مجلة الرسالة/العدد 155/من أحسن ما قيل في (موسم الشعر)

مجلة الرسالة/العدد 155/من أحسن ما قيل في (موسم الشعر)

مجلة الرسالة - العدد 155
من أحسن ما قيل في (موسم الشعر)
ملاحظات: بتاريخ: 22 - 06 - 1936



في قريتي

للأستاذ أحمد الكاشف

جمعت في العيد حولي سائر الآل ... وملتقى الآل حولي كل آمالي

أباً دعوني ومالي فيهمُ ولد ... ولست للقوم غير العم والخال

كأنني وهم في الدار مطلع ... منهم على أمم شتى وأجيال

أعدهم لغد والمقبلين غداً ... في هذه الأرض أجنادي وأبطالي

ما أحسن الشمل أرعاه وأشهده ... لأمهات وآباء وأطفال

فلا أرى فرقة في الدهر قاطعة ... لمطمئن وخفاق وجوال

ولا يصاب هديل في أليفته ... ولا الغضنفر في غيل وأشبال

أقمت في الريف لا أشقى بطاغية ... من الرجال ولا لاهٍ وختال

وعشت بالرطب من بقل وفاكهة ... فيما ملكتُ وماءٍ فيه سلسال

أحرم اللحم لي زاداً وأحسبه ... طعام مفترس في القفر مغتال

وقد أقاتل للحىّ المسالم من ... طير ومن حيوان كلَّ قتال

لو كان للنبت إحساس رأفت به ... وبت للنبت أيضاً غير أكال

كأنما قريتي ما دمت ساكنها ... ولايةٌ وكأني العمدة الوالي

أطلت فيها اعتزال العالمين ولي ... بكل ناحية همي وأشغالي

لقيت في عشرة الجهال عاطفة ... لم ألقها في رجال غير جهال

ولم أجد من وضيع الذكر خامله ... ما ساءني من رفيع الذكر مختال

حملت أثقال قومي وهي فادحة ... عنهم وما شعروا يوماً بأثقالي

وهان شأنيَ حتى ليس يذكرني ... من استعان بأقوالي وأَعمَالي

وما حرصت على عينيي وعافيتي ... حرصي على الود في حل وترحال

وما أبالي ونفسي في سلامتها ... طولَ اعتلالي بأعصابي وأوصالي

ومحنة لا عزاء أن أرى بلداً ... سوى بلاديَ أولى بي وأوفى لي

لو كان ما أغفلوا منى وما تركوا ... يعنيهمُ لم يطل تركي وإغ ولو بُليتُ بجبارين ما بلغوا ... مدى الأحبة من قهري وإذلالي

أريد حرية الوادي السليب وبي ... منه جراحي وآلامي وأغلالي

والدهر يجعلني حيناً ويمهلني ... حيناً وسيانَ إِعجالى وإِمهالي

ولو بلغت من الآجال غايتها ... لما انتفعت بأعمار وآجال

شعري استوى فيه عاصيه وطيعه ... كما استوى فيه إكثاري وإقلالي

وما أفاد غناءٌ فوق رابية ... ولا أفاد بكاءٌ فوق أطلال

وقد تبينت ما في الناس زهدني ... وكان في الزهد إعزازي وإِجلالي

ولست يوماً لموجود بمحترس ... ولا على رد مفقود بمحتال

ولو أتى بالنعيم الدهر ملء يدي ... لم يأت إلا لأعلالي وإِملالي

ولست أسأل عن حقي وقيمته ... ولو تولاه ميزاني ومكيالي

إن لم يكن ليَ ديوان وحاشية ... يوماً فحسبي محاريثي وأنوالي

ألست ممن دعا الأحزاب فأتلفت ... وردت الأمر من حال إلى حال

كفى من القوم بالزلفى رجوعهمُ ... إلى الذي فيه كانوا أمس عذالي

أرى المودة بالقنطار بينهمُ ... ولم أفز بينهم منها بمثقال

ولم أزل بينهم للخصم متقيا ... دخائلا هي في ذهني وفي بالي

أخشى على رسلهم نياته وهم ... منه أمام جلاميد وأدغال

وما تزال كما كانت سياسته ... يدور فيها بألوان وأشكال

وموضع النِّد أرجو عنده لهم ... لا موضع الصيد من أنياب رئبال

حق المصير تولوه بشملهمُ ... وهْو الكفيل بتغيير وإبدال

إن لم يجئ يومهم بالخير أجمعه ... ففي غد كل إتمام وإِكمال

والجو ينذر من نار بعاصفة ... حرباً وفي الأرض إنذار بزلزال

وقد يكون لهم من ضيقهم فرج ... كما تدافع أهوال بأهوال

يا فتية الشعر هذا اليوم موسمكم ... ومهرجان البيان القيم الغالي

أمانة الشعر أديتم ولم تجدوا ... ما تستحقون من عطف وإقبال

وحسبكم أن فيه أخوة لكم ... من أغنياء وأرباب وأقيال تجاهدون بأذهان وأفئدة ... وترجعون بلا جاه ولا مال

وتملكون من الدنيا سرائرها ... ولا تحلون منها الموضع العالي

وما يتاح لكم في الأرض متسع ... كما يتاح لعرف ودجال

قالوا أنقذ الشعر بعد (الشاعرين) ولم ... يأنس بغيرهما بميدانه الخالي

ولست وحدي لم في مصر بعدهما ... فمصر ملأى بأشباهي وأمثالي

أيشغلَنَّهُمُ ركب مضى وثوى ... عما أمامهمُ والمقبل التالي

إن لم ير الحي بعد الميت منزلة ... منهم فلا خير في المحزون والسالي

وإن كل بناء لا يصير إلى ... أبناء بانيه لهو الدارس البالي

خير من البلد الخصب المباح حمى ... صعب الجوانب من جدب وإمحال

والملك بالجند والحصن المحيط به ... لا بالحقول ونهر فيه سيال

أحمد الكاشف