مجلة الرسالة/العدد 108/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 108/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 07 - 1935


1 - المقنع في رسم مصاحف الأمصار مع كتاب النقط

لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني

2 - المختار من شعر بشار للخالديين

نشره وعلق حواشيه الأستاذ محمد بدر الدين العلوي

للأستاذ محمد بك كرد علي

تحدثنا في العدد الماضي عن كتاب التيسير في القراءات السبع للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الذي نشره العلامة برتزل. واليوم نتحدث عن كتابه الآخر وهو (المقنع) في رسم مصاحف الأمصار مع كتاب النقط نشره كذلك العلامة برتزل، قال المؤلف في مقدمته: (هذا كتاب أذكر فيه إن شاء الله ما سمعته من مشيختي، ورويته عن أئمتي، من مرسوم خطوط مصاحف أهل الأمصار: المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام وسائر العراق، المصطلح عليها قديماً، مختلفاً فيه ومتفقاً عليه، وما انتهى إليّ من ذلك، وصح لدي منهم عن الإمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعن سائر النسخ التي انتسخت منه الموجه بها إلى الكوفة والبصرة والشام. وذكر كيف جمع عثمان المصحف، وروى أن علياً قال: لو وليت لفعلت الذي فعل عثمان. وقال: إن أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدة منهن، فوجه إلى الكوفة إحداهن، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدة. ثم أفاض في رسم المصاحف وذكر ما حذفت منه الياء اجتزاءً بكسر ما قبلها منها، وما حذفت منه الواو اكتفاء بالضمة منها أو لمعنى غيره، وما رسم بإثبات الألف على اللفظ أو المعنى، وما رسم بإثبات الياء على الأصل؛ وما رسم بإثبات الياء زائدة أو لمعنى، إلى ما يتعلق بذلك، وختم هذا الكتاب بقوله: (فان قيل فلم خص زيد (بن ثابت) بأمر المصاحف، وقد كان في الصحابةمن هو أكبر منه كابن مسعود، وأبي موسى الأشعري وغيرهما من متقدمي الصحابة، قلت إنما كان ذلك لأشياء كانت فيه، ومناقب اجتمعت له، لم تجتمع لغيره، منها أنه كتب الوحي للنبي ، وأنه جمع القرآن كله على عهد رسول الله (ص)، وأن قراءته كانت على آخر عرضة عرضها النبي على جبريل عليهما السلام، وهذه الأشياء توجب تقديمه لذلك وتخصيصه به، لامتناع اجتماعهما في غيره، وإن كان كل واحد من الصحابة رضوان الله عليهم له فضله وسابقته، فلذلك قدمه أبو بكر لكتابة المصاحف وخصه بها دون غيره، من سائر المهاجرين والأنصار؛ ثم سلك عثمان رضي الله عنه طريق أبي بكر في ذلك إذ لم يسعه غيره، وإذ كان النبي (ص) قد قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر فولاه ذلك أيضاً وجعل معه النفر من القرشيين ليكون القرآن مجموعاً على لغتهم، ويكون ما فيه من لغات ووجوه على مذهبهم، دون ما لا يصح من اللغات ولا يثبت من القراءات. . .)

وأتبع المؤلف كتاب المقنع في مرسوم المصاحف بكتاب نقط المصاحف وكيفية ضبطها على ألفاظ التلاوة، ومذاهب القراءة، بدأه بذكر من نقط المصاحف أولاً من التابعين ومن كره ذلك، ومن ترخص فيه من العلماء، ثم عرض لكل ما يتعلق بهذا الباب. وقد وضع الناشر فهرساً للآيات الواردة في كتاب التيسير وكتاب المقنع وكتاب النقط فجاء مسهلاً للمطالع والمراجع

هذه عناية علماء المشرقيات بكتب الإسلام، أما خاصة أهله اليوم فساهون لاهون. وليت سادتنا علماء الأزهر والمعاهد المماثلة له في القطر، وأساتذة دار العلوم وغيرهم يتروون في عمل هؤلاء الأعاجم، وقد كان عليهم هم أن يأخذوا باليمين آثار السلف ليحيوها قبل أن تنتظر في الخزائن عطف الغرب

أننا مدينون لعلماء المشرقيات من الهولانديين والجرمانيين والفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين والأسبانيين، وغيرهم من شعوب أوربا وشمالي أمريكا، بما تفضلوا به علينا من نشر أسفارنا. أحسن الله إليهم بقدر ما أحسنوا لمدنيتنا وآدابنا.

- 2 -

عني السيد محمد بدر الدين العلوي من أساتذة جامعة عليكرة الإسلامية في الهند بتصحيح (المختار من شعر بشار) اختيار الخالدين وشرحه لأبي طاهر إسماعيل بن أحمد بن ذيادة الله النجيبي الرقي من أهل القرن الخامس، فوقع في 341 عدا فهارس قوافي الأبيات والمصاريع وأسماء الشعراء وأسماء الرجال والنساء والقبائل والأصنام والأفراس والجمال.

