مجلة الرسالة/العدد 108/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 108/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 108
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 07 - 1935



استفتاء السلام

تألفت منذ حين في إنكلترا لجنة سميت (بلجنة التصريح القومي) عن عصبة الأمم ومسائل التسليح، ونظمت استفتاءعاماً للشعب البريطاني عن مسائل السلام الدولي ليعرف العالم إلى أي اتجاه يتجه بعواطفه وتأييده؛ وتولى رئاستها الفيكونت سسل، وأنفقت اللجنة مدى أشهر جهوداً عظيمة للدعوة إلى الاستفتاء وتنظيمه، وجمع الإجابات عن الأسئلة التي طرحتها على الجمهور البريطاني. وقد أصدرت أخيراً كتاباً شرحت فيه جهودها والنتائج التي وصلت إليها، وهذه هي الأسئلة الخمسة التي طرحت على الشعب البريطاني لإبداء رأيه فيها:

1 - هل يجب أن تبقى بريطانيا العظمى عظواً في عصبة الأمم؟

2 - هل تؤيد تخفيض التسليح تخفيضاً عاماً بمقتضى معاهدة دولية؟

3 - هل تؤيد إلغاء الخدمة القومية العسكرية والتسليح الجوي بمقتضى معاهدة دولية؟

4 - هل يحضر صنع الأسلحة وبيعها للفائدة الشخصية بمقتضى معاهدة دولية؟

5 - هل إذا أصرت أمة ما على مهاجمة أمة أخرى يجب على الأمم الأخرى أن ترغمها على وقف الاعتداء بالإجراءات الاقتصادية، وبالإجراءات العسكرية إذا اقتضى الحال؟

وقد عاونت اللجنة في عملها عدة من الصحف الكبرى، فطرحت هذه الأسئلة للاستفتاء؛ وقسمت اللجنة بريطانيا العظمى إلى مناطق توافق الدوائر الانتخابية؛ وكانت نتائج الاستفتاء التي نشرتها في كتابها كما يأتي:

السؤال الأول - أجاب عنه بالإيجاب 10 , 624 , 560 شخصاً، وبالنفي 337 , 964

السؤال الثاني - أجاب عنه بالإيجاب 10 , 058 , 526 شخصاً وبالنفي 815 , 365

السؤال الثالث - أيده بالإيجاب 9 , 157 , 145 شخصاً، وعارضة 1 , 614 , 159

السؤال الرابع - أيده بالإيجاب 10 , 002 , 849 شخصاً وعارضه 740 , 634

السؤال الخامس - أجاب عنه بالإيجاب عن الشطر الأول أكثر من تسعة ملايين، وبالإيجاب عن شطر الثاني أكثر من ستة ملايين، وأجاب بالنفي عن الشطر الأول نحو ستمائة ألف وعن الشطر الثاني أكثر من مليونين ولمثل هذا الاستفتاء ونتائجه أهمية عظيمة في بلد كبريطانيا تتمتع بأعرق الأنظمة الديمقراطية، ويحسب فيه اكبر حساب للرأي العام، وتتجه السياسة الخارجية تحت مؤثرات الرأي العام ورغباته. ويتضح من مجموع الإجابات أن الشعب البريطاني يميل بصفة عامة إلى السلام والسياسة السلمية. وقد عقب الفيوكنت سسل على نتائج الاستفتاء بمقال عن حالة السياسة الدولية العامة قال فيه:

(أن الموقف الأوربي قد ساء إلى اعظم حد، وقد أخذ العالم يتحرك نحو الحرب، وهزت الحوادث المخربة التي وقعت في الشرق الأقصى كل أنظمة السلام، وقامت أمة عسكرية (يريد اليابان) تتجاهل المعاهدات الدولية فاستولت على أراض شاسعة من أملاك جارتها، وتحدت معارضة جنيف بكل نجاح)

