مجلة الرسالة/العدد 123/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 123/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 11 - 1935



مؤتمر الشباب الأخلاقي - نداء لسعادة رئيسه

إلى شباب مصر:

أبنائي الأعزاء. . .

كان بودي أن أجمعكم في صعيد واحد لأقص عليكم هذا النبأ السار الذي تلتقيه بالغبطة والسرور من شباب رابطة الشباب المصري. . . وعهدي بكم سباقين إلى طريق الخير، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وهانحن أولاء نتقدم إليكم بفكرة هي أساس لهذا المعروف الذي جبلتم عليه وتسعون إليه. . .

ما أطيب أن تدعوكم هذه الجماعة الفتية لوضع دستور للشباب يتمخض من بين جموعهم، فيدعوهم إلى توحيد الصفوف توحيدا يبشر بالنجاح، وينظم حياتهم الخاصة والعامة تنظيماً يهيئ منهم جيلاً صالحاً نحن في أشد الحاجة إليه - ذلك لأن هذا النقص الذي نراه في بعض البيئات منا هو نتيجة لعدم تركيز حياتنا على أسس يجب أن تتوافر فينا جميعاً في هذا العصر وفي جميع العصور، فتجعل منا رجالاً يشرفون أنفسهم ويشرفون بلادهم؟ فإذا ما فهم الشباب حقيقة المقصد ونبل الغاية، فقد قدر لنا أن نحقق رسالتنا على يديه، ذلك لأنه الروح الدافعة، والقلب النابض في الأمة.

أبنائي: من منكم لا يريد الهداية لهذا الخلق الحائر. . . . المغمور فيما لا يرضي نفوسكم الطاهرة، فضموا الصفوف وتعالوا إلى كلمة سواء لتسمعوا آراء كبار مفكريكم في مؤتمر الشباب الأخلاقي، ثم نتناقش معاً في جو من الحرية ونزاهة القصد حتى يستقر عزمنا على تحقيق ما قمنا من أجله من وضع دستور تهذيبي يهيئ للشباب سبل الرشاد؛ هدانا الله سواء السبيل.

رئيس مؤتمر الشباب الأخلاقي

الأستاذ ساطع الحصري

قدم القاهرة منذ يومين الأستاذ الجليل ساطع بك الحصري الوكيل الفني لوزارة المعارف العراقية ومدير دار الآثار ببغداد، ليتصل برجال العلم وقادة الفكر في مصر، ويقف على نظم التربية وطرق التعليم ومناهج الدراسة في المعارف، فيقتبس من الأساليب ويختار من الكتب ما يلائم الحال في مدارس العراق، توثيقاً لرابطة الفكر وتحقيقاً لوحدة الثقافة بين البلدين الأخوين.

والأستاذ ساطع أحد الأعلام المعدودين في التربية؛ وقد كان عميد هذا الفن في تركية قبل الثورة العربية؛ فلما قامت الدولة الفيصلية في دمشق كان وزيراً للمعارف فيها، حتى إذا ما انتقلت إلى بغداد انتقل معها وتولى إدارة المعارف هناك، فوضع أساس التعليم للحكومة الجديدة على أساس الوحدة القومية وأحدث الطرق الفنية بالرغم من ندرة المعلمين ومشاكل الطائفية وعراقيل الإنتداب. وأفضل مزايا الرجل أنه صحيح المبدأ، منطقي الفكر، صليب الرأي، حي الضمير، يتقن العمل الذي يعمله، ويملأ المنصب الذي يَشغله.

له مؤلفات قيمة في التربية، ولكن أنفع آثاره وأخلدها مجلة التربية والتعليم التي كان يصدرها في بغداد، فإن مجموعتها سفر جليل حافل في التربية والأخلاق والأدب؛ وهو ولا شك ركن أساسي قوي من أركان النهضة العلمية في العراق؛ فأهلاً به وسهلاً.

حول قبر الصفدي

إلى الأخ (الصفدي) الفاضل، صاحب الكلمة الطيبة المنشورة في بريد الرسالة الحادية والعشرين بعد المائة. . . .

