي في القرنين الماضيين وما ألم به من مسؤوليات جسام في علاقته مع التطور الحضري الذي اكتسح العالم الغربي. وتلتمس المؤلفة الحقيقة في هذا التطور في المذاهب الفنية الأوربية. فالتطرف الذي ألم ببعض هذه المدارس في التعبير أو في المظاهر الشكلية للرسم والنحت والموسيقى دليل على القلق الذي ألم بالحياة والنفس في العصور الحديثة؛ ورغبة الناس في تلمس نوع من الاستقرار النفسي. فتشعب المذاهب الفنية تعبير عن هذا القلق وبيان عن الرغبة في تحقيق الاستقرار بالثورة على التقاليد الفنية.

تحديد التراث الأوربي في دراسة أعلامه

تساءل المستر (ويليام باريت) صاحب مجلة (بارتيسان ويفيد) لسان الطليعة في الأدب الأمريكي قائلا: ما هو الإنتاج الذي سيعرف به الأدب الغربي الحديث؟ واتخذ المستر باريت أربعة من عظماء الأدب الأوربي المعاصر علماً على هذا الإنتاج هم: (بودلير) و (بول فاليري) الفرنسيان و (رينر ماريا ربلكه) الشاعر التشيكوسلوفاكي و (بنديتو كروتشي) المفكر الإيطالي الذي توفي في الشهر الماضي ويعتقد هذا الكتاب الأمريكي بأن من الصعب تحديد الإنتاج الخالد في الأدب الغربي الحديث؛ ولكن في استطاعة مؤرخي الأدب الغربي أن يتخذوا هؤلاء الأعلام الأربعة موضوعاً لهذا التحديد.

أما (بودلير) فالرأي بين النقاد السكسونيين وفي طليعتهم الشاعر العظيم (ت س. اليوت) أن بودلير في قرارته شاعر مسيحي برغم ما يشتم في كتاباته من إلحاد. وجدير بالذكر أن (جول بول سارتز) الفرنسي يخالف النقاد السكسونيين في (مسيحية) بودلير ويؤكد ذلك في دراسات نشرها مؤخرا عن مواطنه بودلير. وسارتر في دراسته الأخيرة يجرد بودلير من معظم المزايا الأدبية والروحية التي وفرت له مكانته المرموقة في الأدب الغربي الحديث.

ويصف النقاد السكسونيون (بول فاليري) بأنه شاعر يلعب في شعره بالمعادلات الرياضية ولذلك يتصف نظمه بالبرود والجفاف.

ولعل وصف فاليري بالجفاف الأدبي يعود إلى الثقافة العميقة التي توفرت لهذا الأديب الفرنسي الفحل، فطغت على إحساسه الشعري وقيدت بعض الأحاسيس الشاعرية الرقيقة التي لا بد أن تنزوي في استحياء أمام الإدراك الثقافي العميق.

أما عبقريةالشاعر التشكوسلوفاكي (رينر ماريا ربلكه) فلم تحظ بالدراسة والنقد العميق. فإذا جاز لنا أن نأخذ النقد الأدبي على أنه صنعة تهدف إلى إبراز العيوب أكثر مما تهدف إلى الإشادة بالإبداع الفني، فان النقاد حين يعالجون شعر (ربلكه) يميلون إلى اتهامه بالقصور في إبراز النواحي الدراماتيكية في الشخصية الإنسانية. وثمة أمر يتعصب النقاد في الغرب له عندما يدرسون شعر هذا العبقري الأوربي وهو سلبية (ربلكه) إزاء المسيحية ودعائمها الروحية والثقافية. ومع ذلك فقد حاول مؤخراً ناقد ألماني معروف وهو (هانس إيجون هولنوسن) بأن يثبت في دراسة عميقة للشاعر (ربلكه) أن قصائده قد ساهمت في تمجيد الإحساس الديني أكثر من أي نتاج شعري آخر.

ويحظى عميد الفكر الإيطالي المعاصر المرحوم (بنديتو كروتشي) بإجلاء الأوساط الفكرية وتقديرها العميق. فكروتشي علم على طلاقة الفكر والأدب والفن وانطلاقه من القيود التي يقيده بها السلطان والمجتمع. فهذا الشيخ الجليل، الذي تحدد موسيليني في أوج جبروته ورفض التعاون مع من ورثوا السياسة والحكم بعد موت موسيليني، عنوان على صلابة ومتانة الخلق حين تعتقد بما اعتقدت به عقلياً وروحياً، ولا بأس من أن تجهر بما تعتقد وتدافع عما تؤمن به حتى لو استدعى ذلك نقمة الواقفين للفكر الحر بالمرصاد.