وهذا من الكتب التي يزيد أحياؤها مادة الأدب القديم، وتفيد في بث الجيد من الشعر والنثر وفصيح اللغة، وفيه جواب كاف شاف لمن حاولوا أن يحذفوا من كتب القدماء ما لم يروه منطبقاً بزعمهم على مصطلح هذا العصر في هزل الأدب ومضحكاته؛ فقد نقل من صفحة 201 إلى ما بعدها قصصاً وأشعاراً من هذا القبيل، أجاد الناشر ومعلق الفوائد على الكتاب السيد العلوي في إبقائها بحالها، على ما تقضي بذلك أمانة العلم، إذ الناس يحبون أن يروا الكتاب كما ألفه مؤلفه، لا كما راق ناشره، وقد يجوز هذا لنفسه حذف مواضع لم ترقه، وعبارات لا يستحن إثباتها أصحاب الذوق الجديد، فيجيء الكتاب المشذب على هذا النحو كتاب الناشر لا كتاب المؤلف، ولو كانت هذه الطريقة من إثبات ما يسمونه الفحش اليوم مما يستنكر لما رأينا الراغب الأصفهاني في محاضراته، ولا ابن حزم الضاهري في طوق الحمامة، وهما ما هما من المكانة الدينية والعلمية، يجوزان أن ينقلا أشياء من هذا القبيل يعدها بعضهم في عصرنا نابية عن حد الادب؛ فالناشر المستعرب الهندي إذن جدير بكل احترام وإعجاب لعنايته بنشر مصنف قديم على النحو الذي وضعه واضعه

والشكر الكثير للجنة التأليف والترجمة والنشر على أحيائها هذه الكتب خدمة للمعارف والآداب سيذكرها التأريخ لجماعة متشاكلين في العلم والتربية تألفوا على غاية نبيلة واحدة، وهي خدمة العلم والأدب في مظاهره المنوعة.

محمد كرد علي

خواطر الخيال وإملاء الوجدان

تأليف محمد كامل حجاج

للدكتور عبد الوهاب عزام

الأديب الأريب محمد كامل حجاج له فضل قديم على قراء العربية بما عرفهم من الأدب الغربي في كتابه الكبير (بلاغة الغرب) وأنا اعترف أني عرفت الأدب الغربي أول ما عرفته، في هذا الكتاب، وأحسب كثيراً من المتأدبين يشاركونني في هذا الاعتراف

وقد اخرج الأديب الفاضل عام أول كتاباً سماه (خواطر الخيال وإملاء الوجدان)، وهو كتاب من إنشائه يتضمن خمسة وسبعين مقالاً في موضوعات شتى. والكتاب أربعة أقسام.

وليست خواطر الخيال إلا القسم الأول منه الذي يحوي مقالات الربيع، والزمان، والزهرة، والشيطان الجميل، والأمل، والنور، والظلام ونحوها من الموضوعات الخيالية والوجدانية

والقسم الثاني فيه أبحاث فلسفية ونفسية مثل الموسيقى والحب، الموسيقى والسحر، الموسيقى والتربية، أغاني الحب عند هنود امريكا، وأكثر ما في هذا القسم يتصل بالموسيقى. وكاتبنا الفاضل له ولع بالموسيقى، وخبرة بها، واهتمام بتاريخها. وقد ألف فيها كتاباً طبعه مؤتمر الموسيقى الذي اجتمع بالقاهرة منذ سنتين

والقسم الثالث من الكتاب باب النقد وفيه مقالات كثيرة منها (بين القديم والحديث) ورواية عائدة، وألف ليلة وليلة، وعلى ضفاف الكنج، ونابغة شرقي مجهول، وفيه تراجم جماعة من أدبائنا في القرن الماضي مثل عبد الله باشا فكري، ومحمود باشا قدري، ورفاعة بك، وعبد الله نديم، ومحمود صفوت الساعاتي

والقسم الرابع سماه الكاتب متفرقات وفيه أربع مقالات

والأديب الفاضل محمد كامل حجاج مولع بالجمال حيثما تجلى. فهو كلف بالجمال في الحدائق، ذو دراية ودربة في زراعة البساتين، وهو كلف بالجمال في الموسيقى يكثر التحدث بها والكتابة عنها، وله فيها ذوق سليم. وهو كلف بالجمال في التصوير وله فيه حسنات. وهو كلف بالجمال في الفضيلة والأخلاق الطيبة، كريم الخلق مولع بالتحدث عن الخلق الكريم والدعوة إليه الخ الخ

وهو إلى هذا كله واسع المعرفة بالأدب الفرنسي، حريص على إقناع قراء العربية بطرفه وروائعه

هذا الكلف بالجمال في مظاهره المختلفة والبصر بالأدب الفرنسي يتجلى في صفحات الكتاب. ولست أستطيع تفصيل ما في الكتاب هنا ولكني أدعو المتأدبين إلى أن يقرأوا في الكتاب تفصيل ما أجملت، وبرهان ما أدعيت، فالكتاب جدير بالقراءة خليق باهتمام الأدباء وكاتبه جدير منا بالشكر والثناء

عبد الوهاب عزام