مجلة الرسالة/العدد 163/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 163/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 163
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 17 - 08 - 1936



مصير الآداب بين مسيو هربو والشاعر بول فاليري

عقدت لجنة التعاون العقلي الملحقة بعصبة الأمم مؤتمرها السنوي في جنيف في أواخر يوليه، برياسة المفكر الإنكليزي الكبير الأستاذ جلبرت موري، ومثلت فيها معظم الأمم المنضمة إلى العصبة؛ وجرت فيها عدة بحوث ومناقشات في المسائل الفكرية والأدبية، وكان مما لفت الأنظار بنوع خاص حوار طريف دار حول مستقبل الآداب بين أديبين كبيرين من ممثلي فرنسا هما المسيو ادوار هريو رئيس الوزارة الأسبق والمسيو بول فاليري الشاعر الكبير.

يرى مسيو بول فاليري أن أولئك المفكرين الذين يتذوقون جمال الشعر وروعة الأدب يختفون في عصرنا شيئاً فشيئاً حتى غدوا قلة محسوسة؛ وربما شهدنا في المستقبل القريب انقراض القارئ المفكر المتمهل؛ ذلك أن السينما والسيارة والأخبار السريعة التي تلقيها الصحف كل ساعة قد شغلت الأفكار، وأحدثت في الأذهان اضطراباً مريعاً، وأودت بقواعد النقد والكتابة السليمة، وأخذت الأذهان تعدل شيئاً فشيئاً عن البحث والتعمق إلى التعميم والبساطة السطحية، ووصلت العدوى إلى أولئك الذين اعتادوا من قبل أن يزنوا آراءهم وأن يمحصوها، فمستقبل الأدب الرفيع اليوم في ميزان، وليس بعيداً أن يطفو الأدب الشفوي على كل أنواع الأدب السليم الهادئ.

على أن مسيو ادوار هريو لا يرى رأي زميله المسيو فاليري، فهو أكثر منه تفاؤلاً بمستقبل الأدب الرفيع، ومن رأيه أن تطور الفكر الغربي يسير في مجراه الطبيعي، وأن الأدب يشغل مركزه الهام في المجتمع الجديد الذي يتكون اليوم. ويقول مسيو هريو إن الأدب سيبقى حياً دائماً، ذلك أن وحدة الذهن والأدب الحقيقي يرتبطان برباط قوي، ولا يتسنى للأدب أن يعيش وحده على هامش الذهن. وما دام هناك أدب رفيع فسيكون هناك قراء، فليخرج الأديب والفنان كل منهما نتائج فكره، فيجد دائماً من يتذوقها.

ويرى مسيو هريو أنه إذا كانت ثمة في آداب عصرنا بعض نواحي الضعف والسقم، فإن ذلك يرجع إلى آثار الحرب الكبرى. ذلك أنها كما أضرت في الماديات، أضرت في العقليات أيضاَ، وأصابت حركة التفكير بويلاتها.

وقد كان هذا الحوار الطريف مثار التعليق الكثير في دوائر الأدب، ونحن أميل إلى الأخذ في ذلك الموضوع برأي الشاعر بول فاليري، ويكفي أن نلاحظ ما أحدثته السينما والراديو ووسائل التسلية الفنية والشفوية من ضعف في الحركة الأدبية، لندرك أن الأدب الرفيع يسير إلى مستقبل غامض مجهول. فما رأي أدبائنا؟

برنارد شو في الثمانين من عمره

احتفل برنارد شو، واحتفلت معه إنكلترا، ببلوغه الثمانين من عمره (في الخامس والعشرين من يوليه) وفي ذلك اليوم قامت جمعية الحفلات بتمثيل روايته الشهيرة (جان دارك) ولبث برنارد شو طوال اليوم عاري الرأس، مشمر الساعدين، يطوف بلحيته البيضاء حول المسرح ليشرف على الاستعدادات، ويدلي بنصائحه للمس وندي هلر التي تقوم بتمثيل الدور الأول. وقد رأى برنارد شو أن يفاجئ أصدقاءه بهذه المناسبة بإحدى طرائفه فذكر لهم جميعاً أنه جمع من المال ما يكفيه، وأنه يستطيع أن يشتري لنفسه كل التحف والهدايا التي يتصورها الذهن، ولذلك فهو يرجو ألا تتعدى أثمان الهدايا التي ترسل إليه ثلاثة سنتات؛ فصدع أصدقاؤه بالرجاء، وجاءت السلال إلى فناء الدار تحمل أقلاماً من الرصاص، وأمشاطاً، ودفاتر للكتابة وأسلحة وأمثالها.