المعروف يا سيدي أن الصلاح الصفدي جاء إلى دمشق في آخر حياته، وتولى فيها وكالةً بيت المال وكتابة الدست وأقام عليهما إلى أن توفي سنة 764. فلما قرأت كلمتك شككت في ذلك ورجعت إلى ما في خزانتي من مراجع، فإذا الذي في طبقات السبكي (6: 94) والسبكي معاصره وصديقه، والشذرات (6: 201)، وتاريخ آداب اللغة العربية لزيدان (3: 161) والأعلام لخير الدين (1: 296) أن وفاته في دمشق، وزاد في الذرات أنه دفن بالصوفية، ومقبرة الصوفية قد درست وقام عليها بناء الجامعة السورية والمستشفى الوطني، ولم يبق منها إلا قبر شيخ الإسلام ابن تيمية قائما وسط المستشفى، وهي في أنزه موضع في دمشق معروف بمقبرة البرامكة.

فكيف يكون القبر الذي وصفت في صفد قبره؟ وعلام استند الأستاذ المحقق أحمد زكي باشا رحمه الله في تأييد ذلك؟ هل وجد نصاً يطمئن إليه الباحث، ويثق به المنقب، أم اكتفى بالسماع، والشائع على ألسنة الناس؟

هذا وقد وقع لي مرة أني كنت ماراً في الزقاق الذي ينتهي إلى سوق الحميدية، وفيه دور المَرْدميين، والذي يسمى زقاق الفخر الرازي، فلمحت في خربة قذرة قد اتخذها الناس لمثل ما تتخذ له المراحيض. . . . . . لمحت حجراً أبيض مصقولاً عليه كتابة يبدو طرفه، وسائره غائص في الطين والأوساخ والتراب، فعالجته ودعوت من أعانني على استخراجه، فإذا هو الحجر الذي كان على قبر الإمام المصنف العظيم، علامة المسلمين، فخر الدين الرازي، وإذا عليه اسمه، فحملت الحجر إلى المدرسة التجارية، وذهبت مغتماً ثائراً، أقيم الأرض وأقعدها. . . ثم بدا لي فرجعت إلى ترجمته، فإذا من المتفق عليه أنه توفي رحمه الله ببلدة هراة يوم الاثنين في عيد الفطر سنة 606 ودفن فيها!

ولعل هذه من تلك؛ ولعل هذه المزبلة التي في صفد قبر رجل أخر غير الصلاح صاحب الوافي بالوفيات وتلك المصنفات. وإذن فلله الحمد، وإن كنا من قبل لفي خطأ مبين.

والسلام عليك أيها الأخ ورحمة الله وبركاته.

علي الطنطاوي

الشيخ عبد العزيز الميمني

قدم القاهرة الأستاذ العلامة الشيخ عبد العزيز الميمني الراجكوتي أستاذ اللغة العربية في جامعة عليكرة في الهند، وأحد أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، وهو صاحب المصنفات والآثار الممتعة التي تمتاز بالتحقيق المنقطع النظير، ومنها:

(1) أبو العلاء وما إليه، وفي آخره فائت شعره ورسالة الملائكة.

(2) تنكيتات وتعقبات على خزانة الأدب للبغدادي ,

(3) اقليد الخزانة، وهو فهرس لما تضمنته خزانة الأدب من الكتب المنسوبة.

(4) تحقيق (ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد للمبرد).

(5) تحقيق (أبواب مختارة للأصبهاني في مجازات العرب).

(6) شرح (ما تلحن فيه العوام للكسائي ومقالة كلا لابن فارس).

(7) النتف من شعر ابن رشيق وابن شرف.

(8) ابن رشيق حياته والبيئة التي نشأ فيها.

(9) زيادات ديوان شعر المتنبي.

(10) تحقيق كتاب المداخل لأبي عمر الزاهد المطرز غلام ثعلب.

(11) تحقيق كتاب جاويزان خِرَد (أي العقل السرمدي)، كان ترجم أيام المأمون من الفارسية القديمة إلى العربية، وهو أقدم كتاب في العالم على رأي الفرس إذ ينسبونه إلى حفيد آدم.

