مجلة الرسالة/العدد 114/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 114/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 09 - 09 - 1935


1 - حياة الوزان الفاسي وآثاره

تأليف الأستاذ محمد المهدي الحجوي

2 - تاريخ الصحافة (الجزء الرابع)

للفيكونت فليب دي طرازي

3 - تاريخ الأمير فخر الدين المعنى الثاني

تأليف الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف

للأستاذ محمد بك كرد علي

في شمالي أفريقية اليوم حركة مباركة في التأليف تدل على انتباه فكري يبشر بخير كثير لتلك البلاد الإسلامية العربية؛ ما ينشرون؛ ويضعون أسفارهم على النمط العصري الحديث، ومما طالعناه مؤخراً (التذكار فيمن ملك طرابلس، وما كان بها من الأخبار) لابن غلبون الطرابلسي نشره وعلق عليه الأستاذ الطاهر أحمد الزواوي، و (كشف الحجب عن مدنية العرب) للأستاذ محمد بن عمار الوارثتاني التونسي، و (رسائل الرحالة) العالم عبد العزيز الثعالبي، وبعض تآليف في الأدب والشريعة للأستاذ طاهر بن عاشور؛ وتآليف عالم أفريقية حسن حسني عبد الوهاب معروفة مشهورة، وكذلك تآليف العلامة الشيخ محمد بن أبن شنب رحمه الله في الجزائر فانها من الممتع الجيد و (كتاب الجزائر) للأستاذ أحمد توفيق المدني من أجود ما كتب في تاريخ الجزائر وتقويم بلدانها وحالتها الاجتماعية والإدارية والسياسية والاقتصادية. هذه بعض ما وصل إلينا من تآليف أهل المغرب الأدنى والأوسط، أما المغرب الأقصى، فقد ظهر أربعة مجلدات ضخمة من كتاب (اتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس) للمؤرخ المدقق مولاي عبد الرحمن ابن زيدان، وهو في تاريخ مراكش في السياسة والاجتماع والأدب، أبان واضعه عن نفس طويل ومادة واسعة ظهرت منها عظمة تلك الديار في الدهر السالف، ونشر في فاس الأستاذ عبد الحي الكتاني كتباً نفيسة وعلق عليها فأحسن؛ ونشر العلامة سيدي محمد بن الحسن الحجوي الفاسي في فاس والرباط (رباط الفتح) كتاب (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي) في أربعة مجلدات، دل على علو كعبه في الشريعة وتاريخها وأدبها، وله غير ذلك من المصنفات والأبحاث والمحاضرات والمسامرات، وها هو نجله الأستاذ أبو عبد الله محمد المهدي يطالعنا ببحث طريف في حياة الوزان الفاسي وآثاره، فكان النجيب ابن النجيب. زادنا الله في أفريقية من أنباء نجباء الأبناء

هو بحث قدمه المؤلف لمؤتمر المستشرقين الثامن الذي أقامه معهد المباحث العليا المغربي بفاس يوم 20 أغسطس سنة 1922 في ترجمة أبي علي الحسن الوزان الفاسي المعروف عند الإفرنج باسم ليون الأفريقي , وكان هذا الرجل العظيم من أصل أدلسي، نشأ في فاس وتجلى فيه الذكاء منذ الصغر، فتعلم العلوم الدينية والأدبية ثم ساح في بلاد المغرب الأقصى أوائل المائة العاشرة وكتب رحلات ومفكرات في جغرافية تلك البلاد بناها على مشاهداته، ورحل إلى الروم ومصر والحجاز، وكان في بعض رحلاته سفيراً عن بعض ملوك المغرب الأقصى في زمن الدولة الوطاسية، وارثة الدولة المرينية (دولة العلم والعرفان والفن الرائق الفتان) وقيام الدولة السعدية في الجنوب، ووقع للوزان أن أسره قرصان البحر من الطليان فأتوا به هدية لطيفة إلى البابا ليون العاشر في رومية، وكانت إيطاليا آخذة بنهضتها في عهد ذاك البابا العظيم حامي المعارف والآداب فوجد في الرحلة الوزان ضالته المنشودة لخدمة المعارف، وبعد موت البابا سنة 1521م 927هـ دخل الوزان تحت حماية الكردينال (جيل دي فيطرب) وكان يعلمه العربية، ثم تولى مدة تدريس العربية في كلية بوبونيا في إيطاليا؛ وبذلك تعلم الإيطالية واللاتينية، وكان من قبل يعرف الأسبانية والعبرانية. وألف هناك قاموسه الطبي بأمر البابا كتابه في وصف أفريقية، وقد جود في هذا الكتاب من وراء الغاية حتى جعله الغربيون أعظم مرجع لهم للوقوف على تلك الأرجاء الشاسعة. وصف فيه كل ما رآه من طبيعتها وأجوائها وحاصلاتها وعالمها وأخلاقها وعاداتها