وقد ألقى برنارد شو في ذلك اليوم بتصريحين: أولهما أنه بهذه المناسبة يود أن يتجول قليلاً في جبال بلاد الغال، والثاني أنه لا يرى في الواقع فرقاً بين الاحتفال بعامه الثمانين وبين الاحتفال بعامه التاسع والسبعين.

تكريم الأستاذين أحمد أمين وعبد الرحمن عزام في دار الأيتام

ببيروت

لا تترك إدارة دار الأيتام في بيروت فرصة مرور أديب كبير أو رجل خطير إلا وتخف إلى تكريمه والاستفادة من علمه ومعرفته، حتى لقد أصبحت هذه المؤسسة في طليعة المؤسسات العلمية في الحاضرة بعملها على هذه الغاية وسبقها إلى كل مكرمة علمية، يقوم على إدارتها رجل شاب مثقف، دل على همة ونضوج في عمله، تراه لا يألو جهداً في تحسين هذه الدار والتقدم بها تقدماً محسوساً يرفع عنها (دالة اليتم) وإن تكن مصنوعة للأيتام.

كانت حفلة التكريم من الحفلات الرائعة التي تجلت فيها العاطفة العربية التي تربط بين الأقطار العربية على اختلاف مواضعها. بدأت الحفلة بكلمة مدير المؤسسة السيد محمد عبد القادر طبارة، شكر بها الزائرين على تلبيتهم الدعوة، وعلل الأسباب التي يكرمون بها الأستاذ أحمد أمين؛ ثم قدم المحاضر إلى منصة الإلقاء، فعالج موضوع الفقر وأسبابه ومعالجتها، فجعله آفة اجتماعية لا آفة سماوية يمكن التغلب عليها، ثم حلل الفقر وجعل له أسباباً طبيعية يتغلب العلم على كثير منها، وأسباباً غير طبيعية يجد لها المخلصون علاجاً في إخلاصهم، وهنا ذكر ما يجب على الحكومات عمله في طرد الفقر، وما يجب على الأوقاف التي تجمدت في ذهنها معاني الإحسان! وكان الأستاذ محدثاً موفقاً في محاضرته، خالباً ألباب سامعيه، داخلاً في نفوسهم، محللا موضوعه تحليل الطبيب الاجتماعي. وما أن انتهت المحاضرة حتى خف الزائرون إلى الميتم يتفقدون حجراته، فرأوا في هذه المؤسسة من الأناقة والترتيب والتقدم ما يشهد كله للقائمين على هذه المؤسسة الخيرية بالهمة السامية والعمل الكامل. وبعد لأي بدأت حفلة التكريم فما قلت جمالاً عن أختها، فتكلم حضرة مفتش المعارف السيد واصف بارودي كلمة عن أثر اللغة وربطها بين الأقطار، وعن آثار الأستاذ أحمد أمين، ثم ألقى الأستاذ جورج كفوري مدير الدروس العربية في المدرسة العلمانية كلمة بليغة في تحليل أسلوب الأستاذ أحمد أمين، وخصمه بمزايا منها: نزاهة في التحليل، وغوص على أعماق المسائل؛ وأيد قول زميله الدكتور طه حسين فيه: (إنه يعمل كالكيماوي في مختبره). ثم ألقى السيد كاظم الصلح خطاباً قيماً عن جهاد الأستاذ عبد الرحمن عزام، وعن وطنيته الدافقة التي تعلن الحرب في كل ميدان عربي، لأنها مؤمنة جد الإيمان بعروبتها، وهنا نهض الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام مبلغاً تحيات الأستاذ عبد الرحمن الذي حال بينه وبين قدومه العاجل إلى العراق، وأكد بكلامه أن البلاد العربية ساعية إلى وحدتها التامة ومتلافية فيها لأن كل شيء يسبقها على تقريب ذلك وليس فجرها ببعيد. وختم الحفلة الدكتور سليم إدريس شاكر لليتيم الذي سهل للحشد الكريم اجتماعه وتعارفه، ثم انصرف الناس تلهج ألسنتهم بالشكر والثناء الجميل على ليلة كانت من ليالي الدهر.

