مجلة الرسالة/العدد 155/موسم الإسكندرية

مجلة الرسالة/العدد 155/موسم الإسكندرية

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 06 - 1936



الحول قد حال

للأستاذ فخري أبو السعود

حُيّيت يا بحرُ إن الحول قد حالا ... فاستقْبل اليوم أَسراباً وأَرْسالا

تسعى إليك من البلدانِ ظامئةً ... إِلى الجمال على شطَّيك قد جالا

وللضياء على عطفيك مؤتلقاً ... وللنسيم على الآذِيِّ مختالاً

ومُلْك شمس على الآفاق مُنبسطٍ ... تعلِيه يوماً فيوماً كلما دالا

ومُزْبِدٍ فيك أشهى للنواظر من ... حباَبِ كأْسٍ علا في الكأْسِ جِريْالا

ودافِقٍ ترتوي الأرواح حائمةً ... به وينقع للأجسام صلصالا

وناعس الرملِ قد مرَّت به حِقَبٌ ... عدادَه وسيطوي بعدُ أجيالا

وهائج اللج يغزو الشطَّ مجتهدا ... لا يأْتلى عنه إدباراً وإقبالا

دَوْماً يحاول أمراً ليس يبلغُهُ ... وما يزال لما يبغيه محتالا

إذا تكسَّر من صخْر إلى حجر ... شهدت في كلِّ صوبٍ منه شلالا

يشنُّ حرباً على الخلجان عاتية ... دوماً ويعدو على الشطآن صوَّالا

يشن حرباً ويهدي من نسائمه ... خير التحايا كريم الفعلِ مفضالا

إذا النسيم تعالى من جوانبه ... معطَّر الثوب أرداناً وأذيالا

حسبت روضاً وراَء اللُّج ذا أرَج ... حيَّا أزاهرَهُ الوسميُّ هطَّالا

هذا النسيم بقلبي مُنبتٌ زَهَراً ... وباعثٌ فيه عرْفاً كلما مالا

هذى المحاسنُ كم يبعثن في خلَدِي ... من ذكرياتٍ وكم يحيين آمالا

يُفْسحن عمر الفتى مهما أطاف بها ... حتى تكون بها الساعاتُ آجالا

جَمعتَ عندك آي الحسن قاطبةً ... وطبت يا بحر أسحاراً وآصالا

إن كنت لم تجلُ حُوراً فيك عارية ... كما روَى قِدْما وما خالا

فكم على جانبيك اليوم منِ فتَنٍ ... لم تحو أسطورةٌ منهن أمثالا

غِيدٌ بِلُجِّكَ أَو بالرَّملِ سارحةٌ ... رَفَلْنَ في الحسن أعطافاً وأوصالا

هذى كنوزٌ على شطَّيك مزريةٌ ... بما تُزَوِّدُ غوَّاصاً وَلأَّ كنوزٌ حسنٍ إذا أصفى مَوَدَّته ... فَدَع كنوزاً لقارُونٍ وأموالا

الطرفُ منهنُّ مُثر مسرفٌ بذَخا ... والقلبُ يندُب إعساراً وإقلالا

وكلما خاضَ طرْفي أنْعماً وحُلًى ... تجشمَ القلب أوجاعاً وأهوالا

سبحانَ من أرْسلَ الأحداق في طلَقٍ ... وحمَّل القلبَ في الأَضلاع أغلالا

يا من عرضتُم فغادرتُم جوانحنا ... حرّى وقد نال منها الشوقُ ما نالا

بالرغمِ منِّى أن تمضوا على عجَل ... ولا يكونَ وَدادٌ بيننا طالا

تمَّتْ لديكَ صِفاتُ الحُسْنِ واختلطت ... لديك يا بحرُ أشتاتاً وأشكالا

فلا كشطِّكَ للألباب مُنْتجَعٌ ... ولا كأُفْقِكَ من وَحيٍ لمن قالا