مجلة الرسالة/العدد 147/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 147/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 04 - 1936



نابليون: المائة يوم

للسنيور موسوليني والسنيور فورزانو

نقلها إلى العربية الأديب يوسف تادرس

للأستاذ محمد فريد أبو حديد

مازال عظماء الرجال موضع تفكير الإنسانية وبحثها، ومهما كتب الكتاب في عظيم لم يستوعبوا أسراره بل تبقى في نواح منه مواضع فسيحة للأجيال المقبلة وبحثها، ولقد كان نابليون أعظم من ظهر في الإنسانية في تلك القرون الأخيرة من رجال الحرب والسياسة، ولئن نفِس عليه الأدباء عظمته وأبو عليه الزعامة فيهم، فلن يستطيعوا أن ينكروا أنه قد كان أديباً، وأنه كان شاعراً، لا بأنه كتب الكتب وألف القصائد، بل لأنه كان له فن الكاتب وخيال الشاعر. ولقد حاول أن يجول في ميادين الأدب الخالص كما حاول من قبله قيصر، فلم تترك له مشاغل المعمة ومشاكل السياسة فراغاً لذلك

وقلما نجد لغة من اللغات الحية ليس فيها ذكر لذلك الرجل العظيم، ولم تكن القصة مقصرة في ذلك عن التاريخ، فإن كتاب القصص وجدوا في حياته مواطن كثيرة يخرجون منها إلى خيال رائع أو تحليل بديع. فقد كان نابليون على شهرته وتطلع العيون إليه محاطاً بجو من الغموض يجعل في حياته مسارح لقناص الرواية وصيادي الحكاية

وقد اختلفت نظرات الناس في نابليون اختلافاً لا ينم عن شيء نميمته عن عظمته واتساع شخصيته. ولكن لم يكن في مقدور البشرية أن يدرك شخص كنه شخص آخر. فما زال تقدير الناس لنابليون تقديراً يقرب بهم إلى الحقيقة ولا يلمسها. فكل من كتب فيه قارب ولم يصب، ودنا ولم يصل. غير أن بعض الواصفين أقدر من بعض على قصد المرمى وبلوغ المدى، وذلك أن يكون الواصف فيه شيء من طباع الرجل وخلقه وآرائه. فإذا تحقق ذلك كان الواصف أدنى ما يكون من الحقيقة

وقد كتب هذه القصة التي بين يدينا الآن رجل عظيم تدنيه من نابليون علاقات كثيرة ومشابهات متعددة وذلك هو موسوليني، فكلاهما إيطالي، وكلاهما رجل حرب، وكلاهم رجل سياسة، وكلاهما فيه هذه المغناطيسية العجيبة التي تخلق الأصدقاء المخلصين والأعداء المتحمسين، وكلاهما انحنت له هامات كبيرة وعقول حصيفة، فإذا كتب موسوليني قصة عن نابليون، كان أليق الناس أن يصف نبضات قلبه وخلجات صدره. وهاهي هذه القصة تدل على ذلك أكبر الدلالة

يظهر نابليون في هذه القصة عقب أسره الأول وإرساله إلى جزيرة (البا) ويظهر فيها في فترة المائة يوم إلى أسره الأخير وإرساله إلى (سنت هيلانة) ولعمري لهي أيام القصة من حياة نابليون. هي الأيام التي تتجلى فيها مأساة بشرية رائعة:

دسائس ثائرة حوله، ومجهودات جبارة تحاول صد تيار أتيّ فتصرع دونه، وأصدقاء يفر بعضهم ويثبت أقلهم، ثم أنانية لا تنظر إلا إلى النفس ونفعها أو خلاصها، والرجل العظيم في وسط ذلك كله تنعكس فيه كل تلك العيوب وتشع منه كل تلك البواعث

صور موسوليني نظام الحكم وأسسه، ونطق عن لسان نابليون في تصوير عيوب الديمقراطية واحتقارها فقال:

نابليون - (. . . . . عندما أبرح باريس إلى الميدان، لا أريد أن يهاجمني البروسيون والإنجليز في وجهي بينما يطعنني مجلس النواب الفرنسي من خلف)

فوشيه - (مولاي إن المجلس هو الأمة)

نابليون - ((ترتفع نبرات صوته) لا. . . ليس هو الأمة (يبحث في مكتبه كالمحموم) إن صانع البنادق في مارسيليا الذي وهب لنا مائة بندقية، وصانع السروج الفقير في بولون سيرمار الذي قدم ثمانين سرجاً للفرسان، وعمال فيسول وفلاحي أرجون الذين حفروا الخنادق وأبو أن يتناولوا أجرا، وجنود الفرقة التاسعة والسبعين الذين رفضوا الرشوة لأنهم عقدوا العزم على لأن يتبعوني. . . وكل امرأة كنت أنتظر منها رسالة استجداء فإذا بي أتسلم من ذلك رسالة تقدم فيها ما ادخرته من مال. (يريهم لفة مربوطة بشريط وسام جوقة الشرف) هذه هي الأمة يا مسيو فوشيه، وليس الخمسمائة من المحامين الذين يستطيع أربعة من رجال حرسي أن يفرقوهم بمؤخرة بنادقهم)

