مجلة الرسالة/العدد 156/فاز سعد!

مجلة الرسالة/العدد 156/فاز سعد!

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 06 - 1936



للأستاذ عباس محمد العقاد

عرف النفيَ حياة ومماتا ... وأصاب النصر روحا ورفاتا

كلما أقصوه عن دار له ... رده الشعب إليها واستماتا

كيف يجزيه افتياتا وهو مَن ... كان لا يرضى على الشعب افتياتا

أصبحت دارك مثواك فلا ... تخش بعد اليوم يا سعد شتاتا

حبّذا الخلد ثماراً للذي ... غرس المجد ونَمَّاه نباتا

كل أرض للمصلى مسجد ... غير أن الكعبة الكبرى مقام

هكذا قبرك مرفوع الذرى ... في جوار البيت أو سفح الأمام

أرض مصر حيث أمسيت بها ... فبنو مصر حجيج وزحام

غير أن الذكر يبغي منسكا ... مثلما يبغيه حج واستلام

فالق في قبرك خلداً كلما ... مرّ عام تبعته ألف عام

اعبر القاهرة اليوم كما ... كنت تلقاها جموعا ونظاما

ساعة في أرضها عابرة ... بين آباد طوال تترامى

ساعة من عالم الفردوس لا ... تشبه الساعات بدءاً وختاما

كل من شاهدها زِيدَ بها ... من معانيك جلالاً ودواما

قل لهم أبلغ ما قلت لهم ... أيها الواعظ صمتاً وكلاما

جرّدوا الأسياف من أغمادها ... ذاك يوم النصر لا يوم الحداد

ارفعوا الرايات في آفاقها ... أين يوم الموت من يوم المعاد؟

لا يلاقي الخلد بالخزن ولا ... يكتسي الفتح بجلباب السواد

ذاك يوم ما تمناه العدى ... بل تمناه ولاء ووداد

فانفضوا الحزن بعيداً واهتفوا: ... فاز سعد وهو في القبر رماد

الفراعين الأولى أجليتهم ... لتمنوا لو أجازوك الطريق

أنت أضفيت على أوطانهم ... سعة، وهي من الأسر مضيق

أنت أيقظت لهم تاريخهم ... وهو في نومته لا يستفيق فضلك اللاحق أحيا فضلهم ... فاستوى منه طريف وعريق

آية في الحق لا ينسخها ... في مدى الدهر عدو أو صديق

يا بني مصر اجعلوا نقلته ... رمز أحياء وعزم ومضاء

وانظروه كيف حالت دونه ... غِيَرُ شتى، وما حال القضاء

المعيقون تنحوا جانبا ... آخر الأمر، وسعد في البناء

كل ذي حق سيعطى حقه، ... ليس للمجد من الخلد نجاء

كل ما عارض سعيا باقيا ... عَرَض فان وزور ورياء

ترمز الشمس إلى نقلته ... بسفور غالب بعد حجاب

صرعت ليلين صبحاً فروت ... عن حضور ناصع بعد غياب

هو أيضا قد طوى ليل الردى ... وطوى ليل الغواشي والكذاب

في السموات وفي الأرض له ... أثر ينبئ عن يوم المآب

أثر الفجر إذا إنجاب لنا ... عن ضحاه،، بعد لأي وغِلاب

دان يا سعد لك الذكر بما ... شيد الباني وما خط الزبور

قدر نادى فلبته على ... موعد الذكرى صخور وسطور

أَنا بان لك في ملك النهي ... منزلاً يبقى ولا تبقى الصخور

من أسانيدك أساس له ... ومن الحق له حسن ونور

إن أنل شأوك فيه إِنني ... بالذي شيَّدت منه لفخور

فتية الوادي بسعد فاقتدوا ... إِن تخيرتم له خير وفاء

أذكروه بالذي يعمله ... منكم العامل في غير وناء

واذكروه بالذي امتاز به ... من مزاياه الأبيَّات الوضاء

هكذا يخلد سعد بينكم ... بتماثيل حياة ورواء

كل ما يعظم من أعمالكم ... هو تخليد لذكرى العظماء