مجلة الرسالة/العدد 179/ما قول علمائنا؟

مجلة الرسالة/العدد 179/ما قول علمائنا؟

مجلة الرسالة - العدد 179
ما قول علمائنا؟
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 12 - 1936



الوحدة الإسلامية

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

الأستاذ بكلية اللغة العربية بالأزهر

سمعت المحاضرة التي ألقاها بدار جمعية الشبان المسلمين صاحب السماحة الشيخ عبد الكريم الزنجاني كبير مجتهدي الشيعة ورئيس مجلسهم الأعلى، وكانت المحاضرة في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، فرأيت فيه عالماً كبيراً، وإماماً مصلحاً، يندر وجود مثله بين علماء المسلمين في هذا العصر. ولا غرو أن تنجب بلاد إيران مثله، فقد أنجبت قبله في هذا العصر ذلك الحكيم العظيم، (جمال الدين الأفغاني) موقظ المسلمين من غفلتهم، وباعث الدعوة الإصلاحية القائمة الآن فيهم؛ وكأن الله أتى بالأستاذ الزنجاني ليكمل ما بناه قبله الحكيم الأفغاني، فليسر الأستاذ في سبيله، ولينسج على منواله، فالطريق ممهدة والغاية مرجوة، والأمل كبير في النجاح بعون الله تعالى.

ولكن كيف تتم الوحدة الإسلامية التي يدعو الأستاذ الزنجاني إليها؟ وما هو الطريق الموصل إليها حقيقة لا خيالاً؟ هنا أخالف الأستاذ الزنجاني فيما يراه من قيام هذه الوحدة على إزالة الفوارق بين الطوائف الإسلامية في الأصول الدينية على الأقل، وتقريب شقة الخلاف بين هذه الطوائف حتى تنحصر في الفروع وحدها.

فأني أرى ان هذا طريق شائك لا يوصلنا إلى الغاية المطلوبة من هذه الوحدة، لأن هناك خلافات حقيقية وكبيرة بين هذه الطوائف، ولا يمكن التقريب بينها فيها ولو بذلنا في ذلك ما بذلنا؛ فلا بد من طريق آخر يوصلنا إلى هذه الوحدة غير هذا الطريق ويقوم فيه بناؤها مع قيام هذه الفروق، وبقاء تلك الخلافات في الأصول والفروع.

فالخلاف بين أهل السنة والشيعة في عصمة الأئمة خلاف حقيقي، وهو خلاف في أصل من أصول الاعتقاد لا في حكم من الأحكام الفرعية؛ وأهل السنة يرون أن العصمة صفة خاصة بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أما الشيعة فلا يرون العصمة صفة خاصة بهم ويعتقدون العصمة في الأئمة من أهل البيت أيضاً، ولكنهم لا يقولون بأنهم أنبياء أ رسل. وقد تكلف الأستاذ الزنجاني إزالة الفرق بين أهل السنة والشيعة في هذا الاعتقاد، فقال ما مؤداه إن عصمة النبيين تختلف عن عصمة الأئمة عند الشيعة، وأنها في الأئمة معناها العدل والثقة، ونحن إذا وثقنا من رجل في علمه ودينه وعمله استبعدنا أن يقع منه خطأ أو مالت نفوسنا إلى استبعاد وقوع هذا الخطأ منه؛ أما عصمة الأنبياء فلها معناها الحقيقي، فهم معصومون عن كل خطأ، والفرق ظاهر في التقديرين وفي الحكمين. وإني أرى أنه لو كان هذا هو المراد من عصمة الأئمة لما كان هناك معنى في تسميتها عصمة، ولكان شأن الناس فيها كشأن الأئمة من أهل البيت وهو ما لا يقول به الشيعة.

وكذلك الخلاف بين أهل السنة والشيعة في خلافة الشيخين (أبي بكر وعمر) خلاف حقيقي، وله قيمته عند الفريقين.

