مجلة الرسالة/العدد 1021/طَرَائِفَ وَقِصَصْ

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 01 - 1953



الزوجة الجديدة

عن الإنجليزية

كان على المنضدة المصنوعة على الطراز الياباني موقد يغلي فوقه وعاء من الشاي وبجانبه فنجان وزجاجة من الروم.

وكانت الكونتس تراقب صنعه وهي تنظر إلى وجهها في المرآة وترتب شعرها حين دخل الكونت (دي سالور) فرمى بقفازيه وألقى قبعته. وابتسمت الكونتس ابتسامة سرور عندما التفتت إليه وأصابعها الصغيرة البيضاء ترفع عن جبينها الناصع خصلة من الشعر الذهبي. ونظر إليها مترددا في القول كأن خاطرا هاما يشغل ذهنه ثم قال: (هل وجدت الالتفات الكافي في هذه الليلة؟) فقالت الكونتس (أرجو ذلك).

ثم تناول مقعدا وجلس أمامها وامسك بقطعة من الكعك وقال: (لقد كان ذلك التصرف محزناً).

فقاطعته قائلة: (وما الذي كنت تريد؟ هل كان يحسن أن يضحك الناس منا؟).

قال: (كلا يا عزيزتي؛ ولكنني أعني أنه لم يكن يليق أن يأخذ المسيو دي برويل بذراعك ويذهب. ولو كان من حقي أن أمنعه إذ ذاك لمعته).

فقالت: (كن طويل البال. إن آراءك اليوم ليست كآرائك من عام. وهذا كل ما في الموضوع. ولما رأيتك تتخذ خليلة ورأيت الحب بينكما ظاهراً اعتقدت أنه لا يسوءك أن يلتفت إلي إنسان. وقد شكوت إليك ذلك الحين كما تشكو إلى الآن. ولكنني كنت أكثر حكمة منك، فقلت: إن علاقتك بمدام دي سيفري تسبب لك ألماً. وقلت لك إنك تعرض نفسك للاستهزاء. فماذا كان جوابك؟ لقد قلت لي في صراحة إنك حر، وإن الزواج في نظر الطبقات الراقية إنما هو مظهر اجتماعي وليس عقداً أدبياً. ألم يكن هذا جوابك؟ وأفهمتني أن خليلتك أفضل مني وأرق أنوثة لقد كان هذا هو تعبيرك (أرق أنوثة) واتفقت منذ ذلك العهد معي على أن نعيش في منزل واحد على أن يكون كل منا منفصلاً عن الآخر تمام الانفصال، ولم تكن بيننا رابطة إذ ذاك سوى ابننا الذي يتربى بيننا، وقت لي في جلاء إنك لا تعني إلا بالمظاهر. إن لي أن أتخذ خليلاً على شرط أن يبقى الأمر مكتوماً. ثم كلمتني عن مهارة النساء في التستر الخ. وأنني لأفهم مركزك تمام الفهم، فقد كنت في ذلك الوقت مدلها بحبك لمدام دي سيفري وكنت ترى عقد زواجنا الشرعي يحيل بنك وبينها، وكنت ترى أيضاً أنه لا مبرر لما تنفقه علي من المال بسبب هذا العقد، ولهذين السببين كرهتني وعشنا منفصلين. وكنا نستقبل الناس معا ولكن لكل منا مأواه في المنزل. على أنك منذ شهر أو شهرين أخذت تمثل دور الغيرة فما معنى ذلك؟.

قال الزوج: (إنني يا عزيزتي لا أمثل دور الغيرة، ولكني أخشى عليك تعريض نفسك للخطر فأنت صغيرة وأنت مخاطرة. وأنني أخاطبك كصديق وأرى في القول الذي تقولينه كثيراً من المبالغة).

فقالت: (كلا، لا مبالغة في قولي، فأنت قد رخصت لي بأن أفعل مثل فعلك).

قال: (أرجو. . .) فقاطعته قائلة: دعني أتكلم. لقد رخصت لي بذلك ولكني لم أفعل، فليس لي خليل وكلني منتظرة. إنني أبحث ولكني لا أجده. إنني أريد ظريفاً. أريد أظرف منك. إنني بالقول الذي قلته الآن أمدحك مديحاً لم تفطن غليه).

قال الزوج: (يا عزيزتي إن كل ما تقولينه الآن مزاح لا محل له هنا) فقال: (إنني لست أمزح فإنك سمحت لنفسك بأن تكون من ذوي القرون).

قال الكونت متغيظاً مهتاجاً: (كيف أستعملها؟ أنت قد ضحكت ملء شدقيك لما قالت مدام دي سفري عن زوجها أنه من ذوي القرون).

قال: (ولكن اللفظ الذي يقبل من دي سيفري لا يكون مقبولا منك) فقالت: (كلا، لقد سرك هذا الوصف وأضحك عندما قيل عن دي سيفري، وهو الآن يسوءك عندما يقال عنك. وليس يهمني هذا اللفظ بعينه وإنما أريد أن أعرف هل أنت الآن على استعداد؟).

قال: (على استعداد لأي شي؟) فقالت: (ألست على استعداد لتكون ممن يقال فيهم هذا الوصف؟ إن الذي يضحك عندما يوصف أحد أمامه بهذا الوصف لا يعود إلى الضحك عندما يسمع هذه الكلمة بعد أن يصير هو نفسه متصفاً بها).

قال الكونت: (تعالي يا عزيزتي نتكلم بعقل ونبهي المسيو برويل إلى أن ما فعه الليلة غير لائق) فقالت: (إذن فأنت غيران).

