مجلة الرسالة/العدد 162/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 162/البريد الأدبي
عطف المسلمين على منكوبي فلسطين
كان من أثر ما نشرته (الرسالة) من الوصف الناطق لمآسي فلسطين الدامية أن دفعت الأريحية العربية إخواننا في (تلمسان) إلى أن يؤلفوا جمعية لإعانة منكوبي فلسطين، فجمعت في أول اجتماع ألفا وخمسين فرنكا فرنسيا؛ أرسلت بها تحويلا إلى إدارة الرسالة على بنك الكريدي ليونيه في باريس. وقال الفاضل السيد المختار الصبان أحد أعضاء هذه الجمعية في كتابه إلينا: (وقد اقتضى نظر اللجنة المكلفة بجمع الإعانات في (تلمسان) أن يُبعث هذا المبلغ بأسمكم، راجين من فضلكم أن تبلغوه أنتم من هناك إلى من هو قائم بقبض الإعانات وتلقيها بفلسطين. وهذا مبلغ أول اجتمع بيننا، وسنوافيكم بعده إن شاء الله بكل ما يجتمع لدينا، لأننا مازلنا فاتحين باب الإعانة ودائبين في العمل. . .)
و (الرسالة) باسم فلسطين تشكر لأهل تلمسان أريحيتهم، ويسرها أن تكون واسطة خير بين إحسانهم وبين لجنة الإعانة
مسألة الأجناس
وجهت مجلة (النوفيل لترير) الباريزية إلى طائفة من أكابر الأخصائيين الفرنسيين في علوم الأجناس البشرية (البيولوجيا والانتروبولوجيا) عدة أسئلة تثيرها اليوم مسألة الأجناس في أوربا؛ وأخصها ما يأتي: (1) ما هو مبلغ نظرية جوبينو عن مزايا نقاء الأجناس أو تمازجها من الصحة؟ وهل يمكن أن تعتبر من الوجهة العلمية من عوامل التأثير في الحياة العقلية والمادية للأمم؟ (2) هل يمكن أن يعتبر وجود الأجناس النقية المنعزلة في عصرنا حقيقة بيولوجية؟ أم هل تقتصر هذه الحقيقة على بعض الميول العقلية والمصطنعة التي تتأثر بها اليوم بعض الأمم؟
وقد أجاب على أسئلة المجلة الباريزية عدة من أكابر العلماء منهم الأستاذ ريبو أستاذ البيولوجيا في كلية العلوم الباريزية، والمسيو رفيير مدير متحف الأنتروبولوجيا، والدكتور فرنو أستاذ الأنتروبولوجيا في معهد باريس. وتتلخص أجوبة هؤلاء العلماء فيما يأتي:
(1) إن الأجناس أو السلالات النقية نادرة الوجود في عصرنا حتى في أعرق الأمم حضارة، ولا يوجد أي نموذج منها في أوربا. وهي من الوجهة النظرية يجب أن تكون وحدات بيولوجية. ولكن الواقع أن الجماعات التي تزعم أنها قد احتفظت بنقاء الجنس لا تقوم إلا على المصلحة المشتركة، ولا تجمعها سوى ميول عقلية أو مصطنعة، وهذه ليست سوى عواطف يستغلها القادة في الجمهور الساذج
(2) إن امتزاج الأجناس الرفيعة بالأجناس المنحطة لا ينتج دائماً من الآثار السيئة ما يقول بعض العلماء؛ فقد ثبت من المشاهدات البيولوجية الحديثة أن هذا الامتزاج ينتج أحياناً نماذج جنسية بديعة. مثال ذلك امتزاج الأسبان والبرتغاليين بالهنود في البرازيل، فقد أنتج في بعض الأقاليم جنساً خلاسياً هو أذكى وأنشط وحدات الشعب البرازيلي
وقد أنتج امتزاج المستعمرين الهولنديين في جنوب أفريقية بالهوتنتوت شعباً ذكياً قوياً من الوجهة الحيوية
ويلاحظ الأطباء الفرنسيون أن امتزاج الفرنسيين بالهند الصينيين ينتج نسلاً بديعاً خصباً
وقد لاحظ رحالة إنكليزي كبير أن امتزاج السود بالبيض في الجزر الجنوبية في المحيط الهندي ينتج نسلاً جميل التكوين وافر الذكاء؛ وقد لاحظ بنوع خاص أن النساء الخلاسيات في هذه الجزر يتمتعن بجمال في الوجه والجسم يندر أن يوجد في كثير من الأجناس الأوربية
والخلاصة أن آراء أولئك العلماء تكاد تتفق على نقطة جوهرية هي أن نظرية نقاء الأجناس لا تقوم من الوجهة العلمية على أسس صحيحة
رواية عن مصر الفرعونية