(12) وقد عني في هذه السبع السنوات الأخيرة بكتاب اللآلئ في شرح أمالي القالي لأبي عبيد البكري فصححه على نسختين بألمانيا ومكة، ونقحه بما لا مزيد عليه من العناية، وخرج كل ما فيه، وشاطر المؤلف في جميع المباحث، وذيله بإتمام الكلام على ذيل الأمالي بطريقة البكري نفسه. والأستاذ الميمني بعمله هذا قد أتى بفلقة من الفلق في هذه الأزمنة المتأخرة، ودل على اطلاع واسع في آداب اللغة العربية في زواياها المترامية الأطراف، وقد سد الفراغات وما بيض له البكري في كثير من الأمكنة التي كانت تحتاج لمزيد بحث وتدقيق.

إلى غير ذلك من مباحث مفيدة ومقالات مستفيضة نشرت في مجلتي المجمع العلمي والزهراء. والله نسأل أن يمتع الأدب العربي بطول بقائه.

محمد شفيق

سرقة أدبية

نبهنا الأستاذ علي الطنطاوي والأديب محمد يوسف قوره إلى أن القصيدة التي نشرت في عدد الرسالة الماضي تحت عنوان: (حمامتي) وفوق إمضاء (عيسى وهب الله الشمبيري) هي للشاعر محمود حسن إسماعيل صاحب (أغاني الكوخ) ترجمها ونشرها في مجلة الأسبوع عدد 4 أبريل سنة 1934! وأعجب ما في الأمر أن هذا السارق أرسل إلينا قطعة أخرى، ويرجو أن نشير إلى أن اسمه (عيسى وهب الله عبد المسيح) لا عيسى وهب الله الشمبيري كما نشر، فكأنه ساعد الحق على فضيحته!!

السياسة والتاريخ أضحى تعليم التاريخ في عصرنا من أكبر العوامل في تكوين العقلية والثقافات القومية. وقد لعبت الثقافة التاريخية أكبر دور في تكوين الجيل الألماني الذي قام بالحرب الكبرى، وكانت من أهم العوامل المعنوية في إذكاء الفكرة الجرمانية. وحيثما كانت السياسة تسيطر على سير الثقافة القومية نرى التاريخ يلعب دوراً كبيراً في تكوين النشء، ويصور بالألوان التي تلائم غايات الدعاية السياسية؛ ففي إيطاليا الفاشستية وفي روسيا البلشفية، وفي ألمانيا الهتلرية، يدرس التاريخ بالأساليب السياسية، ويستعمل أداة قوية لصوغ عقول الشباب وتوجيهها نحو الآراء والنقط الحساسة التي تستطيع السياسة متى حان الوقت أن تضرب على أوتارها. ولم ينس الدعاة الهتلريون في ألمانيا هذه الحقيقة بل عملوا علة استغلالها، وأنشأت الحكومة الهتلرية معهداً جديداً للتاريخ أسمته (المعهد القومي لتاريخ ألمانيا الجديدة) وفي أنباء برلين الأخيرة أن هذا المعهد قد أفتتح بالفعل في حفلة رسمية عقدت ببهو جامعة فردريش ولهلم، وشهدها جمهور كبير من زعماء الحزب النازي ومندوبي الجامعات الألمانية. وتحدث مدير المعهد الجديد الدكتور والتر فرانك عن (الوجهة الاشتراكية الوطنية لفهم التاريخ) وأفاض في استعراض المناهج السلبية القديمة لدراسة التاريخ وحمل عليها بشدة قائلاً: (إن صراعنا العلمي ممتزج بصراع أمتنا القومي، ولسنا نستطيع أن نكون في حياتنا وفي عملنا أكثر من تعبير عقلي عن التطور العظيم والعصر العظيم اللذين اضطلع بهما أدولف هتلر)

وشرح الدكتور والتر مهمة المعهد الجديد في ميدان الدراسة التاريخية ولخصها في أربع نقط هي:

أولاً - غزو الأفكار الغربية لألمانيا منذ سنة 1789 (أعني منذ الثورة الفرنسية) إلى سنة 1848.

ثانياً - الحركة القومية الدينية في القرن التاسع عشر.

ثالثاً - ألمانيا وتطور الفلسفة في القرن التاسع عشر.

رابعاً - المسألة الألمانية اليهودية منذ الثورة الفرنسية إلى الثورة الألمانية الوطنية الاشتراكية.