(وقد قبلت عدة أمم أوربية نظام الدكتاتورية الذي يدعو إلى استعمال القوة كأداة صالحة لتسوية المسائل الدولية، وأنذرت دولتان عظيمتان عصبة الأمم بالانسحاب، وعاونت القومية الاقتصادية التي نشأت عن الأزمة العالية، على إحياء نظريات العزلة القديمة؛ والخصومات الجنسية التي تخلق بأشنع العصور الوسطى، ولاح أن أوربا تنحدر إلى حالة الطائفية القديمة التي أنقذتها منها المدنية النصرانية)

تأريخ للصحافة

كانت جريدة (التيمس) قد أصدرت بمناسبة عيدها الخمسين بعد المائة وهو الذي احتفلت به في شهر يناير الماضي، عدداً بتاريخ الصحافة من سنة 1785 وهو عام إنشائها حتى يومنا. وقد لقي هذا العدد الخاص يومئذ رواجاً عظيماً وتفند بسرعة مدهشة حتى أن إدارة (التيمس) رأت أن تعيد طبعه ولكن في شكل كتاب يصلح للمكتبة. وقد صدر هذا المجلد أخيراً، وهو في نحو مائتين وعشرين صفحة، وهو يحتوي على تأريخ ضاف للصحافة وتطوراتها في مدى القرن ونصف القرن الذي عاشته الجريدة الإنكليزية الكبرى؛ وقد صدر بصورة فوتوغرافية لكتاب الملك جورج الخامس إلى التيمس وفيه يهنئها بعيدها؛ ونشرت صورة طريفة أخرى منها صورة تخطيطية لمدينة لندن منذ مائة وخمسين سنة حينما صدر العدد الأول من (التيمس) تحت عنوان (السجل اليومي العام). وقد طبع في ثوب قشيب في منتهى الأناقة، وجعلت منه نسخ مذهبة بديعة تناسب هذا التذكار الصحفي العظيم آراء جديدة في التربية

تتحدث الصحف النمسوية في تلك الآونة عن العلامة المربي (البيدا جوجي) جاك دالكروزي وعن نظرياته في التربية، وذلك لمناسبة احتفاله ببلوغ السبعين من عمره. وجاك دالكروزي سويسري الأصل ولكنه ولد في فينا ونشأ بها في ذلك العهد السعيد، عهد شوبرت ويوهان شتراوس؛ ومال إلى الشعر والموسيقى، وظهر بطريف آرائه في التربية. وأنفق مدة الحرب في ألمانيا، ولكن نظرياته لم تلق هناك نجاحاً؛ ثم نزح إلى براج وهنالك ذاعت نظرياته، وأنشئت المدارس والبرامج الجديدة متأثرة بروحها، ويرى دالكروزي أن الموسيقى تولد مع الإنسان، وأن الإنسان ولا سيما الطفل يحملها في أعمق مشاعره؛ ومن ثم ابتكر دالكروزي نوعاً من الرياضة التوقيعية تتأثر بروح الموسيقى التي هي روح الإنسان. وتقوم نظرية دالكروزي الأساسية في التربية على أن الإنسان يستطيع الابتكار بطبيعته، وأن الإنسان هو الذي يخلق نفسه ويكونها، ولهذا يرى أنه يجب أن يعود الطفل الارتجال في القول والعمل؛ وهذه نظرية تخالف رأي بروكنر القائل بأن الإنسان لا يستطيع الابتكار إلا بعد التحصيل والمران الفني، ولكن جاك دالكروزي يبث روح الابتكار في تلاميذه، وينظمه كفن، ويرى أنه خير وسيلة لسرعة البت وتحقيق المجهود، وإدراك الآراء، وهو يصقل الشعور، ويوجد صلة مباشرة بين الروح الذي يتأثر ويوحي، وبين المخ الذي يفكر ويتصور؛ وقد دلت التجارب على أن الطفل يعشق الارتجال، وانه يتفوق في الابتكار أحياناً على الأحداث، وذلك لأن ذهنه لم يكن قد صفد بعد الأصول والقواعد الموضوعة، ولأن ذهنه يتمتع بالحرية الطبيعية

ولنظريات دالكروزي في التربية وتكوين النشء أثر عميق في تربية الجيل الحاضر من الشباب في النمسا وتشكوسلوفاكيا.