وصور موسوليني شخص نابليون فلم يترك دقيقة لم يصورها: رجل ينام في أي وقت شاء، ويدرك في دقيقة ما يفوت الافهام في ساعات. فإذا عزم فإنما عزيمة البرق، وذلك حتى بعد أن فل حده وترهل جسده وضعفت عزيمته بعض الضعف. ثم صوره والداً تغلبه العاطفة وزوجاً يذكر حبه الأول ويحنق على زوجة خائنة حنقاً مكتوماً وإنساناً يحتمل العذاب والأحقاد احتمال الجبار

ثم صور موسوليني الموقعة الأخيرة، فكان في وصفه القائد الواقف على نشز من الأرض يرقب جنوده من منظاره، ويحرك الفيالق عن علم ودراية، حتى لكأننا ننظر من ثنايا وصفه ميدان (كاتربرا) و (واترلو). ونسمع أصوات القواد والساسة في مفاوضاتهم بعد النصر الأخير

فالقصة مثل رائع من أمثلة التأليف القصصي التاريخي، يكاد الإنسان لا يبصر فيها موضع القصص لصدقها التاريخي، ويكاد لا يلمح التاريخ لصدق تصويرها القصصي

وقد أحسن حضرة الأديب يوسف أفندي تادرس الناقد المسرحي لجريدة السياسة الغراء، في إخراج هذه القصة إلى اللغة العربية التي ما كان لها أن تفقد قصة موضوعها نابليون ومؤلفها موسوليني. وقد نقلها عن الترجمة الإنجليزية للشاعر الإنجليزي المعروف (جون درنكووتر)

وقد قرأت التعريب كما قرأت الترجمة الإنجليزية التي عربها المعرب، فإذا بي حيال قصة عربية سلسة حلوة الأسلوب سهلة اللفظ، قد أبرز المعرب روحها إبرازاً لم يدع فيها موضعا لغموض مع الصحة والدقة

فعلينا أن نشكر لحضرة المعرب الأديب مجهوده العظيم الذي أضاف به كنزاً كهذا إلى اللغة العربية المجيدة

محمد فريد أبو حديد

مكتبة القراءة والثقافة الأدبية

بقلم الدكتور أحمد فريد رفاعي

مدير إدارة المطبوعات

لا حاجة بنا أن نقدم إلى القراء الدكتور أحمد فريد رفاعي فهو ذو الشهرة الطائرة والصوت البعيد في عالم الأدب، وفي طليعة الجمهرة المستنيرة المثقفة في مصر، يجمع إلى نشاطه الوثاب عزيمة لا تفتر وهمة لا تكل، وهو جد معني بأن يظهر أبناء العربية على طريف البحوث وشائق التآليف في مختلف مناحي الثقافة العربية، فقد أصدر منذ سنوات قليلة مؤلفه الكبير (عصر المأمون) ونال ما يستحقه من الرضا والإقبال، كما أصدر سلسلة (الشخصيات البارزة)؛ وهاهو ذا الآن لا يشغله منصبه الرسمي الكبير عن أن يتحف أبناء العربية بسلسلة جديدة في أربعة أجزاء تشمل دراسة موضوعات مختلفة في الثقافة العربية أصدرتها مطبعة المعارف في حجم لطيف وهي (المقدمة، والتعقيب، والتذييل، والتعليق) وهي تشمل بحوثاً مستفيضة في نواح مختلفة تلذ حقاً وتنفع حقاً، فمن حديث عن حاجة العربية إلى التجديد، إلى كلام عن فن القراءة، إلى درس البرامج الدراسية العربية والإفرنجية، إلى مطلب عن القراءة، إلى حديث عن موقف المؤلف بين العربية والإنكليزية، إلى فذلكات عن ابن الجوزي والبغدادي وياقوت الحموي والفارابي وابن سينا وقيس بن رقاعة والزجاج وابن مسكويه وعمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري وأبي عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل وأبي حيان والأشتر النخعي والبصري والمهدي وطاهر بن الحسين وابن طيفور والصابي وابن زيدون والإسكافي وابن سعيد المغربي وابن صخر الهذلي، إلى غير ذلك من الأحاديث الشيقة والدراسات الممتعة

وقد صدره المؤلف الفاضل بمقدمة بليغة، شرح فيها غرضه من تأليفه وهو حرصه على توجيه الشباب توجيهاً نافعاً إلى الطريق الأقوم. فعسى أن يكون إقبال القراء عليه مكافئاً لجهده ومحققاً لقصده

(س)