قال: (كلا ولكن لا أحب أن أكون في مركز مخز كالذي كنت فيه بالأمس) فقال: (وهل شعرت بأنك تحبني في وقت من الأوقات؟).

قال: (إن الإنسان قد يحب من هي أقل بكثير منك في الجمال) فقالت: (إذن فهذا شعورك نحوي لكنني لا أشعر نحوك بشيء من الحب).

فوقف الكونت ثم دار حتى صار خلف زوجته وقبل قفاها فالتفتت إليه وأبعدته عنها ونظرت إليه نظرة غضب وقالت: (ليس بيننا شيء من ذلك، إننا منفصلان).

قال: (تعالي يا عزيزتي. لا تغضبي فقد فتنت بل مدة طويلة ولك عينان. . .) فقاطعته قائلة: عينان (تفتنان المسيو دي برويل).

قال: (أنت قاسية جداً وليس في الدنيا أجمل منك) فقالت: (دعني فأنت صائم).

قال: لست أفهم ماذا تعنين. فقالت: أعني أن الصائم يجوع، وأن الجائع يريد أن يأكل من أي شيء سواء وافقه في وقت آخر أو لم يوافقه. وقد أهملتني مدة طويلة ثم تريد أن تتذوقني الآن.

قال: لماذا يا عزيزتي تخاطبني بهذه اللهجة؟.

فقالت: لأني أعلم أنه بعد انقطاع صلتك بمدام سيفري اتخذت على التوالي أربع خليلات من بينهن خياطة وممثلة ولست أعلل مسلكك اليوم إلا بأنك صائم).

قال: (لا بل سأكون صريحا. إنني عدت إلى حبك وأحببتك إلى أقصى حد) فقالت: (لقد أخطأت فقد انتهى كل شيء بيننا. ولست أنكر أنني زوجة، ولكنني زوجة لها الحرية الكاملة في أن تفعل كل شيء. ولقد كنت الليلة مدعوة إلى موعد فإذا شئت فضلتك على صاحب الدعوة بنفس الثمن).

قال الزوج: (لست أفهم) فقالت: (سأفهمك؛ فقل لي ألست جميلة مثل صاحبتيك الخياطة والممثلة؟).

قال (: (أجمل منهما ألف مرة) فقالت: (أخبرني بالحق كم أنفقت عليهما في ثلاثة أشهر؟).

قال: (لست أفهم) فقالت: (بكم اشتريت لها حليا ومجوهرات؟ وكم أنفقت في المطاعم والمسارح؟).

قال: (لست أستطيع أن أجيبك، ولكني أنفقت كثيراً) فقالت: (ألم يكن متوسط ما أنفقته على إحداهما في الشهر خمسة آلاف فرنك؟).

قال: (نعم وهذا تقدير معتدل) فقالت: (إذن فيا صديقي العزيز أنا أقبل بهذا الثمن أن تتخذني خليلة مدة شهر يبتدئ من الليلة).

قال الزوج: (لا بد أن تكوني مجنونة يا مرغريت) فقالت: (إذا كان هذا جوابك فأرجو أن تتركني وتنصرف).

ثم وقفت الكونتيس ومشت نحو غرفة النوم فسكبت في السرير زجاجة من العطر والتفتت فرأت الكونت واقفاً بالباب وهو يقول: (ما أجمل هذه الرائحة!).

قالت: (هذه رائحة السرير العادية ولم يتغير شيء في المنزل) فقال: (أصحيح هذا؟ أنها لرائحة زكية).

قالت: (ربما! ولكن أرجو أن تترك الغرفة لأني أريد أن أنام).

قال: (يا مرغريت!) فأجابته: (أترك الغرفة! ثم لم تعره التفاتاً بل نزعت ثوبها فبدا ذراعان ملفوفان كأنهما مصنوعان من العاج. ودنا منها الكونت فقالت: (أبتعد وإلا أبعدتك).

فزاد دنواً منها، ولكنها أظهرت الغضب، وتناولت زجاجة من زجاجات العطر ورمته بها فأخطأته ولكن العطر انسكب فوق ثيابه فصاح: (هذا سوء أدب) فقالت: دونك الشرط. . . خمسة آلاف فرنك). . .

قال: (أيدفع الزوج لزوجته الشرعية أجراً؟).

فقالت: (إذا كان هذا حماقة فإن أشد الحماقات أن يدفع للخياطات والممثلات وله زوجة شرعية).

ثم جلست الكونتس على المقعد ونزعت جواربها وأخذ ينظر إلى جمال رجليها ويقول: (إنها لفكرة مضحكة تلك التي تبديها).

قالت: (أية فكرة؟) فقال: (دفع خمسة آلاف فرنك).

قالت: (ليس في الدنيا شيء طبيعي أكثر من هذا إن أحدنا غريب عن الآخر كما أردت أنت، وليس في وسعك أن تتزوج مني لأننا متزوجان، وليس لك أن تعطيني أقل مما تعطيه للأخريات).

ثم قامت وقالت: (أرجو أن تخرج وإلا استدعيت الخادم لإخراجك).

فوقف الكونت واجماً مقدار لحظة ثم ألقى إليها بكيس نقود وقال: (خذي هذا ففيه ستة آلاف فرنك).

فضحكت وهي تتناول الكيس وقالت: (خمسة آلاف فرنك كل شهر. تذكر يا كونت وإلا فلتعد إلى خليلاتك. وربما. . . ربما إذا أعجبتك الحال طلبت الزيادة.

ع. ق