ويضاف إلى هذا وذاك أن الشيعة في أصول الاعتقاد يتفقون في كثير منها مع أئمة المعتزلة، ويخالفون أهل السنة، كمسألة نفي الصفات وغيرها من مسائل علم الكلام، وهذه كلها خلافات يصعب إزالتها، فلا يصح أن نطمع في بناء الوحدة الإسلامية على محوها

وإنما الواجب في ذلك أن نقبل هذه الخلافات في ديننا، وأن تتسع لها صدورنا، وأن نجعل الخلاف في مثل هذه الأصول مثل الخلاف الذي نقبله في الفروع، فإذا قال الشيعة بعصمة الأئمة فلهم في هذا رأيهم، ما داموا يقولون إنهم أئمة معصومون، وليسوا بأنبياء ولا برسل؛ وإذا قال الشيعة إن علياً رضي الله عنه كان أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنكروا خلافتهما فلهم في هذا أيضاً رأيهم، ولنا رأينا في أن خلافتهما خلافة صحيحة.

وليقم الجدال في هذا وأمثاله بين الطوائف الإسلامية على الإقناع بالحجة النقلية أو العقلية، ولنبعد فيه عن التغالي في التعصب للرأي، والطعن في الدين والعقيدة، والرمي بالإلحاد والكفر، ولنجعل الخلاف في الرأي أداة تواصل وتعارف، لا أداة تقاطع وتجاهل، وليقم الخلاف بيننا على أنه خلاف بين أخوين في الدين، تجمعهما كلمة الإسلام، وتظلهما راية التوحيد، وقد امتاز الإسلام على غيره من الأديان بما سنه من سنة الخلاف في الرأي، فقال الله تعالى في سورة هود (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) وجعل الرسول للمجتهد إذا أخطأ أجراً واحداً، فإذا أصاب فله أجران، ولم يفرق في هذا بين أصول وفروع، بل أطلق الأمر إطلاقاً، وفتح باب الاجتهاد في الأصول والفروع معاً.

وهذا هو الأساس الصحيح الذي لا يمكن أن تقوم على غيره تلك الوحدة المطلوبة، أما ذلك الأساس الذي يراد بناؤها عليه فلا يمكن تحقيقه أبداً، لأن الخلاف في الرأي سنة طبيعية في الإنسان، وعلى هذا مضى أمره منذ الخليفة، وسيمكث عليه إلى ما يشاء الله تعالى.

ولابد أن أشير في هذه الكلمة إلى أنه لا بد في تحقيق تلك الوحدة من قبر ذلك الماضي القائم على التدابر والتقاطع، ولا يمكن قبر هذا الماضي إلا بقبر هذه الكتب المتدابرة المتقاطعة، وهي الكتب التي يدرسها أهل السنة في الجامع الأزهر بمصر، والكتب التي يدرسها الشيعة في معهد النجف الأعلى بالعراق؛ وقد أخذت النفوس في الأزهر هذه السنة تحن إليها، وتعمل على إعادة كثير منها، وتمدح مماحكاتها اللفظية الساقطة، وتنسى ما جلبت من الشقاء على الإسلام والمسلمين، وأنه بينما كانت كل قوانا الفكرية مصروفة إلى ألفاظها، كانت قوى غيرنا مصروفة إلى حقائق الأشياء ومعانيها، فنجحوا في علومهم دوننا، وتقدموا وتقهقرنا، ولم تنفعنا هذه المماحكات اللفظية التي برعنا فيها. ولا بد أن أشير أيضاً إلى أنه لا يكفي في تحقيق تلك الوحدة أن يزور الأستاذ الزنجاني الأزهر والكليات التابعة له، ثم نبادله في معهد النجف الأعلى زيارة بزيارة، بل لا بد من الاعتراف في الأزهر بفقه الشيعة ودراسته فيه كما يدرس فقه أهل السنة، ويكون هذا بندب أستاذ لدراسته في الأزهر من أساتذة معهد النجف الأعلى، كما يجب أن يعترف الشيعة بفقه أهل السنة، ويدرسوه في معهدهم كما ندرس فقههم في أزهرنا، ويكون هذا بندب أستاذ من أساتذة الأزهر لدراسة فقهنا عندهم، فيتم بهذا التعارف بيننا وتزول تلك الجفوة الممقوتة، وتتحقق تلك الوحدة المطلوبة.

عبد المتعال الصعيدي