خ. هـ

حول نقد

قرأت في العدد 160 من (الرسالة) للأديب عباس خضر نقداً لقصيدة القاياتي. ولكني لم أستطع فهم رأيه في قول الشاعر:

يقولون إن الراح للفكر صيقل ... وربك ما في الراح عقل ولا فكر

فالأديب قد أخذ على الأستاذ المغالطة في هذا البيت وهذا قوله فيه:

(فأن خلو الراح من العقل والفكر لا يمنع من أن تصقل الفكر، وهناك كثير من الأشياء تصقل الفكر وليس لها عقل ولا فكر).

فهو قد فهم أن علاقة الراح بالعقل والفكر علاقة الملك ورأى أن للراح عقلاً وفكراً ولكني أستطيع أن أقول إنه ليس ثم مغالطة فالشاعر لم يقصد إلى ذلك ولم يعنه وإلا لكان جديراً به أن يقول:

وربك ما للراح عقل ولا فكر

ولكان البيت حينئذ سليماً والمعنى مستقيماً مع رأي الأديب.

ولكن الشاعر لم يرد ذلك ولم يعمل له وإنما يعني نفي العقل والفكر عن شارب الراح وكيف تصقل الراح العقل والفكر وهي تذهب بهما فلا وعي ولا تفكير، وذلك نظير قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس) فالإثم ليس فيهما وإنما في تعاطيهما.

ولو كان الشاعر يعني رأي الأديب لكان البيت ضعيف المعنى ضعيف السبك لا يجدر بشاعر حدث بله الشاعر عميق الفكرة دقيق الالتفات.

وكيف ينعى الشاعر على القوم قولهم إن الراح تصقل الفكر ثم يقرر ذلك.

محمد جمال الدين محمد

مدرس

النشيد القومي - الغلطة الأولى يدور بين الأدباء كلام كثير حول اختيار هذا النشيد الذي وضعه الأستاذ محمود صادق، والأمر بتلحينه واتخاذه نشيداً قومياً لمصر؛ ولا يعنينا أن نخوض الآن في شيء من ذلك.

ولكن الذي يعنينا أن أحداً من الأدباء لم ينتبه للأغلاط الموجودة في هذا النشيد، وهي أغلاط فاحشة، ولم تتنبه كذلك وزارة المعارف، ولم يتنبه علماء الدين إلى جملة في النشيد تؤدي بمن يعتقدها من المسلمين إلى الكفر الصريح! وهذا هو موضوع العجب! كأن الجميع اتفقوا على إهمال هذا النشيد وتركه يوم من تلقاء نفسه، وأصرت وزارة لمعارف من جهة أخرى على ألا يموت.

ونحن نذكر الغلطة الأولى في هذا النشيد، ونطلب من أنصاره الإجابة عنها، فإن فعلوا استفتيناهم في غيرها، وإلا اعتقدنا أنهم عن غيرها أعجز.

يقول واضع النشيد: (سأهتف باسمك ما قد حييت).

وهذا الشطر يتكرر في النشيد كله من أوله إلى أخره. والمعروف في قوانين العربية أن (قد) في مثل هذا التركيب تكون لتحقيق وقوع الفعل، فهي تمحص الفعل الذي بعدها للماضوية كما تقول قد رأيت، أي رأيت وانتهى زمن الرؤية؛ فإذا كان ذلك فما معنى تعليق فعل وقع وانقطع على فعل سيقع في المستقبل وهو (سأهتف)؟

إن معنى الكلام هو بالضبط كقولك سأهتف باسمك في المدة التي عشتها، وهذا بالضبط كما تقول سأقابلك أمس. وكل ذلك تركيب فاسد لا يمكن أن يستقيم في العربية. ونحن الآن نطلب مثالاً من العربي الفصيح تكون (قد) مستعملةً فيه بين ما المصدرية والفعل الماضي الذي سيؤول معها بمصدر، فإن وجد المثال فليتفضل من يدلنا بذكر الكتاب ورقم الصفحة.

س. ط

كلية الآداب