وقد طبع كتاب الوزّان من القديم في إيطاليا وفرنسا غير مرة؛ وعلق عليه ناشروه شروحاً كثيرة واستفادوا منه. فصل كل ذلك الأستاذ المؤلف تفصيل باحث محيط بأطراف موضوعه. وأجاب من اعترضوا عليه مستغربين نبوغ المترجم له في سن الفتوة فقال: دخل الوزّان معترك الحياة دخول أبطال الرجال على حداثته سنّ فجلى وأبلى بلاء تجده غريباً في حياة الرجال. نعم ذاك غريب إذا قيس بسنه، ولكن لا بدع هناك في حق الشباب المغربي، فقد حفظ له التاريخ أعمال كثير من أفراده المبكرين في النبوغ العلمي والسياسي، وذلك باب فتحه المولى إدريس رمز الشباب المغربي والعربي بما فيه من نبوغ وكفاءة، ومثال الفضيلة المحمدية، والشمم الهاشمي، والعبقرية القرشية. فقد بويع وهو ابن إحدى عشرة سنة وقام بالملك أحسن قيام وأسس دولة من أفخر الدول تأسيساً ونظاماً، وأسس لمملكته عاصمة من أفخر العواصم، وهو ابن خمس عشرة سنة، لم يؤسس العرب مدينة أحسن منها مناخاً ولا أليق منها بقعة للعمران، ومات بعد أن بلغت دولته العنفوان، وهو ابن ست وثلاثين سنة، وله نظائر في تاريخ المغرب نبغوا مبكرين في مختلف نظاهر الحياة لا نطيل بهم، ومنهم المترجم)

- 2 -

هذا هو الجزء الأخير من تاريخ الصحافة تصنيف الأستاذ فيليب طرزاي أمين داري الكتب والآثار في بيروت، وقد اشتغل في هذا الموضوع الطريف أربعاً وأربعين سنة وصرف فيه مالاً ووقتاً وجهداً حتى تسنى له اقتناء مجموعة من الصحف والمجلات العربية التي صدرت في القارات الخمس منذ عام 1800م إلى عام 1929 وبلغ عدد ما لديه من أعداد هذه الصحف والمجلات وهو يحرص على العدد الأول منها في الغالب - نيفا وثلاثة آلاف ومائتين وخمسين جريدة ومجلة، فكان عدد ما صدر من المجلات في المملكة المصرية منذ تكوين الصحافة إلى سنة 1929: 1398 جريدة ومجلة وعدد ما صدر في بلاد الشام 779 كان من حصة الجمهورية اللبنانية 426 الخ واتضح (أن بعض المدن النائية في أوربا وأمريكا والتي لا ينطق سكانها بالضاد فاقت بعدد جرائدها ومجلاتها كثيراً من عواصم الدول وشهيرات المدن الواقعة في صميم البلدان العربية ويعزى ذلك الى هجرة العدد الوافر من الكتاب في عهد الدولة العثمانية. فقد كانت هذه الدولة تضطهد المفكرين والمثقفين من سكان بلادها وتشدد عليهم وتخاف صرير أقلامهم. ويرجع أكثر الفضل في هذه النهضة الصحافية الميمونة إلى أدباء لبنان الذي نزح منه مئات الألوف إلى تلك الديار العامرة ولاسيما إلى العالم الجديد، ويقع هذا الجزء في 545 صفحة وقد ترجمت أكثر فصوله إلى الإنجليزية ليعمم الانتفاع بهذا الاحصاء، ويستفيد الغربي كما يستفيد العربي من مضامين الكتاب عند ما يراد الكشف عن جريدة ومعرفة منشئها الأول وتاريخ صدورها والمدنية التي صدرت فيها الى غير ذلك من الفوائد. وفي الحقيقة إن اللبنانيين الأثر المحمود في إصدار الصحف في الشرق والغرب باللغة العربية، وكان للمؤلف الفضل الأوفر في تدوين أعمالهم والتدليل عليها بإحصاءاته المدققة، فله الشكر على هذه العناية وهذا الدؤوب

الأمير فخر الدين المعنى الثاني أعظم أمير عربي قام في النصف الأول من القرن الحادي عشر من الهجرة في جبل لبنان وما إليه من بلاد الشام. وكان واسع المدارك محباً للعمران والحضارة، انتفع بكل قوة وجدها أمامه، وإذ كان حكمه يتناول الدروز والشيعة والسنة والموارنة والروم الأرثوذكس وغريهم من النحل في الساحل الشامي، ويريد أن يرضي كل فريق تبعاً للسياسة التي جرى عليها، اتهمه بعضهم بأنه كان يذهب مذهب الدروز، وفريق بأنه كان نصرانياً، والحقيقة أنه كان مسلماً يرى رأي أهل الستة والجماعة، وكان قد لجأ إلى إيطاليا في أُخريات أيامه فأخذ معه إمامه وأنشأ مسجداً ومنارة في البلد الذي نزله حتى أن فتاة له ماتت هناك لم يرض أن يدفنها في أرض إيطاليا، وحملها معه إلى الشام لما عاد إليها لتدفن في أرض إسلامية. وأهل لبنان يتمجدون بالأمير المعني لأنه حكم النصارى فأحسن إليهم ما وسعه الاحسان، واعتمد في الحكم على بعض نبهائهم يومئذ. ولذلك كان من الواجب تدوين تاريخه، والجمهورية اللبنانية الصغيرة في إبان نشأتها تحاول أن تجعل لها تاريخاً تعتز به، وقد تخلقه خلقاً، فكيف بتاريخ رجل جدير من كل وجه بالتخليد؟ وهذا ما تمحض له زمناً الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف، واستطرد في كتابته استطرادات كثيرة حتى جاء كتابه في 446 صفحة، مستنداً فيه إلى مصادر لبنانية وغيرها، باحثاً عما يهم وما لا يهم من الحوادث التي لها مساس بحاكم حكم لبنان من سنة 1590 إلى سنة 1635م، وكان قضى في الآستانة مقتولاً سنة 1045هـ. وقد حَلَّى المؤلف كتابه بصور أثرية قديمة تمثل حالة البلاد في عصر الأمير المعني، وشرح كل ما رآه جديراً بالشرح في الحواشي، فاستحق شكر الباحثين في تاريخ هذا الجزء الصغير من الديار الشامية

محمد كرد علي