مجلة الرسالة/العدد 1023/آراء وأنباء

مجلة الرسالة/العدد 1023/آراء وأنباء

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 02 - 1953



وا إسلاماه!

هكذا سيصبح القارئ بعدما يفرغ من قراءة مقالي الأستاذ محمود شاكر: أبصر طريقك وباطل مشرق. فالأستاذ الكريم ينظر إلى العالم الإسلامي بعد الغزوين الأوربيين: العسكري والفكري، فيراه قد انقسم إلى طائفتين. فطائفة نسيت ماضيها وتنكرت له. ورأت الرجوع إليه مخالفة لروح العصر؛ وطائفة أهمها ماضيها وعز عليها أن تتنكر له فانبرت تقدمه للناس في ثوب جديد. لا تألو في ذلك صبراً ولا جهاداً.

والأستاذ الكبير يخاف على الإسلام أشد الخوف من هذه الطائفة (التي اتخذت كلمة الإسلام لغواً على مذباتها) ومما زاد الطين بلة والجرح ألماً هو نشاط هؤلاء الناس، وانصراف كل داعية منهم إلى ناحية مدعياً ترميمها وتجديدها على أسس هي (في جوهرها من الحياة التي أنشأها الغازي الصليبي بيننا). لذلك وبسبب هؤلاء فالعالم الإسلامي (مقبل على هزيمة منكرة عاقبتها تبديل الإسلام تبديلاً كاملاً) هزيمة منكرة؟ عاقبتها تبديل الإسلام تبديلاً كاملاً؟ وا غوثاه! أين هؤلاء المجددون؟ دلنا عليهم يا أستاذنا؛ فأنت وحدك أدركت الخطر. وعرفت السر الخطير. دلنا عليهم وإلا فأنت تقاتل في غير عدو. وليس المجال مجالي وحسبي أن أنبه من هو أقدر مني ليطمئن الأستاذ على الإسلام وأنه لا خوف عليه من هؤلاء المجددين. فالإسلام صالح لكل زمان ومكان.

الصافية

عبد الفتاح محمد الجزار

هل في مصر أزمة ثقافية؟

دأب كبار المفكرين المصريين على ترديد دعوى لا برهان عليها وهي (أن الأدب في محنة) (والثقافة المصرية في أزمة) وأن الشعر قد مات بموت شوقي وحافظ، إلى آخر هذه الدعاوى العريضة التي تشغل أعمدة الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية - ويعلم الله أنه لا ضعف ولا نكوص، وأن مصر اليوم غير مصر الأمس، غيرها في كل شيء. . في عدد القراء، وتنوع الأدب، والمستوى الثقافي العام. . ويذكرني هذا بتعقيب الأستاذ (أبو حديد) على ندوة من ندوات الشعر في جمعية الشبان المسيحية إذ قال: (وفيما شاهدت أكبر برهان أكبر برهان أرد به على دعوى الذين يزعمون أن الأدب في محنة - فالشعر كان جدولاً واحدا لا يتغير قي عهد شوقي، وقد تعددت ألوانه ومذاهبه) هذا ما قاله (أبو حديد) لأنه استطاع أن يبرح البرج العاجي الذي يقبع فيه كبار الأدباء في هذه الأيام وشاهد بعينيه ندوات الشباب التي لم يكن لها نظير في عهد شوقي وحافظ. . .

ويقول الأستاذ (سعيد العريان) إن الكتاب الجيد لم يعد يطبع منه إلا بضعة آلاف نسخة لا تنفذ في أقل من عامين - فهذا كلام حق ويجب أن يكون - فالقراء اليوم - وهم كثير - قد عرفوا معنى التعاون؛ فالكتاب الواحد يقرؤه العشرات من طلاب المعرفة بواسطة التبادل الثقافي فيما بينهم وأصبحوا يقصدون دور الكتب المختلفة - خاصة وقد أصبح في كل مدرسة مكتبة، وفي كل شارع من شوارع القاهرة وفي كل مدينة من مدن القطر مكتبة أو أكثر تتوفر فيها أسباب الراحة لطلاب المعرفة. .

وإذا أردت دليلاً على كثرة القراءة وارتفاع المستوى الثقافي في مصر فاهبط يوماً إلى حديقة الأزبكية حيث تجد الآلاف من عشاق الثقافات المختلفة يهومون حولها ويحدقون بعيون ظمأى إلى أكداس الكتب البالية المرصوصة على سور الحديقة، ولا يضنون في سبيل الحصول عليها بالقروش اليسيرة التي تفضل عن (قوتهم). أما أن يطبع لهم كتاب جيد ويفتن صاحبه في انتقاء الورق واختيار الغلاف وتحليته بالصور الجميلة ثم يطلب منهم الثمن الباهظ، فهذا ما لا يستطيعه إلا القليل. وإن أردت التأكد من ذلك فاسأل دور النشر التي تطبع الطبعات الرخيصة في هذه الأيام كدار الهلال، ودار كتب للجميع. . وغيرها، عما تبيعه من هذه الكتب فسوف تسمع ما يسرك وما يجعلك تعود فتقول: حقاً إن عدد القراء قد زاد زيادة عظيمة.

ولقد زاد عدد القراء أضعاف ما كان عليه والمتعلمون لا يزيدون عن المليون. ولقد أصبحت الأفكار والآراء التي كانت وقفاً على عدد قليل فيما مضى من كبار المثقفين - في متناول جمع طبقات الشعب يلغطون بها في أحادثهم اليومية، وقد يتندرون بالمسف منها، وإن الأدب الذي كان يهلل له جمهرة القراء فيما مضى، لم يعد يرضي أذواقهم كثيراً في هذه الأيام. وإنهم ليتطلعون إلى الأدب الحي الذي تصوره الأقلام المصرية الأصيلة أصدق التصوير ولم يعد هذا الجيل يهاتر حول بيت من الشعر، أو أن كلمة (مرجان) قد أخطأ فيها الشاعر عشر أخطاء أو خمساً. وحينما يرتفع المستوى الاقتصادي في مصر ويستطيع صاحب القصة أو الديوان طبع قصته أو ديوانه، ويستطيع القارئ شراء نسخته - فسوف يموت أدب وينتعش أدب. وسوف ترتعد فرائص الذين يعيشون خلف الأسوار - حين يدهمهم هذا السيل الذي ترعف به أقلام الشباب.

كيلاني حسن سند