وظاهر من هذا الشرح أن مهمة المعهد الجديد هي توجيه الدراسة التاريخية بما يتفق مع النظريات النازية في شرح التطورات القومية. فالأفكار الغربية التي غزت ألمانيا، كما غزت العالم كله، منذ الثورة الفرنسية هي أفكار خطرة منحلة لأنها تذهب إلى أبعد الحدود في تصوير الفردية والحقوق والحريات العامة، بينما تذهب المبادئ الهتلرية في الحكم وفي تصوير حقوق الفرد إلى أبعد حدود الطغيان وإنكار الفردية؛ والمبادئ النازية تصور بأنها أمثل طرق الحكم وتكوين الفرد. وأما فيما يختص بالتطور الديني والتطور الفلسفي، والمسألة اليهودية، فلا ريب أنها ستصور جميعاً بصور مغرقة تبرر سياسة النازي وتؤيدها، وتبرر بالأخص نظريات الجنس والتفوق العقلي الجرماني وغيرها.

وسيكون المعهد الجديد مصدر الوحي والإلهام لدراسة التاريخ وكتابته في جميع المعاهد والمدارس الألمانية.

كتاب جديد عن لورد بيرون

كانت حياة اللورد بيرون الشاعر الإنكليزي الأشهر موضع التأمل والدرس لأكثر من كاتب ومؤرخ، فصدرت عنها بالإنكليزية وباللغات الأحرى كتب لا حصر لها، ولكن حياة لورد بيرون ما تزال في عصرنا، أعني لأكثر من مائة عام على وفاته مادة شائقة للدرس؛ وقد صدر أخيراً عن بيرون كتاب جديد عنوانه (بيرون: أعوام الشهرة) بقلم الكاتب الإنكليزي بيتر كنيل؛ وهو كتاب ضخم يفيض بالعرض الشائق ويتناول حقبة صغيرة من حياة بيرون هي ما بين سنتي 1812 و 1816، وهي الفترة التي استقبل بيرون فيها مجده الباذخ وغدا عزيز المجتمع المدلل.

وقد ولد بيرون سنة 1788، من أسرة تشرفت بالنبل، ولكن عرف أفرادها بسوء الطباع وانحلال الخلق، ولم يكن بيرون يشذ عن هذه القاعدة؛ ولكن بيرون كان شاعر الطبيعة العبقري؛ بيد أن هذه العبقرية التي تفتحت بسرعة مدهشة، وغمرت كل ما حولها، لم تدم سوى فترة قصيرة هي التي اتخذها مستر كنيل موضوعاً لدراسته؛ ففي هذه الأعوام الأربعة أو الخمسة يبدو بيرون في ذروة قوته وخلاله، وقد استعرض المؤلف نفسية الشاعر وخواصه بإفاضة وبراعة، ونوه بنوع خاص بذلك المزيج المؤلم الذي يجثم في نفسيه بيرون وفي صفاته، والذي يجعل حياته الباهرة قطعة من العذاب المستمر؛ وذلك التباين المدهش الذي يجمع في صعيد واحد بين الخليع الصاخب والحيّ النقي، وبين المدنف الشره والقنوع الزاهد.

ومنذ سنة 1816 يأخذ نجم بيرون في الأفول، ولكن شهرته تصمد ردحاً آخر، وتنتهي حياته المضطربة الصاخبة بأن برغم على مغادرة إنكلترا إلى إيطاليا ثم إلى اليونان؛ وقد كان اسم اليونان الطامحة إلى حرياتها يجذب يومئذ كثيراً من عشاق الحرية، وكان بيرون في طليعة أولئك الذين جذبهم وسحرهم ماضي تلك الأرض القديمة؛ فغادر إيطاليا إلى اليونان في أوائل سنة 1824 حينما علم بأن اللجنة الثائرة انتخبته عضواً فيها؛ وذهب إلى اليونان ليعمل في سبيلها بقلمه وماله وشخصه؛ ولكن جراثيم الداء الذي قوض حياة الشاعر كانت تعمل عملها، فلم تمض أشهر قلائل حتى توفي، واختتمت تلك الحياة الباهرة الصاخبة بسرعة، ولكن اسم الشاعر ما يزال بعد مائة واثني عشر عاماً من وفاته يفيض حوله أسمى معاني العبقرية والعظمة والخلود.