مجلة الرسالة/العدد 180/مرثية توماس جراي
مجلة الرسالة/العدد 180/مرثية توماس جراي
نشر الأستاذ علي الطنطاوي في (الرسالة) عدد 178 بتاريخ 30 نوفمبر سنة 1932 ترجمة لمرثية جراي الشاعر الإنجليزي الشهير نقلاً عن قراءة صديقه الأستاذ حيدر الركاني، والأستاذ الطنطاوي أديب فنان لا يشق له غبار في كل ما يكتب، ومن الأفذاذ الذين رفعوا رأس الأدب العربي الحديث عالياً، ومن الملهمين الذين أراد الله لهم ولأدبهم الخلود ليؤدوا رسالة الأديب الفنان للمجتمع الذي يعيش فيه. ومما لا شك فيه أن الأستاذ الطنطاوي يؤلمه أن يقوم إنسان فيغير على آثاره الأدبية يترجمها ويقول على لسانه شيئاً لم يقله، أو يشوه أفكاراً وتعابير خالدة في فنه. ومما لا شك فيه أيضاً أن المترجم يحمل أمانة في عنقه لمن يترجم عنه، وعليه أن يؤديها غير منقوصة، وألا ينقل إلا الواقع وإلا ما أراده ذلك المترجم عنه. وعندي أن الأستاذ لو ترجم المرثية عن أصلها لبان له من روحه الفنانة وإخلاصه ما يجعل ترجمته في دقتها تقف في صف واحد مع ترجمة جرالد للرباعيات الخيامية المشهورة. ولو كانت صفحات الرسالة تتسع لأكثر من هذا المقدار لقدمت أمثلة على عدم دقة النقل؛ والذي يراجع الأصل لا يجد صعوبة في اكتشاف ذلك وهو كثير. على أن الواقع يدفعني إلى تقديم الشكر للأستاذ الطنطاوي على الإجادة التي لا تجارى في ترجمته التي كادت أن تقرب من الكمال. وإنا لنرجو أن يتبارى الشعراء في نقل هذه القطعة الخالدة إلى الأدب العربي شعراً بالرجوع إلى الأصل مع الاستعانة بترجمة الأستاذ المذكورة.
وزيادة لفائدة القراء رأيت أن أذكر مختصراً لحياة الشاعر توماس جراي وعن الظروف التي رافقت نظم تلك المرثية.
توماس جراي
ولد في السادس والعشرين من ديسمبر 1716 في كورن هل حيث كانت والدته وشقيقها يتجران بقبعات السيدات، وكان والده فيليب جراي كاتب عقود رسمية، وكان هو الوحيد الذي عاش من أسرة عدد أفرادها اثنا عشر شخصاً.
وفي سنة 1727 التحق بكلية إيتون حيث كان عمه مدرساً مساعداً في تلك الكلية، وهناك نشأت صداقته المتينة مع ريتشارد وست، وهراس ولبول، وتوماس اشتون.
وترك كمبردج في السنة التالية دون أن ينال إجازة علمية؛ ورحل في عام 1729 إلى القارة مع صديقه الحميم هراس ولبول في رحلة استغرقت ما يقرب من التسعة أشهر، وعاد بعدها إلى لندن. وفي سنة 1741 توفي والده فانتقلت والدته وشقيقتها إلى المعيشة مع أخت ثالثة اسمها ماري في مقاطعة بكنجهام شير وهناك نظم أول قصيدة عنوانها اجربينا وفي عام 1742 مات صديقه ريتشارد وست، فرثاه رثاء مؤثراً. وفي هذه السنة عاد إلى كمبردج وبقى مدة سنتين حصل في نهايتهما على درجة بكلوريوس في الحقوق.
وبعد ذلك بخمس سنوات توفيت خالته ماري وأحرق منزله في كورن هل.
وفي عام 1750 أكمل مرثيته التي نحن بصددها، وبعد ذلك بثلاث سنوات توفيت والدته. وفي سنة 1757 عرض عليه أن يكون شاعر العرش البريطاني الذي خلا بموت كولي سيبر فرفض ذلك. وبعد ذلك بخمس سنوات عرض نفسه ليكون مدرساً للتاريخ بدلاً من الدكتور ترنر المتوفى في تلك السنة، ولكن اللورد بيوت حال بينه وبين هذه الأمنية التي نالها بعد ثماني سنوات.
وفي سنة 1765 زار اسكتلندا وهنا عرضت عليه جامعة أبردين أن تمنحه لقب دكتور في الحقوق فرفض ذلك مستنداً إلى أن دراسته في كمبردج لا تؤهله لقبول مثل هذا اللقب. وبعد ذلك بأربع سنوات نظم نشيده المشهور الذي مثل عند تولية دوق جرافتون رئاسة الجامعة التي كان يدرس فيها التاريخ الحديث، وزار في تلك السنة منطقة البحيرات.
وفي سنة 1771 توفى فجأة بينما كان يتناول طعام الغداء، إلى جانب والدته في ساحة الكنيسة في في مقاطعة بكنجهام شير.
هذا مختصر لحياة هذا الشاعر. وفيما يلي وصف لظروف المرثية:
ابتدأ في نظم هذه المرثية في عام 1742 ولكن القسم الأعظم منها كتبه بين السنوات 1746 - 1750، وقد أتمها في اليوم الثاني عشر من شهر يونيه سنة 1750، وفي العاشر من فبراير أرسل إليه رئيس تحرير مجلة المجلات الإنجليزية يستأذنه في نشرها في مجلته فرفض طلبه. وعند ذلك أسرع وطلب إلى صديقه هراس ولبول أن ينشرها على الناس دون إمضاء. وفي السادس عشر من نفس الشهر طبعت في كراسة بعنوان (مرثية كتبت في ساحة كنيسة قرية) مع المقدمة التالية من ولبول: (لقد وقعت القصيدة التالية في يدي مصادفة، إذ جاز أن يدعي انتشار هذه القطعة وذيوعها بين الناس عرضاً. إن الاستحسان الذي صادفته هذه القصيدة سيجعل اعتذاري لمؤلفها في غير محله، لأنه ولا شك يشعر باغتباط شديد لإعجاب الناس وسرورهم بها فيما مضى. ومما لا شك فيه أيضاً أنه سيغفر لي جرأتي على النشر، لأشاركه تقديم المسرات لعدد آخر غير قليل).
وهناك ثلاث نسخ بخط الشاعر جراي نفسه محفوظة حتى اليوم. فالأولى كانت سابقاً ملكاً للسير وهي الآن في كلية ايتون، ومن المحتمل أن تكون النسخة الأصلية. والثانية تخص ورتون وهي موجودة في المتحف البريطاني تحت الرقم (2400). والثالثة في كلية بيمبروك وفي آخر هذه النسخة كتب جراي بخطه أيضاً ما يأتي: (نشرت في فبراير سنة 1751 بواسطة دوزلي وأعيد طبعها أربع مرات شهرين، وبعد ذلك طبعت الطبعة الخامسة حتى الحادية عشرة. وأعيد طبعها في 1753 بواسطة مستر بنتلي ثم ترجمت إلى اللاتينية وطبعت في عام 1762).
(نابلس)
ف. . . . .