كان أول من أتخذ أساطير مصر الفرعونية وتاريخها موضوعا للقصة العصرية الكاتب والرحالة الألماني الشهير جورج إيبرس، فقد أخرج لنا عن مصر الفرعونية عدة قصص امتازت بحسن السبك والخيال؛ ولم تكن المباحث الأثرية الفرعونية قد تقدمت في عصر ايبرس، أعني منذ نحو قرن تقدماً يذكر، وقد أثارت الاكتشافات الأثرية الأخيرة في تراث مصر القديمة اهتماماً كبيراً، وألفى فيها جماعة من الكتاب من مختلف الأمم مادة حسنة للقصة الممتعة. ومن هذه القصص التي ترجع بنا إلى الماضي الغابر، قصة صدرت أخيراً بقلم الكاتب الإنكليزي جاك لندسي عنوانها (جولات وينامين) وهي قصة تدور حوادثها على أواخر عصر طيبة حينما أشرفت مصر على هاوية الفوضى والحرب الأهلية، وبطلها موظف حكومي يدعى وينامين أوفده الكاهن الأكبر (آمين) إلى لبنان ليشتري خشباً من الصندل ليصنع منه قارب مقدس، ويصف المؤلف أحوال مصر المضطربة خلال الرحلة وما يلاقيه وينامين من الأحداث والمفاجآت الخطرة، ويصف بالأخص ظروف الحياة في طيبة القديمة، ويقارنها بالحياة في مصر الشمالية (الدلتا)، ويبدي مستر لندسي براعة خاصة في تنسيق الحوادث التاريخية وسبكها في قالب القصة المبتكرة دون أن يجني على روحها أو صبغتها التاريخية، وهذه مقدرة تشهد له بالتوفيق في فهم روح مصر الفرعونية كما يجب أن يفهمها قصصي يحاول أن يعرض الحقيقة في ثوب الخيال. ويرى بعض النقدة أن مستر لندسي هو أول قصصي إنكليزي استطاع منذ تشارلس كنجسلي مؤلف (هيباسيا) التي تدور حوادثها على العصر اليوناني في مصر أن يقدم عن مصر القديمة رواية جديرة بالتقدير الأدبي
رحلة في بلاد العرب
الآنسة فرييا ستارك رحالة إنكليزية تجولت كثيرا في الجزء الجنوبي من بلاد العرب. وقد أصدرت أخيراً كتاباً عن بعض رحلاتها عنوانه (أبواب جزيرة العرب الجنوبية وفيه تصف رحلتها في حضرموت، التي اخترقتها وحيدة في غمر من الصعاب والمشاق الهائلة. وقد كانت حضرموت منذ الأزمان الغابرة أعظم مركز لتجارة (البخور) والعطور الدينية التي لبثت مراكز إنتاجها قروناً في معزل عن العالم ولاسيما أوربا؛ وقد استطاعت الآنسة ستارك أن تنفذ إلى هذه المراكز وأن تتجول فيها؛ وفي كتابها نحو مائة صورة التقطتها بنفسها تمثل كثيراً من المناظر المدهشة عن طبيعة هذه البلاد وسكانها
ذكرى مؤلف المارسييز
احتفل أخيراً في أنحاء فرنسا بذكرى مؤلف النشيد القومي (المارسييز)، روجيه دي ليل لمناسبة مرور مائة عام على وفاته ونظم الاحتفال الرئيسي في مدينة ستراسبورج مسقط رأس المحتفل بذكراه، وألقيت الخطب الرسمية تنويهاً بروعة النشيد القومي وعظمة واضعه. وكان روجيه دي ليل ضابطاً في جيش الثورة، وكان شاعراً بفطرته، فوفق إلى وضع هذا النشيد الذي مازال منذ نحو قرن ونصف قرن يثير ضرام الحماسة القومية في فرنسا كلما هبت عليها الأزمات أو قرع نذير الحرب؛ وقد وضع روجيه دي ليل نشيده لجيش الرين الذي كان ينتمي إليه، ولكن جماعة من المتطوعة المرسيليين (أهل مرسيليا) نقلوا هذا النشيد وأذاعوه في أنحاء فرنسا، فسمي نشيد المارسييز منذ أيام الثورة إلى يومنا، ومازال هذا النشيد القومي الفرنسي يعتبر من أروع الأناشيد القومية؛ وقد وصفه الكاتب الإنكليزي الكبير توماس كارليل بأنه أسعد تركيب موسيقي، وأعظم غذاء للعزة والحماسة
وفاة كاتب ألماني كبير
توفي في باريس أخيراً كاتب سياسي ألماني كبير هو جورج برنهارت محرر جريدة (باريز - تسيتونج) التي تصدر بالألمانية في باريس. وكان برنهارت قبل قيام الحكومة الهتلرية عضواً في مجلس الريخستاج (البرلمان)، وكان ديمقراطياً متطرفاً، فلما قامت حكومة النازي هرع إلى المنفى فيمن هرع من أكابر الكتاب والساسة اتقاء لبطش طغاة ألمانيا الجدد؛ ووقف قلمه على محاربة الدعوة النازية في الخارج؛ وكان يكتب بالفرنسية في بعض المجلات والصحف الباريزية بمثل براعته في اللغة الألمانية
ومعظم أقطاب الكتاب الألمان يعيشون اليوم في المنفى وعلى رأسهم توماس مان، وأخوه هنريش مان، وأميل لودفيج، وليونارد فرنك، وغيرهم. ومنهم من غادر ألمانيا بسبب يهوديته مثل لودفيج؛ بيد أن معظمهم غادرها لأسباب سياسية، ولأن الحكومة الجديدة لا تسمح بذرة من الحرية للكتاب أو المفكرين
وهكذا يموت أكابر الكتاب الألماني في المنفى تباعاً لأنهم لا يستطيعون أن يتنفسوا في وطنهم