مجلة الرسالة/العدد 183/العالم المسرحي والسينمائي

مجلة الرسالة/العدد 183/العالم المسرحي والسينمائي

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 01 - 1937



المعجزة

لناقد الرسالة الفني

النقاد عادة من أدق الناس في مسائل الذوق الفني، فهم بطبيعة عملهم كقضاة، قاسون لا يرضيهم من الأعمال إلا كل عظيم جليل، ولهذا فإن اختيارهم يكون بلا ريب ممتعاً، وقد أيد زميلنا وصديقنا الناقد المسرحي الأستاذ محمد على حماد هذا الرأي باختياره هذه القصة وقيامه بترجمتها للمسرح المصري ترجمة سلسلة الأسلوب سهلة اللفظ تلائم رواد المسرح

والرواية قطعة فنية رائعة من تأليف الكاتب الإنجليزي (رودولف بيزير) نالت في إنجلترا نجاحاً كبيراً دعا الكتاب الفرنسيين إلى نقلها لمسرحهم ودفع بأكبر شركة سينمائية في العام إلى اقتباسها. وقد أتيح لرواد السينما أن يروا شارلس لانتون ونورما شيرر وفريدريك مارش يقومون بالأدوار الرئيسية في هذا الفلم الذي نال الجائزة الأولى للعام الذي اخرج فيه. واللذين شاهدوا الفلم ثم رأوا القصة تمثل على مسرح الأوبرا لابد أحسوا بأن المسرح قد ابرز عوامل الجمال فيها في حين أن الفلم قصر عن أداء هذه المهمة كاملة

لست في حاجة إلى ذكر ملخص الرواية فموضوعها معروف لان أشخاصها ظهروا على مسرح الحياة في العهد الفكتوري، فالبطل روبرت بروننج شاعر إنجليزي كبير له دواوينه وأعماله الأدبية، والبطلة اليزابيث باريت شاعرة رقيقة العاطفة تزوجت من بروننج؛ وقد نشرت مجموعة الرسائل التي تبادلها البطل والبطلة والتي استمد منها المؤلف مادة قصته

لست أوافق من قام بالتلخيص المنشور في البرنامج الذي توزعه الفرقة القومية من أن القصة تدور في أساسها حول ذلك النزاع القديم المتجدد بين جيل وجيل، وبين فكرة وفكرة، وبين الآباء المحافظين الذين يريدون أن يفرضوا آراء أجيالهم الغابرة على أبنائهم الخ، فلو أن القصة تقوم على هذا الأساس وحده لما استحقت أن توصف بأنها عمل فني؛ فقد سبق المؤلف كثيرون إلى طرق هذا الموضوع. والواقع أن في القصة تحليلا نفسيا عظيما لشخصية الأب وشخصية الفتاة؛ ومن يتتبع القصة بانتباه تبرز أمامه الحقيقة الواضحة التي يعنيها المؤلف ويصورها بدقة، وهي أن الأب يحب ابنته - دون أن يدري - حبا جنسياً

فالعاطفة الجنسية هي سر حبه لابنته، ولكنه لا يدري هذه الحقيقة؛ فابنته ثمرة الحب ولدته أمها أيام كانت الحياة هانئة بين الزوجين، فهو إنما يحب أمها فيها في حين أنه يكره أولاده الآخرين لأنهم ليسوا ثمرة الحب، بل أنجبتهم أمهم في أيام الجفوة والشقاء بين الزوجين، وهذا هو السر في قسوته عليهم وفي أنه لا يفهمهم ولا يفهمونه

الإخراج والتمثيل

تصرف المخرج تصرفا له من السوابق ما يبرره وهو إخراج الروايات التاريخية في ثوب عصري، إلا أنه كان من الخير أن تظهر القصة في ثوبها التاريخي، فإنما تمثل واقعة تاريخية هي قصة زواج روبرت بروننج من اليزابيث باريت. أما رسم المناظر فبديع ولا سيما المنظر الثاني، ولكن اختيار الورق الأزرق الداكن لكساء حوائط غرفة نوم اليزابيث مما لا يلتئم والحوادث التي تجري فيه. فالرواية كما نعلم تحوي المواقف المحزنة والمواقف المضحكة، والأزرق الداكن لا يصلح إلا للمواقف المحزنة، ولأنه يبعث آثراً قابضاً في نفوس النظارة، فكان من الواجب أن يتنبه المخرج لهذه الحقيقة

أما الإضاءة فمهملة إلى أبعد حدود الإهمال: فهي واحدة لا تتغير سواء في المواقف المحزنة والمفرحة؛ ومن بديهيات الإضاءة أن الضوء القوي الصارخ من ضروريات المواقف الفكهة، كما أن الضوء الخافت من ضروريات المواقف المحزنة؛ ولكن الأستاذ عزيز يتجاهل هذا كله ويجعل الضوء قوياً صارخاً طوال مواقف الرواية

وفي المنظر الأول نجد الشبان يصعدون إلى غرفة نوم شقيقتهم بعد تناول العشاء وهم في ملابس السهرة في حين أن الشقيقتين كانتا تلبسان الملابس العادية. والأدهى أننا لم نحس أثناء التمثيل أننا في جو إنجليزي، فقد كان الممثلون في أحاديثهم وحركاتهم مصريين أكثر منهم إنجليزا. فالأستاذ منسي فهمي قام بدور الأب وبذل مجهوداً كبيراً ووفق إلى حد بعيد في تأدية الدور، ولكن كان يثور من حين لحين مما لا يتلاءم مع الشخصية ومع الخلق الإنجليزي؛ فالشخصية ليست في حاجة إلى الثورة لتؤثر الأب في نفوس أولاده، فان الرهبة التي في نفوسهم منذ الطفولة كفيلة بأن تعنى عن هذه الثورة، ولكن الذنب ليس ذنب الممثل بل هو ذنب المخرج. والآنسة نجمة إبراهيم كانت مجيدة في دور هنريتا، ولكنها كانت في ثورتها مصرية وفي سخريتها كانت بعيدة عن تصوير الخلق الإنجليزي. ومن المؤلم أن يسمح المخرج لعباس فارس أن يظهر الكابتن بهذه الصورة المزرية، فإن من الإسفاف أن نلجأ إلى الحركات لإضحاك النظارة ونيل رضاهم، والفرقة القومية قامت للسمو بالفن، والشخصية سهلة واضحة هي أن الكابتن خجول يرتبك في حضرة السيدات، وكان من الواجب أن يبرز الشخصية على حقيقتها دون الالتجاء إلى الافتعال

قام حسين رياض بدور الشاعر فأداه أداء طيباً، ولكن إبرازه له على انه شاب رزين مما لا يرضيني ومما يتعارض مع ما هو معروف عن نزوات الشعراء وخفتهم، وهذا الشاعر تقدم للزواج من فتاة شبه مقعدة!! وفي الموقف الذي يطلب فيه يد اليزابيث اهتم بتجويد إلقائه اكثر من اهتمامه بإبراز عاطفته

أما السيدة زينب صدقي فقد كانت بديعة إلى ابعد حد. والحق أن هذا الدور من احسن أدوارها، وفيه أثبتت أنها مقلدة ماهرة لنورما شيرر ولا سيما في المنظر الأول عند حدوث المعجزة وقيامها من فراشها وسيرها إلى النافذة، وفي الفصل الأخير عندما قبلها والدها القبلة التي كادت تفضح عاطفته

يوسف تادرس